jo24_banner
jo24_banner

عرقي حبرٌ وجلدي ورق..

أحمد حسن الزعبي
جو 24 : طوى عاملٌ رسالته المكتوبة بخط مرتجف، أدخلها في مغلّف قديم، ثم وضعها في صندوق بريد من غير طوابع، ومضى إلى عمله في يوم عيده..
المرسل: عامل.
المرسَل إليه: الحكومة.
***
كل عام وأنتم بخير؛ أنا لم أعتد على التهاني مثلكم، لذا اسمحوا لي إن هنأتكم بعيدي ونسيتُ نفسي، فأنا مذ وُلدت أذكركم وأنسى نفسي، أدْعو لكم بطول العمر وأنسى نفسي، أنفّذ المطلوب منّي وأنسى نفسي، أفرح لكم، وأنسى نفسي.
لا عليكم؛ يبدو أنني حقّاً نسيت نفسي، هدفي من هذه الرسالة المكتوبة بحبر العرَق، أن أذكّركم فقط أنني ما أزال كما تمنيتموني.. أصحو باكراً مثل السنونو، أحمل أدواتي بصمت، أمضي بصمت، أحب وطني بصمت، أعمل بصمت، أمرض بصمت، أجوع بصمت، أتألم بصمت، أعود إلى البيت بصمت، أنجب بصمت... وإن متّ أموت بصمت أيضاً..
أحمل أولادي على ظهري على طوّافة الحياة، مَن تشبّث بالعيش نجا، ومَن سقط مات.. أنا يا سادة لا أستطيع الانحناء لألتقط أيا منهم، فلي ظهر واحد وعندي عشرة أفواه..
سامحوني.. يجب أن أخبركم، أحياناً تنثني فوق شفتي ابتسامة بطيئة كانثناءة حديد التسليح.. أسمعكم تقولون إن لي حقوقاً لا أعرفها، ما أروعكم! حتى لو عرفتُها فلن آخذها، فلماذا أزعجكم إذن؟!
بصراحة، بودّي أن أركض إليكم وأرمي نفسي على طاولتكم، أو أدس نفسي بين أوراق البريد.. أنا رسالة تعب، فعرقي حبر وجلدي ورق.. أدور حول الرغيف دونما توقف.. ومع كل هذا، لم أقطع جدول أعمالكم يوماً بشكوى، ولم أنغّص صباحكم بمطالبة، لم أشارك باعتصام، ولم أقف دقيقة حداد.. شهيقي رضا وزفيري «عيش الأولاد».. سريري إسمنت، وغطائي رغيف.. أتنفّس حاجتي، وآكل حاجتي.. عيني على لقمتي، ولقمتي تملأ عيني.. ولا أطمع من هذا الوطن سوى في قبر يواريني عن الأنظار.
في الختام، أعدكم أن أبقى -كما أنا-.. فقط مقابل أن ترفعوا أيديكم قليلاً عن خبزي..
ملاحظة: أعرف أن رسالتي هذه من غير طوابع، لذا فقد كتبتها وأنا مرتاح البال أنها لن تصلكم أبداً..
التوقيع: عامل.
الرأي
تابعو الأردن 24 على google news