jo24_banner
jo24_banner

يا سادة، لاحلول مع الشعور "بالعجز"

حسين الرواشدة
جو 24 :


عند  الازمات الكبرى التي تواجه أي بلد، تتوجه النقاشات العامة الى العناوين الصحيحة، ويجري تأجيل أو جدولة  القضايا الاشكالية، وتحاول السياسة أن  تتوصل الى حلول سريعة للازمة ، ثم تصنع في المجتمع حالة من ( التوحد) لمواجهة الاخطار الكبرى، لتفرز منه أفضل مالديه من عناصر القوة و التماسك و الثقة.

 لكن ما حدث في بلدنا خلال الاسبوعين المنصرفين  جاء في اتجاه آخر، فقد جرى اختيار التمترس حول الازمة بين الحكومة والمعلمين ، كما تمّ تسويقها بشكل غامض  ، وتدافع الطرفان الى تسجيل  الاهداف في ملعب كل منهما ، وبذلك انتصر منطق  المناكفة والمراوغة على منطق الحوار والمصارحة ، وظل المجتمع اسيرا للشكوك والشائعات والتأويلات، وخرج الجميع من (المولد) خاسرين.

هل يحتاج مجتمعنا الى منطق التأزيم ؟ هذا سؤال يلحّ عليّ كثيرا واحاول -جاهدا - ان اجيب عليه، ومع ان الاجابة السريعة بسيطة ومعروفة وهي قطعا: لا، الا ان ما يتفرع عنها من اسئلة وما يتوالد منها من مفاجآت تعيدني مرة اخرى الى دائرة "الاستفهام" واحيانا الدهشة والاستغراب.

اعتدنا في مجتمعنا على التعامل دائما مع الازمات التي تواجهنا بمنهج الاستيعاب والاطفاء السريع، واحيانا بمنهج الاستباق والوقاية، وخرجنا غالبا منها بأقل ما يمكن من خسائر، ولأننا كنا ندرك باستمرار ان "اضطراراتنا" اكثر من خياراتنا، وبأن مواردنا اقل من طموحاتنا، وبأن "الانسان" هو "رأسمالنا" الوطني، فاننا نجحنا في خلق حالات نادرة من التكافل والتحمل والصبر والتعايش مع الواقع، وخذلنا رهانات الكثير من الذين دخلوا على خط مشكلاتنا وانتصرنا -دائما - لمبدأ "امننا" الاجتماعي الذي كان اساسا لأمننا السياسي، ومانعا لكل الصواعق الاقتصادية التي تعرض لها مجتمعنا.. وما يزال.

لماذا طوينا هذه الصفحة اذن وتجاهلنا امتحانها الذي اجتزناه بنجاح ؟ لماذا اخطأنا في تقدير "الحسابات" البديلة وتكاليفها الباهظة؟ لماذا تحولنا من منهج "الاستيعاب" والتفاهم وابداع الحلول "التوافقية" الى منهج التآزيم وممارسة القسوة وادارة الظهر لكل ما يصدر من "ذبذبات" ورسائل؟ لماذا عجزنا عن "ادارة" ازماتنا بمنطق الذي يريد الحل ويهرب من "ضربات الشمس" لا بمنطق الذي يصرّ على "الخطأ" ويتعمد الاستفزاز ويلجأ احيانا الى "العمليات" الجراحية الخطرة رغم معرفته بان "المسألة" لا تحتاج الا لقليل من الدواء واحيانا الى المسكنات مع علمنا بان "الجراحة" هي الحل؟

اسوأ ما يمكن ان يصدمك الان ( بعد ان دخلنا في الاسبوع الثاني لاضراب المعلمين)  هو حالة "العجز"، هذه التي تنتاب بعض اخواننا المسؤولين الذين لديهم –ربما- ما يلزم من نوايا طيبة ورغبة في الحل ، لكنهم سريعا ما يكتشفون انهم "عاجزون" عن فعل اي شيء، وكأن ايديهم "مقيدة" ومشدودة الى "اوتاد" يصعب ثنيها او اقتلاعها.

يا سادة ، لا اصلاح ولا مبادرات ولا حلول مع الشعور "بالعجز" ، ولا امل بالخروج من معادلة "الحيرة" والشك  والازمة الا بإبداع معادلة جديدة تقوم على الجرأة واليقين، نحن للأسف، المجتمع والنخب والحكومات، كبار الموظفين وصغارهم ومعهم المواطن البسيط، مدعوون لاعادة تعريف ادوارنا، واجباتنا ومسؤولياتنا وعلاقتنا مع بعضنا ومع البلد، الموظف –مهما علا منصبه- خادم، مجرد خادم للناس، لا قيمة له الا بمقدار ما يخدم الناس، وعندها لا حق له في المطالبة بامتيازات ترفع درجة "وجاهته" الا بما يساعده على تقديم افضل خدمة للناس، المواطن –ايضا- "فاعل" اساس في تعمير البلد وإصلاحه، لا يجوز ان يشعر بالكسل والعجز وان يرضى "بالنصيب" وبالوصايات والاوامر، لا يجوز ان "يتواطأ" بالصمت او "بعدم التدخل" في قضايا تؤسس لتقدم البلد او تدفع لتدهوره.. وهكذا.

تسألني ماذا حدث لنا في ازمة المعلمين ..؟  سأجيبك على الفور  ، انه  العجز ، هذا الذي يشعر به المسؤول كما يشعر به الناس ايضا ، واذا كان لا بد ان نتجاوز مرحلة العجز الى مرحلة "القدرة" والفاعلية فلنبدأ بازاحة هذا الشعور المغشوش الذي حوّل المجتمع الى  مسؤولين عاجزين وافراد "عاجزين" ومؤسسات عاجزة ايضا .. وبالتالي "تغيير" معطل،  واصلاح مستعصٍ، وآمال تحولت الى مجرد اوهام.
 
تابعو الأردن 24 على google news