مدد يا سيدي مدد..!
حسين الرواشدة
جو 24 :
المزاج العام في عالمنا العربي خلال شهر رمضان هذا العالم كان صوفيا بامتياز، فعلى الفضائيات تربع محيي الدين ابن عربي والحسين بن منصور الحلاج على منصة « العشق «، امام جماهير « المريدين « والسالكين الباحثين عن اليقين، وفي بلادنا اهتزت مسارح قصر الثقافة على ايقاع « الاناشيد « والمولوية الصوفية حيث انتصب جلال الدين الرومي راقصا امام الحضور.
على بعد نحو 32 كيلومترا من عمان ايضا، حيث مقام النبي شعيب عليه السلام احيا مجموعة من «المتصوفة « ليلة القدر في المسجد الذي اقيم للضريح، مما دفع وزارة الاوقاف الى فتح تحقيق بالموضوع لمعرفة كيف تسلل هؤلاء الى المقام.
لم تتناقل وسائل الاعلام - ايضا - ما جرى في الحضرات الصوفية التي كانت تقام كل ليلة في معظم المحافظات، ولا الدروس التي قدمها المحسوبون على خط « التصوف « في المساجد، ففي هذا الشهر بالذات « تنتعش « هذه الحضرات بحضور المريدين الذين يتناوبون الذكر والانشاد والرقص حول «شيوخهم» كل على طريقته وحسب تقاليده.
ارجو ان لا يسألني القارئ الكريم عن « سر « احياء هذه الليالي الصوفية التي غمرت بلداننا العربية في رمضان، صحيح ان « للصوفية « تراثا كبيرا وحضورا دائما في كثير من بلداننا، وصحيح ان لدينا تجربة عميقة وثرية في هذا المجال، لكن الصحيح ايضا هو ان استدعاء التصوف بمثل هذه « الكثافة « وبمثل هذا الاحتفاء يحتاج الى وقفة اخرى، ليس هذا مكانها بالتأكيد، ولست المعنيّ بالتعليق عليها.
سواء أكان هذا الاستدعاء طبيعيا او صناعيا، فانني اعتقد ان المجال الديني اصبح مفتوحا في عالمنا العربي لاستقبال « الصوفيين «، ليس فقط لان الساحة اصبحت « مهيأة « لهم بعد خروج ممثلي الحركات والفرق الاخرى او اخراجها، وانما لان مثل هذا الحضور - كما دلت تجاربنا التاريخية - يتناسب مع المزاج الشعبي العربي ( لا تسال لماذا؟! ) ومع رغبة السياسة تحديدا في تجاوز حالة « التدين « المناكف والمتمرد - بانواعه التي نعرفها - الى توطين حالة « التدين « الناعم والزاهد او التدين الروحي المشغول بالذكر والتسبيح والاناشيد « والتوسل « فقط.
اعرف ان كثيرين لم يرحبوا باطلالة الحلاج ( 265 هجرية ) ولم يعجبهم نبش قبر ابن عربي ( 558 هجرية ) واعرف ايضا ان قليلين قرأوا «التفاسير والطواسين وبستان المعرفة والمرويات والديوان» وغيرها مما تركه الحلاج، او قرأوا « ترجمان الاشواق وفصوص الحكم واليقين « وغيرها مما كتبه ابن عربي، لكن المؤكد ان اختيار الرجلين « كأبطال « على الشاشات كان له اهداف اخرى غير تلك التي يمكن لباحث غيري ان يفتش عنها، او لمشاهد عربي يريد ان يتحرر من سطوة عبث السياسة بمتابعة مسلسل عن « العشق « الالهي الحقيقي لا المغشوش.
لا اريد ان ادافع عن الدين او اهاجم منتقدي الصوفية، كما لا اريد ان اعلق على « دراما « التصوف التي حضرت في رمضان بدعوة مرتبة ومقصودة، يكفي ان اقول بأن حال عالمنا العربي الان كحال المريد الصوفي الذي يجلس في الحضرة مستسلما امام شيخه، يهز راسه ويردد متوسلا : مدد يا سيدي مدد..!