وزراء يبحثون عن «النجومية»!
في تجربة حكومات “الديجتال” التي ورثتنا “الكارثة” الاقتصادية والسياسية كانت سمة “الاستعراض” مفتاح السر الذي مكّن بعض الوزراء آنذاك من “استغفال” الناس والتذاكي عليهم، والمتاجرة بأحلامهم وتسويق الأوهام عليهم.
كدنا نعتقد بأننا ودعنا هذه “التجربة” بلا أسف، وكشفنا أصحابها واسترحنا منهم، لكن ثمة على ما يبدو من يحاول “اعادتنا” للوراء وتكرار ذات الاستعراضات السياسية والإعلامية، ظناً منه أن زمن “الشطارة” والفهلوة لم ينته، وأن ذاكرة الناس “مضروبة” ويمكن بالتالي “تنويمهم” سواء تحت لافتة “الخطاب الديني” أو “الوطني” أو حتى التسريبات الصحفية المغشوشة.
لدينا -بالطبع- أكثر نموذج لوزراء ومسؤولين طغت أخبارهم وتصريحاتهم على سطح إعلامنا في الأيام الماضية، أحدهم قام أخيراً بزيارة لدولة شقيقة، وحين أثارت اللقاءات التي أجراها مع بعض الجهات هناك، خرج ليدافع عن نفسه من خلال إشهار إنجازات لا تكاد تصدق، فالرجل اخترق الجدران السياسية والاقتصادية والدينية في البلد الذي لم يعد فيه أحد قادرا على اتخاذ أي قرار، وتمكن من عقد اتفاقيات اقتصادية وأخرى سياحية دينية وثالثة أمنية تتعلق بإعادة السجناء ورابعة سياسية لتمتين العلاقات بين البلدين، وكلها في يومين فقط، مع أن صاحبنا وهو مشغول بهذه “الاستعراضات” الإعلامية غير متخصص لا في السياسة ولا في الاقتصاد، ومع أن الأولى أن ينشغل “بشؤون” وزارته التي لم يمضِ على جلوسه فيها نحو شهر واحد.
لم تتوقف هذه الاستعراضات عند هذا الحد، وإنما خطر في بال الرجل أن الناس -اليوم- مهمومون “بالقدس” والأقصى بعدما تعرض له من إساءات صهيونية، وبالتالي لا بد من الدخول على هذا “الخط”، ولذلك بادر على الفور إلى “تسريب” أخبار عن “همسة” أودعها في آذان أحد المسؤولين في البرلمان لدفع النواب إلى المطالبة بطرد السفير الإسرائيلي في عمان.. وقد فعلت “الهمسة” أفاعيلها (تصوّر) ونجحت في “تفجير” قنبلة لم تزل أصداؤها تتردد في كل مكان، وكدنا -بالطبع- نصدق ما ذكره صاحبنا لو أن ذلك لا يسيء إلى مؤسسة البرلمان وإلى الدولة أيضاً، باعتبار أن الطرفين لا ينتظران من يهمس لهما للقيام بواجبهما، ولو أن “كبسة” الزر تلك قام بها لم تتطور لاحقاً لتصل إلى كشف سر آخر وهو أنه الشاهد الوحيد على اتفاقية حماية المقدسات وأن ما قام به تجاه “البرلمان” كان مدفوعاً بذلك.
لدينا نماذج أخرى بالطبع، سواءً على صعيد السياسة واتجاهاتها ومؤتمراتها الصحفية، أو على صعيد الاقتصاد وما ينصب لنا من “فزاعات” لتخويفنا من القادم، لكن -ربما- تختصر قصة ذلك المسؤول في عصر غياب (الداتا شو) و(البرزنتيشن) الذي ألفناهما ولعبة “الأرقام” التي عانينا منها، جانباً من “فخ” الاستعراضات التي وقعنا فيه، وتوافقنا (هل توافقنا حقاً؟) على اقتلاعه من تربتنا السياسية والعامة.
سواء أكانت هذه “الاستعراضات” باسم الشهرة أو باسم البحث عن دور ومكان أو لاقناع الجمهور “بالإنجاز” الذي غالباً ما ينكشف عن “وهم” فإن بلادنا لم تعد تحتمل المزيد من “التذاكي” على الناس، كما أن أوضاعنا تحتاج إلى منطق “المصارحة” لا “الفهلوة” وإلى لغة التواضع والحكمة لا الاستهانة بعقول الناس والاستعلاء عليهم.
اليوم نحتاج إلى مسؤولين “نماذج” في المصداقية والتواضع والمسؤولية، يهمهم الإنجاز في اختصاصاتهم، والنجاح في “مؤسساتهم” لا “القفز” والاستعراض، ويفترض فيهم أن يعملوا “بصمت” كخلية النحل لا “بافتعال” المزيد من الضجيج لإقناعنا بأنهم يعملون!.