jo24_banner
jo24_banner

ومضة أیام البركة

أ. د. اخليف الطراونة
جو 24 :






في ذاك الزمان الذي عاش فیه الآباء والأجداد، كان الجمیع فیھ یتنافسون على الخدمة والكرم والطیب وفعل الخیرات، وكانوا یعملون كالبنیان المرصوص یشد بعضھم أزر بعض، فكانت كل أیامھم ھدأة بال وخیر وبركة.

وعندما یغفل أحدھم عن السؤال عن الآخر أو یقصر في عمل شيء تجاھه، فغالبا ما كان یقوم الآخرون بإنجازه نیابة عنه دون منة أو إشعار بالقصور، فكانتُ أخوتھم وتعاضدھم مع بعض مضربا للمثل وعنوانا لمحبتھم وألفتھم ، یزین ھذه العلاقة بعدھا عن النفعیة؛ والجدلیة؛ والخصام.

لقد كانت حقا أیام بركة وھناء، یتعاون الناس فیھا على الحصاد والبناء، ویتشاركون في إقامة أفراحھم، ویضمدون أحزانھم وجراحھم بالمحبة والتشارك، بالرغم من ضیق ذات الید عند البعض، ومن قساوة العیش عند الكل، حیث لم یكن ھناك أي وسیلة من وسائل الترفیه الحدیثة أو قنوات تواصل كما ھو حالنا الیوم.

نحن الیوم، أبناء ھذه النُخبة الصالحة من الأھل والعزوة والعشیرة، الآباء والأجداد تغمدھم الله بواسع رحمته، لدینا كل سبل ووسائل الراحة وتقنیاتھا، وانخرطناُ  في التعلیم العام والجامعات على اختلاف مسمیاتھا وطبیعة تخصصاتھا: محلیا؛ وعربیا؛ ودولیا، وبدلا من حسن توظیف واستخدام ھذه الوسائط التقنیة وقنوات التواصل الاجتماعي- أصبح بعضنا یستخدمھا كقنوات تناحر اجتماعي، یعظم من خلالھا السلبیات، ویقلل من شأن الإیجابیات، وینكر كل قنوات الخیر الممدودة ویبث كل أشكال الطاقة السلبیة، ویفرق بین الأزواج والأشقاء وأبناء العمومة الواحدة، وینفث سموم الحسد والغیرة والبغضاء والشحناء في كل اتجاه بقصد أو بغیره.

البعض یكتب ویشتم، ولا یرى غیر النصف الفارغ من الكأس، والبعض الآخر یعارض من أجل المعارضة والمناكفة فقط حتى یجلب الانتباه إلیھ من أجل منفعة شخصیة أو إبراز دور أو للشعور بحظوة معینة.

لم یسأل الآباء والأجداد ماذا عمل فلان أو علان؛ لأن الجمیع یتنافسون على الخدمة، وعند انتھاء المھمة یشعرون كلھم بالفرح الغامر والسرور على نعمة الإنجاز، لأن قلوبھم عامرة بالمحبة والخیر.

أما نحن الأبناء، فمطلوب منا یومیاً تقدیم كشف إثبات على ما یقدم الواحد منا، ویخضع الكشف للتضلیل أو التقلیل أو التبخیس، ثم یطل أحدنا بالقول إن الأجداد عملوا ولم یطلبوا الشكر من أحد ولم یمن علینا أحدھم بما قدم.

 درھم أجدادنا وآباؤنا : كیف كانت أخوتھم وصلة أرحامھم ناصعة نقیة كنقاء سرائرھم وطیبة قلوبھم! أما - نحن أبناءھم- فإن قدم أحدنا خدمة  شككنا في نوایاه، وإن قدم خدمة عامة – قلنا ھذا واجب الحكومة، فلماذا یقوم بھا فلان لولا أن لدیه مصلحة عند الدولة
أو عند العامة، إن ساعد محتاجا أو فقیرا، قلنا ھذا شراء طاعة أو غیره من المصطلحات الدارجة البعیدة كل البعد عن روح الأخوة والمحبة وعن الواقع والحقیقة، وإن أجاب عن السؤال الدائم : ماذا قدمت؟ ، یقال من یقدم یجب أن لا یمن على الناس مثلما كان یفعل الأجداد .

نعم صحیح إن من أھم واجبات الدولة تأمین كافة الاحتیاجات لأبنائھا، وعلى رأس ھذه الأولویات إیجاد فرص العمل؛ وتوفیر العیش الكریم لھم ؛ وتأمین الصحة والتعلیم للجمیع، وحسن إدارة المرافق العامة وصیانتھا... ولكن في المقابل أیضاً تقع على عاتق الأغنیاء وأصحاب الشركات وأصحاب الفكر مسؤولیات اجتماعیة حیال مجتمعاتھم ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمیة، في حال حاجتھا للدعم والمساعدة المادیة أوالمعنویة.

العمل بروح الفریق وتضافر الجھود والتنافس لتقدیم خدمة للناس، وتعزیز القیم الإیجابیة، والشكر على القلیل، وتعظیم الإنجاز، ھي أمور من شأنھا ترسیخ مظاھر الأخوة والمحبة، وتعزیز اللحمة بین الناس، وإعادتنا إلى أیام الخیر والبركة.

رحم الله الآباء والأجداد ، وھدانا الله، سبحانه وتعالى، جمیعاً إلى ما یحب ویرضى ، وجنبنا الفتن ما ظھر منھا وما بطن.

اللھم لا تحرمنا أجر آبائنا وأجدادنا، ولا تفتتنا بعدھم، إنك علیم سمیع مجیب الدعاء.
 
تابعو الأردن 24 على google news