عيون " زرقاء اليمامة "
حسين الرواشدة
جو 24 :
نخطئ حين نتصور بأن امتناع الضمير العام للمجتمع عن الحركة و استسلامه للأمر الواقع، دليل على الصحة و السلامة و مصدر للإطمئنان و السعادة، ونخطئ ايضا حين ننام على " عسل" ابتلاع المجتمع لكل ما يصدر اليه من مقررات، أو حين نعطل لواقطه عن الاستقبال و الارسال، ذلك أن المجتمعات الحية هي التي تحمي نفسها بنفسها من الاخطار، وتحافظ على استقرارها وتدافع عن مكتسباتها وترد عنها العاديات.
ان أخشى ما أخشاه أن يكون الصمت أطبق تماما على مجتمعنا، وأن لا نجد تفسيرا لهذا الصمت الا في معجم اليأس ، ومصدر خشيتي ان كل ما يحدث من تجاوزات، سواء أكان أبطالها معروفين أم مجهولين، وكل ما نواجهه من تحديات، سواء أكانت داخلية أو خارجية، يمكن أن نفهمها ونواجهها، الا ان ( موات) المجتمع أو انكماشة او عدم قدرته على الحركة و الرد، سيجعلنا فريسة سهلة لأي خطر، وسوف يسوغ لنا قابليات عجيبة و غريبة لاستقبال " الطارق" مهما كانت هويته، و الاحتفاء بالبديل مهما كان شكله.
للأسف، ترتفع الاصوات التي نستنكرها و نرفضها، وتتعدد انواع الاخطار التي تهددنا، لكن الصوت الوحيد الذي لم نسمعه حتى الآن هو صوت الضميره العام للمجتمع ، صحيح ان أنينه أحيانا يصلنا، واحيانا نكاد نتلمس صوته المبحوح، لكن هذا كله - وإن كان غير كاف- الا انه يعبر عن حالة الانحباس التي يعاني منها مجتمعنا، بعد أن انسدت أمامه أبواب الحلول ، وأصبح غير قادر على فهم ما يحدث حوله أو ما يرسم له أو ما يطلب منه.
كان يكفي ان يخرج الضمير العام لمجتمعنا عن صمته ليستدرك قطار نفاذ صبر الناس الذي يسير بسرعة بعد أن تعطلت عجلات قطار الاصلاح بفعل فاعل، وأن يعبر عن مخاوفه مما وصل اليه اقتصادنا من تراجع، أو أن تحذر النخب المحسوبة علينا مما يصدر الينا من مقررات واجراءات، أقل ما يمكن ان يقال عنها بأنها غامضة .
حين يفقد الضمير العام للمجتمع - أي مجتمع- قدرته على النطق و يستغرق في آلامه واحزانه، ويعجز عن الحركة و عن مجرد الكلام، وينام عقله الاخلاقي أو ينحرف عن مساره الطبيعي، فمن واجبنا جميعا أن نتحسس رؤوسنا، وأن نقف مذعورين أمام ما يمثله ذلك من خطر، فالمجتمع لا يصل الى هذه الدرجة من الاحباط الا اذا أحس بأن ما يجري أكبر من إمكانياته على المواجهة، وبأن ما يمكن ان يستدركه فات وقته.
لا نحتاج الى عيون " زرقاء اليمامة" حتى نرى ما حولنا وما يمكن ان يمتد الينا وما حدث لغيرنا، يكفي ان ندقق في صورة "صفقة" القرن واستحقاقاتها لنكتشف بأن قدرتنا على مواجهة ذلك يعتمد على مناعة مجتمعنا و صلابة عوده، و على مالديه من امكانيات وادوات، فإذا كانت مناعته مفقودة، وامكانياته وارادته مسلوبة، فليس أمامنا الى ان نصرخ بأعلى صوتنا من أجل انقاذه و تصحيح صورته واعادة العافية اليه.