لماذا أدار هؤلاء ظهورهم للدين..؟
حسين الرواشدة
جو 24 :
في استطلاع أجرته شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة لصالح بي بي سي عربي، انتهت اراء المستطلعين ( شارك فيه أكثر من 25 ألفا من سكان 11 دول عربية) الى انه منذ عام 2013، ارتفعت نسبة الذين يصفون أنفسهم بأنهم «غير متدينين» من 8 في المئة إلى 13 في المئة، حيث وصف ثلث التونسيين وربع الليبيين أنفسهم هكذا، أما في مصر فقد تضاعف حجم هذه المجموعة، بينما تضاعف حجمها أربع مرات في المغرب.( الاردن جاء ترتيبه 9 ).
لماذا ادار هؤلاء «المتدينون» ظهورهم للدين..؟ هل فعلوا ذلك نكاية بمن يتصدرون «المنابر» من المشايخ الذين امتهنوا الترويج لافكارهم في سوق التدين الكبير، هل قادهم اليأس والاحباط من واقعهم السياسي الى اشهار خصومتهم مع الباعث الاول الذي راهنوا عليه لانقاذ امتهم مما هي فيه، ام ان موجة التغيرات والثورات التكنولوجية جرفتهم والقت بهم خارج اسوار الدين..؟
كل ذلك وارد، لكن ما يهمني الاشارة اليه هو مسؤولية «الديني» والسياسي في بلداننا، باعتبارهما المعنيين بتصميم واخراج الحالة الدينية، هنا يمكن ان اشير الى اربعة انماط من التدين حرص الطرفان على انتاجها، الاول التدين المغشوش الذي يستند الى النص الحرفي بفهومات غير صحيحة، والتدين المنفوش الذي لا يرى الا نفسه من فرط استعلائه، ثم التدين الملطوش الذي انبهر بالاخر ووقع في فخ التبعية له، واخيرا تدين الوحوش الذي رفع السيف كحكم بينه وبين عباد الله، هذه الانماط السائدة وغيرها ربما دفعت هؤلاء «المتدينين ( اغلبهم من الشباب) الى البحث عن روح الدين، وحين لم يجدوها في «السوق» خرجوا منه، واداروا ظهورهم لكل ما فيه من بضائع.
لم اتردد على مدى السنوات الماضية عن نقد مثل هذه الانماط السائدة التي كرست لدى المسلم حالة من «الشيزوفرينا» وحولته الى «آلة» تتحرك بأوامر محددة ثم تتوقف، وكأن الدين الذي يحركها احيانا مرتبط بمواقيت للتشغيل واخرى للتعطيل، كما انني لم اتردد بانتقاد فصل الاحكام والتكاليف عن آثارها ومآلاتها او عن ما يجب ان يترتب عليها من اخلاقيات عامة، وهي اكبر فاجعة اصابت حركة الدين في حياتنا حين تحول الى طقوس وعادات لا علاقة لها بالسلوك الانساني ولا بحركة الحياة التي استخلفنا الله فيها من اجل مواجهتها بالبناء والتعمير والاصلاح والتغيير.
كنت اتمنى في كل مرة ان يسمع علماؤنا الكرام هذه الدعوات وان يفتحوا لواقطهم لاستقبالها، وتحملت -يشهد الله- مرارة الردود وقساوتها، ولم يخطر في بالي ابدا ان اسير بعكس اتجاه التيار، لان القضية التي احملها وأؤمن بها اكبر واجلّ من ان اسخرها في خدمة اغراض زائفة، فهذا الدين الذي نعتز بالانتساب اليه، والاستعلاء به قضيتنا جميعا، ومن واجبنا ان نتعهده بالرعاية والعناية، وان نتقدم اليه بالفهم الصحيح والعمل المخلص لا ان نتقاتل باسمه او نجيره لحسابات قد تنفع بعضنا وتسيء اليه، كما ان من واجبنا ان لا نترك اي فراغات او نقاط ضعف تدفع ابناءنا الى «الانقلاب» عليه، او تسمح لغيرنا ان يدخل على خطه لكي يشوهه او يستقصدنا بحجة الدعوة الى اصلاحه.
بقي لدي رجاء واحد، وهو ان يتحرك علماؤنا وفقهاؤنا، ومعهم مؤسساتنا الدينية، الى المسارعة «لهزّ» شجرة الدين برفق في اتجاهين: احدهما العمل من داخل اطار الاسلام لاصلاح منظومة افكارنا واحكامنا وفهوماتنا الدينية، ووضع الاجابات الصحيحة لكل الاسئلة المطروحة اليوم حول وظيفة الدين وعلاقاته واتجاهاته ومواقفه من قضايا العصر وردوده على الاتهامات التي توجه له، اما الاتجاه الآخر فهو التصدي لمحاولات الهدم التي تستهدف هذا الدين مهما كانت ذرائعها، ذلك ان مهمة الاصلاح والنقد للفكر الديني تتعلق بعلمائه المعتبرين فقط، ولا تنزل بالبرشوت من اي طرف آخر، سواء اكان من داخل بلداننا الاسلامية ام من خارجها.