الهجمة على مجالس أمناء الجامعات.. هل هي مبررة، وماذا وراء الاكمة ؟
د. محمد تركي بني سلامة
جو 24 :
كنت قد وعدت بمقالي الأخير بعنوان: مجالس أمناء الجامعات والمهمة شبه المستحيلة، بان اكتب عن الهجمة على مجالس الأمناء ، ويأتي هذا المقال ردا على بعض من تناولوا الموضوع بطريقه كيدية ، وعلى نهج كلمة حق يراد بها باطل، وأقدم وجهة نظر بدقة وموضوعية معززه بالحقائق والوقائع والأرقام.
عندما تقدمت الحكومة بمشروع قانون جديد للجامعات إلى مجلس النواب في عام 2017، كان من ضمن الأسباب الموجبة للقانون تعزيز الركائز المؤسسية في العمل الجامعي ضمن السياسة العامة للتعليم العالي للنهوض بنوعيته ومخرجاته، وكذلك توسيع مهام مجالس الأمناء وإشرافهم على الجامعات لتحقيق أهدافها ومهامها على النحو الأمثل ، لتكون مجالس الأمناء وفق القانون الجديد مجالس حقيقية نشيطة وفاعلة وذات حضور ، وبشكل عهدها قطيعة مع المجالس الشكلية السابقة ، وذات الحضور المحدود ، كما جاء اشراك القطاع الخاص في حاكمية التعليم العالي من خلال إيجاد ارتباط مؤسسي وثيق بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من الطاقات المؤهلة في القطاع الخاص في تطوير التعليم العالي، وهذا التوجه هو تجسيد للرؤية الملكية السامية في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبناء على هذه الأسباب الموجبة والمقنعة اقر مجلس النواب الحالي القانون ، واستكمل الإجراءات الدستورية ونشر في الجريدة الرسمية وأصبح نافذا .
لقد نص القانون على تشكيل مجالس الأمناء من أكاديميين ومن قطاع الصناعة والتجارة وذوي الخبرة. والحقيقة ان تكوين المجالس بهذه الطريقة كان الهدف منه وضع حد لسيطرة النخب الأكاديمية على مجالس الأمناء من خلال فتح المجال أمام أشخاص من فئات أخرى للمشاركة في رسم السياسة العامة للجامعة وتقييم أداء قيادتها ، لقد نجح الوزير الطويسي في وضع حد لسيطرة نخب معينة على مقاليد التعليم العالي في البلاد، وهي في طبيعتها نخب متكلسة وغير ميالة الى الى ترسيخ اية تقاليد ديمقراطية ، وحريصة على الاحتفاظ بمواقعها بالقدر الذي يسمح لها بمواصلة عملية الاستحواذ على اكبر قدر ممكن من المكاسب . لقد شعرت هذه النخبة انها همشت ، وكانت تعتقد انها صاحبة قوة ونفوذ في ميدان التعليم العالي لا ينازعها فيه احد .
لقد جاءت تشكيلة مجالس الامناء مستندة إلى رؤية ديمقراطية في المقام الأول ، وهي توسيع قاعدة المشاركة الشعبية أمام المواطنين في ادارة الشأن العام ، الأردنيون يجمعون على ضرورة المشاركة في صنع القرارات التي تمس حاضرهم ومستقبلهم ، و هذه المشاركة علاوة على انها ارفع صور الديمقراطية ، هي الترجمة الأكيدة للمواطنة الفاعلة التي جاءت في الأوراق النقاشية الملكية وخصوصا الورقة الرابعة.
وفي ضوء هذه المعطيات تم إعادة تشكيل مجالس أمناء الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة . وقد جاءت التشكيلة متوافقة مع نصوص القانون ، فتم إشراك الأكاديميين ورؤساء مجالس المحافظات والقطاع الصناعي والتجاري و أصحاب الخبرة اضافة الى بعض الدماء الشابة ، والتشكيلات بمجملها كانت تعكس التنوع في المجتمع الاردني وأعطت فرصة لوجوه جديدة لقيادة مسيرة التعليم العالي في البلاد. لم يأتي وزير التعليم العالي السابق د. عادل الطويسي بأعضاء مجالس الأمناء من كوكب المريخ ، وجل الذين تم تعيينهم هم مواطنين أردنيين وفقا لنصوص القانون. وللدقة والموضوعية فقد وقع خطا في تعيين ثلاثة أشخاص لم ينطبق عليهم القانون من بين ما يقارب (400) عضو هم اعضاء مجالس الامناء في الجامعات الرسمية والخاصة ، وقد تم سريعا تصويب الوضع ومحاسبة المخطئ ، ولا أريد ان أقول في هذا المجال ان مجالس اعيان ووزارات كانت تشكل و يتم التدقيق على أعضائها من قبل مؤسسات عديدة ، ثم يتم تعديلها بسرعة لاكتشاف أعضاء فيها بشكل مخالف للدستور أو القانون.
ولكن الذي حدث بخصوص الخطأ في عضوية ثلاث أشخاص في مجالس أمناء الجامعات، ان البعض من هواة الاصطياد في الماء العكر استغل هذا الموضوع بشكل شخصي وبنى هرما فوق راس دبوس ، بهدف الإساءة للانجاز الذي حققه وزير التعليم العالي السابق د. عادل الطويسي باعتباره مهندس قانون الجامعات الجديد ، والذي جاء فيه تعديلات كثيرة لصالح عضو هيئة التدريس مثل رفع عدد سنوات الاجازة بدون راتب الى (8) سنوات ، ورفع سن التقاعد لعضو هيئة التدريس من رتبة استاذ الى (75) عاما ، والسماح بالانتقال بين الجامعات وغيرها من نصوص ، وقبل ان تباشر هذه المجالس عملها ، وقبل مرور عام على تشكيلها تعرض الوزير الطويسي و مجالس أمناء الجامعات الرسمية لهجمة ظالمة وحمله آثمة ، من بعض الذين يتباكون على الجامعات وهم ابعد ما يكونوا حريصين عليها، واخذ البعض منهم في إطلاق الاتهامات جزافا ، والحكم على المجالس لغاية في نفس يعقوب.
وحتى تتضح الصورة، ويظهر أمامنا المشهد بشكل لا يحتاج للتفسير والتأويل، اود التوقف عند مقال نشر من قبل عضو هيئه التدريس في جامعه اليرموك باسمه الصريح وصفته الوظيفية، وكأنه يتحدث بصفة رسمية باسم الجامعة ، وللأسف فانه حتى اليوم لم يصدر عن الجامعة أي رد أو تعليق على الموضوع، المقال تحدث عن مجالس الأمناء بأسلوب كيدي وقال كاتبه فيها ما لم يقله مالك في الخمر، دون ان يستند الى أي اساس من الصحة او المنطق ، وازعم انه لا رئيس جامعة اليرموك ولا مجلس أمناء جامعه اليرموك يقبل ان يسكت على هذه الإساءة له أو لمجالس الأمناء بشكل عام، ولكن الحق أقول انه عندما يقرر مجلس عمداء جامعه اليرموك بناء على ايعاز من مجلس الامناء إعطاء الأولوية للأردنيين في التعيين في الجامعة، فان هذا عمل وطني بامتياز، وان كان يتعارض مع المصالح الخاصة لقلة من الناس ، وازعم انه بحكم تخصصي الدقيق في النظم السياسية واطلاعي على تجارب و دساتير وقوانين اعرق الديمقراطيات في العالم، فان كل دول العالم تميز شعوبها عن غيرها بالقوانين والسياسات ، وتعطى الأولوية لمواطنيها في كل شيء، والأردن ليس استثناءا، فالأردن لن يكون أكثر عروبة من العرب، الأردن اليوم محاصر ومعزول ، ويتعرض لشتى أنواع الضغوط من الاشقاء والحلفاء ، وعندما يتم تهميش وظلم وإفقار الأردني في وطنه تحت عباءة العروبة، فليعذرني القومجية وأعلنها بكل صراحة ، فلتذهب العروبة إلى الجحيم.
نخلص إلى القول ان الهجمة على مجلس الأمناء هي ذر للرماد في العيون، لتجنب الرقابة والتقييم من بعض من لا تروقهم المساءلة والمحاسبة ، وبعض اصحاب المصالح الخاصة ، وهي محاوله مكشوفة لتحويل رقابه المجالس عليهم الى الهجوم على المجالس ، وجزء من هذه الحملة من مصادر نيران معلومة لديها مخاوف من فتح بعض الملفات ، وبدأت تخسر معركتها المفتعلة مع مجالس الأمناء لأنها كانت تتوهم ان هذه المجالس شكليه كسابقاتها، وأنها ستؤيدها في كل توجهاتها وقراراتها دون مراجعه أو قيود أو شروط ، وإنها ستلوذ الصمت تجاه ما يجري في هذه الجامعات من ممارسات غير مقبولة.ولا اريد الخوض فيها الان حرصا على سمعة التعليم في الاردن. ولكن بدون ادنى شك اقول ان تغيير هذا الطراز من رؤساء الجامعات اصبح مطلب اكاديمي وشعبي ، وضرورة ومصلحة وطنية .
وأخيرا، فقد قطع وزير التربية والتعليم العالي الدكتور وليد المعاني قول كل المشككين عندما أعلن أن قانون مجالس الأمناء لا ينص على حله، إذ نص القانون على أن الأعضاء يعينوا لمده أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة ، ولم ينص على حلها ، كما اكد الوزير على انه لا توجد نية لحل مجالس الامناء لأنه لا يوجد مبرر لذالك ، الامر الذي يعني ضمنيا ان تشكيل هذه المجالس كان صحيحا وموفقا . و وازعم ان الدكتور وليد المعاني هو رجل دولة بامتياز ولا يمكن أن يتصرف بشكل اعتباطي لتلبية رغبات أشخاص معينين، فقرار حل مجالس الأمناء ليس قرارا يتخذ بشكل ارتجالي لان المحكمة الإدارية ستلغيه حكما اذا كان مخالفا للقانون، وعلى فرض قانونية الحل هل سيأتي الوزير بأعضاء مجالس أمناء جدد من كوكب الزهرة إذا كان أعضاء المجلس الحاليين من كوكب المريخ؟
أيها الواهمون إنكم تستطيعون النيل من سمعة وانجازات الوزير الطويسي ورؤساء وأعضاء مجالس الأمناء، دعوا عنكم أوهامكم ، فلن تفلحوا في مسعاكم الخبيث ، فجميعهم شخصيات وطنية وازنة تحظى بالثقة والاحترام والتقدير، ومن المتأمل ان تستمر مجالس الأمناء في عملها وتقوم بالدور المنوط بها في الرقابة والتقييم على أكمل وجه، وعلى هذه المجالس إبراز أعمالها وأنشطتها والدفاع عن شرعيتها، وإيصال أخبارها وانجازاتها للرأي العام عبر وسائل الإعلام المختلفة ، فالخبر السلبي ينتشر بسرعة وزخم وربما يحتاج إلى عشرة أخبار ايجابية حتى يمحو أثره.
•الكاتب استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك
وخبير دولي في دراسات الديمقراطية