jo24_banner
jo24_banner

المشكلة «أعمق» من راتب ضمان

حسين الرواشدة
جو 24 :

«بروفة» السجالات التي دارت خلال الايام المنصرفة بين النواب والاعيان حول «معدّل الضمان» تعكس تماما ما يحدث من صراعات داخل مجتمعنا حول المكاسب والمصالح ( توزيع التنمية والثروة ان شئت)، صحيح من حق كل مواطن، حتى لو كان نائبا او مسؤولا ان يطالب بحقوقه، ويدافع عن مصالحه، لكن من توقع ان يتحول مجتمعنا الى «حلبة» للصراع على راتب ضمان يؤمن المستقبل، من كان يتصور ان يتقزم احساسنا وتقديرنا للمصلحة العامة الى هذا الحد الذي اصبح فيه تأمين ضمان هو غاية الغايات.
لا ألوم السادة النواب الذين طالبوا بشمولهم في الضمان الاجتماعي، فهم يمثلون جزءا من هذا المجتمع الذي اكتشف بان بعضًا من النخبة التي افرزها، ووصلت الى مواقع العمل العام استأثرت بالكعكة، وامنّت مستقبلها ومستقبل اولادها واحفادها، ألم تسمعوا ما قاله بعض النواب عن رواتب فلكية يتقاضاها بعض المسؤولين الان، ألم تكشف لكم التصريحات المتبادلة عن فاجعة غياب مسطرة العدالة، في توزيع المكتسبات، ومنطق «كل من ايده اله»..؟
المشكلة يا سادة ليست في انتهاء المدة المقررة لدورة المجلس الاستثنائية دون تمرير قانون الضمان الجديد، وليست في تحميل خزينة الدولة تكاليف واعباء اضافية اذا ما تم شمول النواب بقانون الضمان، ليست ايضا في البحث عن مخارج قانونية ودستورية لاقناع الاعيان وترضية النواب.
المشكلة اعمق من ذلك لانها اولا تتعلق بهذه الحالة التي انتهى اليها مجتمعنا، سواء على صعيد العلاقة بين بعض النخب وبعض المؤسسات او بين هؤلاء والناس، ولانها ايضا تقدم لنا صورة عن الموقع العام الذي كان يعكس القيم التي يفكر بها المسؤول ثم انتهى الى ما شهدناه من البحث عن «راتب»، ولانها ثالثا تكشف لنا ما وصلنا اليه من اوضاع سياسية واقتصادية صعبة دفعت بعض النواب ( لا تسأل عن الناس الاقل حظا) الى الصراخ للمطالبة براتب يسترهم بعد الخدمة، باعتبار ذلك حقا وليس استجداء.
الاخطر من ذلك كله هو ان كل مواطن، مسؤولا اكان او متفرجا، اصبح يفكر بنفسه اولا وبمصالحه الذاتية، اما مصلحة العامة ( لا اقول مصلحة الدولة وامكانياتها ) فلا تعني البعض، واذا ما حدث وتقاطعت المصالح، حتى لو تقاطعت مع القانون، فان لدى البعض الاستعداد لانتزاع ما يريدونه، دون وازع من ضمير او اخلاق.
لا ألوم هؤلاء ابدا، ألوم من اوصلنا الى هذا الحال، ودفعنا الى جدار «انا ومن بعدي الطوفان»، ألوم عجلة السياسة التي تعطلت فقفز منها «مغامرون « لا يرون الدولة الا من ثقب مصالحهم، ألوم من انتج هذه الثقافة ومن روّج لقيم الشطارة والنهب ومد اليد للمال العام، هذه التي اغرت الناس على تقمص النوذج السائد باعتباره مشروعا ومقبولا، ولانه «ما في حدا احسن من حدا».
باختصار، لقد تغيرنا وتغير مجتمعنا كثيرا، وما فعله بعض النواب ثم ما جاء من ردود من الاعيان ومن الشارع، لا يعكس فقط مزاج الناس ومنطقهم في التعامل مع الواقع (اخشى ان يكون مع المستقبل ايضا)، ولا يعكس اولوياتهم «الجديدة» التي تربع على راسها دخل او راتب يؤمن العيش الكريم فقط، وانما يعكس، وهذا الاهم، ما فعلناه بأنفسنا على مدى السنوات الماضية.

الدستور

 
تابعو الأردن 24 على google news