رحيل حكومة الرزاز أصبح واجبا..
د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
أجرى الدكتور عمر الرزاز التعديل الوزاري الثالث على حكومته التي جاءت بعد أن خرج الأردنيون بمظاهرات حاشدة للمطالبة بالإطاحة بسلفة هاني الملقي تنديداً بالإجراءات الاقتصادية القاسية التي اتخذتها الحكومة بتوصيات من «صندوق النقد الدولي» لإنعاش الاقتصاد الأردني.
وجاء قرار تكليف الرزاز بهدف نزع فتيل الاحتجاجات وقد لقي تكليفه ارتياحا شعبيا في بداية الأمر ولكن سرعان ما تبدد كلّ شيء بعدما سار الرجل على نفس النهج الاقتصادي، واستنزفت سياساته جيوب الأردنيين الفارغة أصلا وزادت في فقرهم وجوعهم، إضافة إلى إجراءات التقشف وارتفاع أسعار الوقود، وغيرها من السياسات الفاشلة المتعاقبة التي أدت إلى ارتفاع المديونية العامة للدولة بقطاعيها العام والخاص ووصلت إلى (90) مليار.
لقد مارس الرزاز المكر السياسي في خطاباته وسياسته اثناء الاجتماعات التي عقدها مع أعضاء السلطة التشريعية الذين عيّن بعض أشقائهم في وظائف قيادية، واجتمع مع الحراكيين، والنخب، والشباب والطلبة في الجامعات، ومع المعارضة كلا على حدة حتى تمكن من شق صفوفهم ومنح نفسه فرصة لالتقاط الأنفاس وتسويق مشاريعه ومخططاته الفاشلة، وبدأ بترحيل المشكلات الاقتصادية والأزمات وليغرق الأردنيون في بحور البحث عن متطلبات حياتهم اليومية المتمثلة في لقمة العيش ومستقبل أبنائهم المجهول.
وهنا أقول للرزاز بأن جلالة الملك حفظه الله منحك الفرصة تلو الأخرى لإجراء التعديل الوزاري الثالث على حكومتك، لكنك فشلت فشلا ذريعا في التعديل الأول والثاني وفي الثالث أيضا، وأقول أن حكومتك وطاقمك الوزاري بلون وطعم ورائحة تزكم الأنوف. فكيف تريد منا أن نستسيغكم بعد ذلك، فهل تعتقد أننا مقتنعون بأن تملك ولاية عامة في الحكومة؟ وهل تعتقد بأننا شعب بسيط لحد السذاجة لتطل علينا بتعديل منزوع الدسم وتحت ذريعة متطلبات المرحلة القادمة وتقييم أداء الوزراء وتسريع وتيرة العمل وما زالت كل القطاعات متدهورة؟ وهل تعتقد أننا مقتنعون بأن لك دور في تعيين مستشار في الديوان الملكي وزيرا للتخطيط والتعاون والدولي التي أصبحت أغنى من وزارة المالية بل وبديلا عنها وبحقيبة أخرى وهي وزير دولة للشؤون الاقتصادية لتضع بين يديه كل أموال المساعدات الخارجية واقتصاد البلد والتي لن يعرف الأردنيون كم هي وكيف تصرف وإلى أين سيكون مصيرها؟ وكذلك حال الاقتصاد المدمر نتيجة سياساتكم وأسلافكم، ألا تتعلم يا دولة الرئيس بأن هذا التعيين سيكون هي القشة التي قصمت ظهر البعير في وطني؟
وهل تعتقد يا دولة الرئيس أن وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء ووزير العمل أن لديهم مهارات وخبرات أكثر من موظف في المستوى الثالث في الوزارات؟ إن المتصفح لسير بعض الوزراء الذاتية يصل إلى قناعة بأن هشاشة الفكر السياسي في الاختيار تكرس لمنهجية الفساد التي تنخر في الدولة. وهل تدرك يا دولة الرئيس أن تغير مسميات الوزارات وبدون سند قانوني لن يغير في واقع الأمر شيئا؟ كما أن استخدامك لمسمى إدارة المحلية لإحدى الوزارة يشي بموضوع خطير في المستقبل؟، فماذا عن القطاع العام الذي ألغيت وزارته بدون مبرر واعدته أيضا بدون مبرر يا دولة الرئيس؟ ألا تعي يا دولة الرئيس أن هذا القطاع مترهل وأن العطار لا يُصلح ما أفسدته السياسات الفاشلة المتعاقبة ومنها سياساتكم؟
وهل يمكنك يا دولة الرئيس أن تذكر لنا مصفوفة المؤشرات لتقييم أداء وزير الصحة الذي أجمع كثير من الأردنيين وانا منهم بأنه من الرجال المخلصين والمهنيين في وطني، وأنه استطاع خلال فترة من الزمن أن يترك بصمة عادت على الشعب المسكين بالخير، أم أن مؤشرات أدائه مرتبط برضاء الحيتان أصحاب وتجار الأدوية؟ وماذا عن وزير الداخلية الذي لا يختلف أدائه عن غيره ممن أبقيت، علما بأننا لم نرى تنسيقا أمنيا عال المستوى إلا في عهده؟ وماذا يا دولة الرئيس عن مؤشرات أداء الوزراء الذين تفوقوا هل لك أن تبينها لنا وحالنا مائل؟ وماذا يا دولة الرئيس عن الوزراء الذين اختلفوا معك في النهج وأوقعوك في عدة مشكلات وسببوا لك تأزيما مع الشعب وكانوا عبئا عليك وعلى الشعب، هل لديك القدرة والجرأة والصلاحية على مساءلتهم؟ أم أن التأزيم مع الشعب مطلب وبالتالي أبقيتهم مع حكومتك.
وهل انت مقتنع يا دولة الرئيس بالتقارير التي تتحدث عن أن المطاح بهم كانوا مسخرين ضدك وأن مرجعياتهم كانت أمنية، وأن الثورة البيضاء التي فرح بها الناس وما لبثت أن تمخضت عن تعيين وزير التخطيط هي حقيقية؟ وهل تعتقد يا دولة الرئيس أن فريقك الوزاري مؤهل وقادر على مواجهة ما يتربص للأردن في صفقة القرن؟ أم أنهم فقط المؤهلين على مستوى الأردن وتعتقد أنك قد أحضرت الذئب من ذنبه كما يقال؟
إن الخريطة السياسية على الأرض تشير إلى أن حكومتك يا دولة الرئيس هي من وصلت الى عنق الزجاجة التي تتغنون بها وأسلافكم، وليس الشعب، فالسخط الشعبي قد بدأ يتوسع وسيضيقون الخناق عليك، وسياساتك الاقتصادية فشلت فشلا ذريعا، وأن الاحتماء لك ولغيرك لم يعد يجدي لأن الناس لم تعد تخشى إلا الله والخوف على الوطن، ولم تعد الوعود الكاذبة الفاشلة تنطلي عليهم أيا كان مُصدرها، وفي هذا السياق نقول لك إن اختياراتك في المرات الثلاث قضت على أي أمل مرتجى منك وأثبتت بأنك غير قادر على إدارة المرحلة وإن توزير الأصدقاء وسياساتك الفاشلة ستسجل في تاريخ يلعنه الأردنيون، وإن هذا الشعب العظيم الذي أصبح لديه قناعة تامة بأن لا نية حقيقية للاصلاح وأن ترهات الإصلاح لم تعد تنطلي عليه، ورغم القلة الذين يسخرون للنفاق والتسحيج فإنه سينتفض للدفاع عن وطنه، وإن رحليك أزف وأصبح واجبا وقاب قوسين أو أدنى.