أهلا «بالمرأة» على منصة الافتاء
حسين الرواشدة
جو 24 :
ما الذي يمنع المرأة من ان تتولى مهمة الافتاء..؟ الم تكن عائشة ام المؤمنين مرجعا للصحابة الكرام في الفتوى ؟ الم يشهد التاريخ الاسلامي على مئات من النساء الفقيهات، من قال ان «أمر الدين» حكر على الرجال فقط ؟.
دار الفتوى الاردنية حسمت القضية بتعيين اول « مفتية « اردنية من المتوقع ان تنضم الى نحو « 40 « مفتيا يتولون الفتوى في البلاد، اسعدني الخبر بالطبع، وحين عدت لقراءة اقوال فقهائنا (الاقدمين والمعاصرين) في الموضوع، لم اجد واحدا معتبرا يقول بعدم جواز ذلك، لكن المانع الوحيد هو التقاليد الاجتماعية والادارية، هذه التي انتصرت احيانا على التعاليم، وقيدت ايدي مرجعياتنا الدينية في بعض الاحيان.
سماحة المفتي العام للمملكة، الدكتور محمد خلايلة، سجّل هذا «الهدف الذهبي «، وكنت سمعت منه مرارا عن هذه المبادرة وعن غيرها مما يحتاج الى شرح طويل، ووقت طويل ربما، لكن - اشهد - انه كان متقدما في علمه وطرحه ورؤيته على كثير ممن اعرفهم، فدائرة الافتاء التي تأسست مع تأسيس الامارة الاردنية ( 1921 ) تشكل اليوم نموذجا للمؤسسة الدينية التي كنا نطالب بها كمرجعية مستقلة وموثوقة، تنفتح على المجتمع وتحظى باحترامه، وتوجه الرأي العام الديني وتقوده.
اعرف ان الحديث عن المرأة في خطابنا الديني ( الفقهي تحديدا ) ما زال ملتبسا بكثير من الاستفهامات، فقبل ايام- مثلا - سألني احد الاصدقاء (وهو مدير اذاعة دينية ) عن الحكم الشرعي لبث تلاوة القرآن الكريم بصوت « امرأة « قلت : مالذي يمنع ؟ قال : الشيخ الحصري رحمه الله منع ذلك (!). ذكّرته بمسابقات حفظ القران الكريم التي قدمت افضل « القارئات «، وبثت على الشاشات، ذكّرته بخطأ مقولة « صوت المرأة عورة «.. وبعد نقاش قلت : ان المسألة بحاجة الى فتوى تحسمها.
تذكرت -ايضا- قصة المرأة مع الولاية العامة والخلاف الفقهي حولها، وقضية المرأة في موقع « القضاء الشرعي « : لماذا لا يكون لدينا « قاضيات « شرعيات كما لدينا في القضاء المدني، لماذا لا يكون لدينا « مأذونات « شرعيات لتسجيل عقود الزواج، لماذا تخلو وزارة كبيرة معنية بالشأن الديني من النساء في كافة المجالات ( لديها نحو 700 واعظة فقط يعملن خارج مكاتب الوزارة ) لماذا حرمنا انفسنا « من كفاءة « المرأة وابداعاتها واخلاصها في العمل - اي عمل -، هل يعقل ان يكون الدين هو المانع ؟ ابدا، وانما المانع بعض الذين يتولون « فهم « الدين على طريقتهم، والدين براء.
الان، يقود مؤسساتنا الدينية ثلاثة من افضل علمائنا، واحرصهم على خدمة الدين، وخدمة البلد ايضا، اعرفهم وأثق بهم، واراهن على ان لديهم الرغبة والقدرة، وقبل ذلك الوازع الديني الصادق والامين، بما يمكننا من « الانتقال « بهذه المؤسسات اولا، وبالمجال الديني بشكل عام، الى « منصات « جديدة وغير مسبوقة من الوعي والتطور والانفتاح، والارتقاء الى مستوى هذا الدين العظيم الذي شكل - وما زال - باعثنا الحضاري، نحو النهضة والتقدم.
اهلا بأخواتنا العالمات الجليلات على منصة الافتاء لاول مرة في تاريخنا، وشكرا لسماحة المفتي العام، الدكتور محمد الخلايلة، الذي اختصر مسافة « الماراثون « الطويل الذي ازدحم بأسئلتنا منذ عقود، فأوصلنا الى « النهاية « بقرار شجاع..وننتظر المزيد.