لماذا تفشل التجربة الإخوانية في مصر؟
ناهض حتر
جو 24 : إذا كانت طموحات الليبرالية السياسية هي التي قادت النشطاء العرب الشباب إلى ميادين 2011، ضد الاستبداد، فإن جماهير الانتفاضات التي ما تزال مستمرة، وعتْ أم لم تع، تتحرك ضد الليبرالية الاقتصادية الكمبرادورية، ونتائجها الكارثية على حياة الشعوب، ومستقبلها.
في الحالة المصرية المثالية لتحليلنا، وجدنا أن تحقيق أهداف مثل إسقاط النظام الحاكم، وإطلاق الحريات العامة، وإجراء العمليات الانتخابية المتحررة من القيود السلطوية، لم تغيّر شيئا في الواقع البائس للاقتصاد والمجتمع المصريين، وإنما زادته سوءا. لا يمكن، بالطبع، تجاهل تأثير الأحداث الثورية نفسها على تراجع المؤشرات الاقتصادية، بل يمكن النظر إلى ذلك التراجع كمرحلة مؤقتة، إذا كان هنالك أفق اقتصادي ـ اجتماعي بديل. إلا أن انغلاق الدائرة السياسية المصرية على سلطة الإخوان المسلمين والسلفيين ـ المؤمنين بالليبرالية الاقتصادية ـ ومعارضيها المجتمعين تحت راية الليبرالية السياسية والثقافية، أظهر أن مصر تعيش، الآن، بلا أفق للخروج من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية البنيوية.
في كلمة شهيرة للخبير الاقتصادي الإخواني المصري، حسن مالك، يؤكد " "إن السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة في عهد مبارك، كانت تسير في الطريق الصحيح، لكن شابها تفشي الفساد والمحسوبية". وهذا هو جوهر المداخلة الاقتصادية الإخوانية بالضبط: النموذج النيوليبرالي صحيح إنما يعوزه البعد الأخلاقي. وهذه المقاربة هي التي تقود الحكم الإخواني في مصر إلى الفشل الأكيد.
في خطاب له أمام الجالية المصرية في قطر، طمأن الرئيس محمد مرسي، جمهوره، بالقول إن " الدولة المصرية هي الفقيرة، لكن المجتمع المصري غني". وهكذا، ومن دون أن يدري، لخّص مرسي أزمة مصر: المجتمع المصري ليس غنيا بالطبع، وإنما فئات قليلة منه هي التي تملك الثروات. وهي لم تحقق ثرواتها هذه على الرغم من فقر الدولة، بل نتيجة إفقارها الناجم عن خمسة عوامل، هي:
أولا، الخصخصة المنفلتة العشوائية التي أدت إلى انتقال العديد من أصول الدولة والمجتمع، إلى أيدي الرأسمال الأجنبي ووكلائه المحليين ( الكمبرادور بالمعنى الواسع للكلمة) وشبكات النفوذ والفساد،
ثانيا، تقديم التسهيلات والامتيازات العقارية والضريبية والمالية ومعظم الدعم المقدّم للطاقة والمياه، لصالح المستثمرين المحليين والأجانب، خارج أي خطة وطنية، على حساب خزينة الدولة التي تتولى، أيضا، الإنفاق على البنى التحتية اللازمة للاستثمارات التي تكاد لا تخضع لأي قيود ،
ثالثا، انسحاب الدولة من الانتاج، وقفل باب التنمية، وتحميلها، في الوقت نفسه، أعباء التعامل مع جماهير المفقَرين والمهمّشين، من خلال الدعم. إن الدعم الجزئي الموجه لتغطية بعض السلع الاستهلاكية الأساسية هو تعويض محدود لتدني الأجور والبطالة، لصالح المستثمرين الذين يُعدّ معدّل الأجور الواطئ ووجود جيش من العاطلين، شرطين لتمكينهم من تحقيق الأرباح، وإدارة سوق العمل، بما يكفل مصالحهم،
رابعا، ولمّا كان النموذج الاقتصادي الكمبرادوري، القائم على النهب والربح غير المقيّد اجتماعيا، عاجزا، بطبيعته، عن تشغيل قسم كبير من قوة العمل، فإن الدولة تتحمل تأمين فرص العمالة المقنّعة الزهيدة الأجور في إداراتها المتضخّمة وتاليا المترهلة والفاسدة. يقوم النموذج النيوليبرالي، نظريا، على الحكومة الصغيرة الكفؤ، لكن طالما ينتج النموذج نفسه، البطالة المتنامية، يغدو حل المعضلة محصورا بالتوظيف في الإدارات، والهجرة. وما يفيض عنهما، يلتحق بأشغال الارتزاق وعالم الجريمة والتهميش. وهو وضع يتطلّب جهازا أمنيا ضخما على نحو غير اقتصادي، تموّله الخزينة المرهقة،
خامسا، إن إدامة هذه اللوحة الشوهاء، تتطلّب تحييد المؤسسة العسكرية، سواء بالإنفاق الكثيف على ضباطها وتجهيزاتها أم بمنحها مجالا استثماريا خاصا بها، أي معاملتها التفضيلية كمستثمر خاصّ. وهو ما يكلّف الخزينة والاقتصاد، أعباء ليس ممكنا، بالنظر إلى طابعها العسكري الأمني، احتسابها.
كل ذلك، بالإضافة إلى كلفة الهدر والفساد، تتحمّله الدولة المصرية، ويلزّها إلى إدمان الاقتراض والبحث عن مساعدات خارجية، ويفقرها عن تقديم خدمات اجتماعية ذات كفاءة في الصحة والتعليم والتأهيل ودعم الحرفيين والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتطوير الزراعة، ما يؤدي، بدوره، إلى تعميق الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، وتراجع الفرص أمام الفئات الوسطى، وارتفاع نسبة العاطلين والمهمّشين، وهكذا في دائرة جهنمية.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
في الحالة المصرية المثالية لتحليلنا، وجدنا أن تحقيق أهداف مثل إسقاط النظام الحاكم، وإطلاق الحريات العامة، وإجراء العمليات الانتخابية المتحررة من القيود السلطوية، لم تغيّر شيئا في الواقع البائس للاقتصاد والمجتمع المصريين، وإنما زادته سوءا. لا يمكن، بالطبع، تجاهل تأثير الأحداث الثورية نفسها على تراجع المؤشرات الاقتصادية، بل يمكن النظر إلى ذلك التراجع كمرحلة مؤقتة، إذا كان هنالك أفق اقتصادي ـ اجتماعي بديل. إلا أن انغلاق الدائرة السياسية المصرية على سلطة الإخوان المسلمين والسلفيين ـ المؤمنين بالليبرالية الاقتصادية ـ ومعارضيها المجتمعين تحت راية الليبرالية السياسية والثقافية، أظهر أن مصر تعيش، الآن، بلا أفق للخروج من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية البنيوية.
في كلمة شهيرة للخبير الاقتصادي الإخواني المصري، حسن مالك، يؤكد " "إن السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة في عهد مبارك، كانت تسير في الطريق الصحيح، لكن شابها تفشي الفساد والمحسوبية". وهذا هو جوهر المداخلة الاقتصادية الإخوانية بالضبط: النموذج النيوليبرالي صحيح إنما يعوزه البعد الأخلاقي. وهذه المقاربة هي التي تقود الحكم الإخواني في مصر إلى الفشل الأكيد.
في خطاب له أمام الجالية المصرية في قطر، طمأن الرئيس محمد مرسي، جمهوره، بالقول إن " الدولة المصرية هي الفقيرة، لكن المجتمع المصري غني". وهكذا، ومن دون أن يدري، لخّص مرسي أزمة مصر: المجتمع المصري ليس غنيا بالطبع، وإنما فئات قليلة منه هي التي تملك الثروات. وهي لم تحقق ثرواتها هذه على الرغم من فقر الدولة، بل نتيجة إفقارها الناجم عن خمسة عوامل، هي:
أولا، الخصخصة المنفلتة العشوائية التي أدت إلى انتقال العديد من أصول الدولة والمجتمع، إلى أيدي الرأسمال الأجنبي ووكلائه المحليين ( الكمبرادور بالمعنى الواسع للكلمة) وشبكات النفوذ والفساد،
ثانيا، تقديم التسهيلات والامتيازات العقارية والضريبية والمالية ومعظم الدعم المقدّم للطاقة والمياه، لصالح المستثمرين المحليين والأجانب، خارج أي خطة وطنية، على حساب خزينة الدولة التي تتولى، أيضا، الإنفاق على البنى التحتية اللازمة للاستثمارات التي تكاد لا تخضع لأي قيود ،
ثالثا، انسحاب الدولة من الانتاج، وقفل باب التنمية، وتحميلها، في الوقت نفسه، أعباء التعامل مع جماهير المفقَرين والمهمّشين، من خلال الدعم. إن الدعم الجزئي الموجه لتغطية بعض السلع الاستهلاكية الأساسية هو تعويض محدود لتدني الأجور والبطالة، لصالح المستثمرين الذين يُعدّ معدّل الأجور الواطئ ووجود جيش من العاطلين، شرطين لتمكينهم من تحقيق الأرباح، وإدارة سوق العمل، بما يكفل مصالحهم،
رابعا، ولمّا كان النموذج الاقتصادي الكمبرادوري، القائم على النهب والربح غير المقيّد اجتماعيا، عاجزا، بطبيعته، عن تشغيل قسم كبير من قوة العمل، فإن الدولة تتحمل تأمين فرص العمالة المقنّعة الزهيدة الأجور في إداراتها المتضخّمة وتاليا المترهلة والفاسدة. يقوم النموذج النيوليبرالي، نظريا، على الحكومة الصغيرة الكفؤ، لكن طالما ينتج النموذج نفسه، البطالة المتنامية، يغدو حل المعضلة محصورا بالتوظيف في الإدارات، والهجرة. وما يفيض عنهما، يلتحق بأشغال الارتزاق وعالم الجريمة والتهميش. وهو وضع يتطلّب جهازا أمنيا ضخما على نحو غير اقتصادي، تموّله الخزينة المرهقة،
خامسا، إن إدامة هذه اللوحة الشوهاء، تتطلّب تحييد المؤسسة العسكرية، سواء بالإنفاق الكثيف على ضباطها وتجهيزاتها أم بمنحها مجالا استثماريا خاصا بها، أي معاملتها التفضيلية كمستثمر خاصّ. وهو ما يكلّف الخزينة والاقتصاد، أعباء ليس ممكنا، بالنظر إلى طابعها العسكري الأمني، احتسابها.
كل ذلك، بالإضافة إلى كلفة الهدر والفساد، تتحمّله الدولة المصرية، ويلزّها إلى إدمان الاقتراض والبحث عن مساعدات خارجية، ويفقرها عن تقديم خدمات اجتماعية ذات كفاءة في الصحة والتعليم والتأهيل ودعم الحرفيين والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتطوير الزراعة، ما يؤدي، بدوره، إلى تعميق الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، وتراجع الفرص أمام الفئات الوسطى، وارتفاع نسبة العاطلين والمهمّشين، وهكذا في دائرة جهنمية.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)