و أخيراً.. شرطة جامعية لمواجهة العنف!
حسين الرواشدة
جو 24 : لك أن تتصور بان “حلول” العنف في جامعاتنا كانت امام “عيوننا” وبين “ايدينا” لكننا - للأسف - لم نرها او أُغمضنا عنها و”فلتت” بالتالي على غفلة منا.
الحمد لله ان بعض أخواننا في مجلس النواب وفي الادارات الجامعية والاكاديمية نبهونا الى ذلك، وذكرونا بان المسألة أبسط مما نتصور، وبان الحلول موجودة ومتاحة - وربما مجربة - وأكاد اقول بانهم وبخونا او عاتبونا - على الأقل - لاننا أمضينا كل هذه السنوات، بما فيها من مرارة ودم - ولم نلتفت إليها.
كنت ساستطرد في هذا المزاح، لكن لا اعتقد ان ذلك سيخفى على القارئ الذكي، ولذا استأذن بالدخول في “الجدّ” اذْ انتهى بعض من قدموا لنا “وصفاتهم” حول “البعض” في الجامعات بضرورة فصل الطلاب عن الطالبات، باعتبار ان المشكلة في “الاختلاط” فيما ذهب آخر الى ضرورة “الزام” الطلبة بالزيّ الموحد، واقترح ثالث “بزيادة الجرعة الايمانية” المقدمة للطلاب، ظنا منه ان تراجع “المنسوب” الايماني هو اساس القضية، ولم يتردد رابع من الدعوة الى “تفتيش” الطلاب عند بوابات الجامعة للتأكد من عدم وجود اسلحة “ومواد خطرة” معهم.
لا يوجد لدي أي تحفظ على قضية “الوازع” الديني، حتى رغم انني أدرك ان مشكلتنا ليست بالنقص في “التدين” وانما بنمط التدين الذي نمارسه وهو في الغالب نمط مغشوش لا علاقة بقيم الدين ومقاصده، ولكنني وقفت مذهولا - حقا - امام دعوة اطلقها احد رؤساء الجامعات المعتبرة في بلادنا، ورأى فيها “المخرج” الافضل لطي صفحة العنف في الجامعات، وأذهلني - أكثر - ان احد اصدقائنا من اساتذة علم الاجتماع روج لهذه الفكرة “وباركها” في مقال نشره في احدى الصحف.
الرجل دعا الى الاسراع في تشكيل “شرطة” جامعية تتولى الاشراف على الطلبة وتنظيمهم ومراقبتهم وطالب بان تحظى هذه الشرطة بصلاحيات “الضابطة” العدلية، وحين عرض الاقتراح على مجلس الجامعة حظي بالاجماع، ولم يتوقف الامر عند ذلك، وإنما دعا الى “ضرورة” انشاء محطات امنية خارج اسوار الجامعة لجمع المعلومات حول الاوضاع الامنية في المناطق التي تقع فيها الجامعات الأردنية.
مع الاحترام لما اقترحه استاذنا استأذن في اثبات عدة ملاحظات: اولاها ان مثل هذه الاقتراحات تعبر عن خطأ في تشخيص مشكلة العنف التي اجتاحت جامعاتنا، ونحن هنا امام “أزمة” في الفهم أو في تعمد عدم الفهم، وقد اشرت في “مقالة سابقة” بان مصدر العنف ليس الجامعات وانما المجتمع والدولة، والجامعات هنا مجرد “شاشات” لعرض هذا الفيلم المرعب، او هي مجرد مكان اتاح للعنف ان يظهر وان يتمدد وبالتالي فان تجفيف ينابيع هذا العنف يبدأ من المجتمع وليس العكس، ولنا ان نتصور عندئذٍ كيف يمكن لاي “شرطة” ان تواجهه.
الملاحظة الثانية هي ان الاعتماد على الحلول “الأمنية” فقط ثبت فشله، وان الخروج بهذه الوصفة لا يتناسب أصلا مع “قيمة” الجامعة ومكانتها كحرم “للعلم” وكجزء من مجتمع يسعى “للتمدن والتحضر” كما لا يتناسب مع “العقلية” الاكاديمية التي يفترض ان تقدم حلولها ومقتراحاتها من داخل اطار “التخصص” لا من خارجه.
الملاحظة الثالثة: ان قبول حل “الردع” الامني “لا القانوني ولا التعليمي ولا الاخلاقي” يذهب بنا الى عناوين خاطئة، ويتجنب “الحفر” في اعماق مشكلة العنف، فهو - مثلا - يستبعد الاسباب الاسياسية التي انتجته، وكذلك الاسباب الاقتصادية والاجتماعية، وهو - ايضا - يغض الطرف عن مشكلات التعليم العالي - بكل تفاصيلها - ابتداء من “التعيينات” التي تنزل بالبراشوت، الى تراجع الحريات الاكاديمية، الى سوء معاملة الاستاذة للطلبة، وربما العكس، الى تحول الجامعات الى جزر معزولة عن المجتمع وتحررها من وظيفتها التنويرية والاجتماعية، الى اخطاء نظام القبول الموحد وسوء احوال “الاساتذة” ماديا ومعرفيا.. وغيرها من الاسباب التي نعرفها، ومن هنا فان استحضار الحل “الشرطي” يعفينا من التدقيق في هذه الاسباب والبحث عن حلول لها، ويضعنا امام “مشكلة” لن نتأخر كثيرا في اكتشاف حاجتنا امامها الى حلول جديدة.
أما الملاحظة الأخيرة فهي ان بعض الذين يقدمون لنا اقتراحاتهم، سواء في مجلس النواب او خارجه، هم جزء من “المشكلة” وليسوا جزءا من الحل، ولنا ان نتذكر هنا بان معظم التعيينات غير المشروعة التي جرت في جامعاتنا خرجت باسم “الواسطة” او المحسوبيات من داخل مجلس النواب او غيره من الجهات، كما ان بعض الذين يسارعون لتقديم “فتاواهم” حول العنف هم في موقع “المسؤولية” وبعضهم تولى ادارات جامعية، ولم نر للاسف انجازاتهم على هذا الصعيد، كما ان آخرين نزلوا “فجأة” على كراسيهم رغم انف اللجان التي شكلت لاختيار “الرؤساء” والاكاديميين من الذين ترشحوا لهذه المواقع.
امس، استمعت الى شكاوى مرّة من اساتذة في جامعاتنا حول اوضاعهم المادية التي دفعت الكثير الى “الهجرة” للخارج، وحول علاقاتهم مع “الادارات” وقلة التواصل بينهم، وحول مزاجية التعيينات والترفيعات.. الخ وقلت في نفسي: بدل ان نبحث عن معالجات في صيدلية “الشرطة” الجامعية والزي الموحد وتحريم الاختلاط.
دعونا نفتش داخل أسوار الجامعات، لنكتشف بان أساس المشكلة هنا.. وليس خارج الاسوار.. وبانها تحتاج الى حلول اخرى، يعرفها الجميع، ولكنهم يريدون ان يذهبوا بنا الى عناوين اخرى لا علاقة لها بالعنف.. اما لماذا؟ فما المسؤول بأعلم من السائل.الدستور
الحمد لله ان بعض أخواننا في مجلس النواب وفي الادارات الجامعية والاكاديمية نبهونا الى ذلك، وذكرونا بان المسألة أبسط مما نتصور، وبان الحلول موجودة ومتاحة - وربما مجربة - وأكاد اقول بانهم وبخونا او عاتبونا - على الأقل - لاننا أمضينا كل هذه السنوات، بما فيها من مرارة ودم - ولم نلتفت إليها.
كنت ساستطرد في هذا المزاح، لكن لا اعتقد ان ذلك سيخفى على القارئ الذكي، ولذا استأذن بالدخول في “الجدّ” اذْ انتهى بعض من قدموا لنا “وصفاتهم” حول “البعض” في الجامعات بضرورة فصل الطلاب عن الطالبات، باعتبار ان المشكلة في “الاختلاط” فيما ذهب آخر الى ضرورة “الزام” الطلبة بالزيّ الموحد، واقترح ثالث “بزيادة الجرعة الايمانية” المقدمة للطلاب، ظنا منه ان تراجع “المنسوب” الايماني هو اساس القضية، ولم يتردد رابع من الدعوة الى “تفتيش” الطلاب عند بوابات الجامعة للتأكد من عدم وجود اسلحة “ومواد خطرة” معهم.
لا يوجد لدي أي تحفظ على قضية “الوازع” الديني، حتى رغم انني أدرك ان مشكلتنا ليست بالنقص في “التدين” وانما بنمط التدين الذي نمارسه وهو في الغالب نمط مغشوش لا علاقة بقيم الدين ومقاصده، ولكنني وقفت مذهولا - حقا - امام دعوة اطلقها احد رؤساء الجامعات المعتبرة في بلادنا، ورأى فيها “المخرج” الافضل لطي صفحة العنف في الجامعات، وأذهلني - أكثر - ان احد اصدقائنا من اساتذة علم الاجتماع روج لهذه الفكرة “وباركها” في مقال نشره في احدى الصحف.
الرجل دعا الى الاسراع في تشكيل “شرطة” جامعية تتولى الاشراف على الطلبة وتنظيمهم ومراقبتهم وطالب بان تحظى هذه الشرطة بصلاحيات “الضابطة” العدلية، وحين عرض الاقتراح على مجلس الجامعة حظي بالاجماع، ولم يتوقف الامر عند ذلك، وإنما دعا الى “ضرورة” انشاء محطات امنية خارج اسوار الجامعة لجمع المعلومات حول الاوضاع الامنية في المناطق التي تقع فيها الجامعات الأردنية.
مع الاحترام لما اقترحه استاذنا استأذن في اثبات عدة ملاحظات: اولاها ان مثل هذه الاقتراحات تعبر عن خطأ في تشخيص مشكلة العنف التي اجتاحت جامعاتنا، ونحن هنا امام “أزمة” في الفهم أو في تعمد عدم الفهم، وقد اشرت في “مقالة سابقة” بان مصدر العنف ليس الجامعات وانما المجتمع والدولة، والجامعات هنا مجرد “شاشات” لعرض هذا الفيلم المرعب، او هي مجرد مكان اتاح للعنف ان يظهر وان يتمدد وبالتالي فان تجفيف ينابيع هذا العنف يبدأ من المجتمع وليس العكس، ولنا ان نتصور عندئذٍ كيف يمكن لاي “شرطة” ان تواجهه.
الملاحظة الثانية هي ان الاعتماد على الحلول “الأمنية” فقط ثبت فشله، وان الخروج بهذه الوصفة لا يتناسب أصلا مع “قيمة” الجامعة ومكانتها كحرم “للعلم” وكجزء من مجتمع يسعى “للتمدن والتحضر” كما لا يتناسب مع “العقلية” الاكاديمية التي يفترض ان تقدم حلولها ومقتراحاتها من داخل اطار “التخصص” لا من خارجه.
الملاحظة الثالثة: ان قبول حل “الردع” الامني “لا القانوني ولا التعليمي ولا الاخلاقي” يذهب بنا الى عناوين خاطئة، ويتجنب “الحفر” في اعماق مشكلة العنف، فهو - مثلا - يستبعد الاسباب الاسياسية التي انتجته، وكذلك الاسباب الاقتصادية والاجتماعية، وهو - ايضا - يغض الطرف عن مشكلات التعليم العالي - بكل تفاصيلها - ابتداء من “التعيينات” التي تنزل بالبراشوت، الى تراجع الحريات الاكاديمية، الى سوء معاملة الاستاذة للطلبة، وربما العكس، الى تحول الجامعات الى جزر معزولة عن المجتمع وتحررها من وظيفتها التنويرية والاجتماعية، الى اخطاء نظام القبول الموحد وسوء احوال “الاساتذة” ماديا ومعرفيا.. وغيرها من الاسباب التي نعرفها، ومن هنا فان استحضار الحل “الشرطي” يعفينا من التدقيق في هذه الاسباب والبحث عن حلول لها، ويضعنا امام “مشكلة” لن نتأخر كثيرا في اكتشاف حاجتنا امامها الى حلول جديدة.
أما الملاحظة الأخيرة فهي ان بعض الذين يقدمون لنا اقتراحاتهم، سواء في مجلس النواب او خارجه، هم جزء من “المشكلة” وليسوا جزءا من الحل، ولنا ان نتذكر هنا بان معظم التعيينات غير المشروعة التي جرت في جامعاتنا خرجت باسم “الواسطة” او المحسوبيات من داخل مجلس النواب او غيره من الجهات، كما ان بعض الذين يسارعون لتقديم “فتاواهم” حول العنف هم في موقع “المسؤولية” وبعضهم تولى ادارات جامعية، ولم نر للاسف انجازاتهم على هذا الصعيد، كما ان آخرين نزلوا “فجأة” على كراسيهم رغم انف اللجان التي شكلت لاختيار “الرؤساء” والاكاديميين من الذين ترشحوا لهذه المواقع.
امس، استمعت الى شكاوى مرّة من اساتذة في جامعاتنا حول اوضاعهم المادية التي دفعت الكثير الى “الهجرة” للخارج، وحول علاقاتهم مع “الادارات” وقلة التواصل بينهم، وحول مزاجية التعيينات والترفيعات.. الخ وقلت في نفسي: بدل ان نبحث عن معالجات في صيدلية “الشرطة” الجامعية والزي الموحد وتحريم الاختلاط.
دعونا نفتش داخل أسوار الجامعات، لنكتشف بان أساس المشكلة هنا.. وليس خارج الاسوار.. وبانها تحتاج الى حلول اخرى، يعرفها الجميع، ولكنهم يريدون ان يذهبوا بنا الى عناوين اخرى لا علاقة لها بالعنف.. اما لماذا؟ فما المسؤول بأعلم من السائل.الدستور