أزمة المعلمين: خياران لا ثالث لهما
حسين الرواشدة
جو 24 :
حين يغيب منطق الحوار، يسود منطق الخصومة و"الاستعداء"، وحين تتراجع فضيلة "الانصاف" تتقدم عقلية "افحام الخصم"، وحين نغسل ايدينا من موروثنا القائم على الانجاز والتواضع نفتح اعيننا على واقع تزدحم فيه صور الاستعلاء التي تدور في اطار من الفراغ.
في مرات عديد جربنا "صيدلية" الحوار، ووجدنا فيها ما نحتاجه من "ادوية" لأمراضنا ومشكلاتنا، وفي مرات عديدة دفعنا ثمن افتقاده وتغييبه وانقطاعه، وكان -بوسعنا- بعد هذه التجارب ان نتعلم من دروس النجاح والفشل، وان نتوجه الى "الاستثمار" في الحوار كقيمة مثمرة، لكي نحسم كل الاسئلة التي تتردد في انحاء مجتمعنا، وكل القضايا التي تشغلنا بأجوبة مقنعة ومصارحات وتفاهمات تفضي الى مصالحات حقيقية تجنبنا غوائل الانسدادات والانفجارات التي ينتجها "الضغط" او الشد المتبادل داخل الجسد الواحد.
اليوم، نتساءل جميعا: لماذا اصبح الحوار بيننا مقطوعا؟ ولماذا يتحول -حين نستدعيه- الى حوار طرشان؟ هل لدينا ازمات عصية على الحل بالحوار؟ هل اصبحت الابواب مسدودة امام اي تفاهم؟ هل تعطلت "لواقط" الحكومات والمجتمع عن استقبال اي رأي آخر؟ لا ادري، ولكنني اعتقد بأن كل ما نعانيه ونشكو منه هو نتيجة لغياب "منطق" الحواروشيوع ثقافة "المناكدة" والمناكفة، والتفنن في انتاج مشروعات متجددة "للأزمة" بحيث يشتبك الجميع مع الجميع، وينشغل الكل بالكل وندور في حلقة مغلقة وفارغة، ونتصور بأن ثمة رابحين وخاسرين فيما الحقيقة ان مجتمعنا كله هو الخاسر، واننا -جميعا- ضحايا لصراعات غير مفهومة ولا منتجة ولا ضرورية، واسرى لحالة يغيب فيها الروح والوعي، هذان اللذان لا ينبضان الا بوجود الحوار الذي هو اساس الحياة.
نتساءل ايضا: ما "الحكمة" من انشغالنا "بالخطأ" واستماتتنا للدفاع عنه وتبريره، وتسويغه لانفسنا حتى تقبله، قال لي الرجل كلاما طويلا عن افتقاد مجتمعاتنا للحكمة، وعن الارتجالية التي نمارسها في حساباتنا، وعن "الانحدار" الجنوني الذي اشار اليه احد علماء النفس، هذا الذي لا يمكن للمحلل ان يفهمه او يتعامل معه، على عكس المرض الجنوني الذي استطاع العلم ان يحدد اسبابه ويهتدي الى علاجه...
بصراحة، الاصرار على الخطأ وتعمده يخرج غالبا من رحم "الاستعلاء" ويتناسل فيلد "الاستعداء" ويتناسل مجددا فيلد ثقافة الكراهية والغاء الاخر وحينها نشعر جميعا اننا امام "حالة" غير مفهومة، مرض جديد غير قابل للمعاينة، ألغاز لا يمكن تأويلها او تفكيكها، صراعات لا معنى ولا جدوى لها. جراحات عميقة في "الذات" تحتاج الى زمن طويل حتى تندمل، صمت "مطبق" لا نعرف من اين جاء.. ولا متى سينتهي.
اشعر احيانا ان كثيرا من الامراض التي تعاني منها مجتمعاتنا لا تحتاج الى "ابداعات" سياسية بقدر ما تحتاج الى "ابداعات" نفسية، ولا تحتاج الى منظرين في السياسة، وانما الى خبراء في علم النفس والاجتماع، واشعر في احيان اخرى بان ما ذكره احد الاطباء النفسيين عن التغيير الجذري في الصور التي عهدناها لامراضنا النفسية عما كنا نراه منذ عشرين او ثلاثين عاما، يبدو صحيحا، فنحن امام صور جديد لم نألفها تبدو احيانا على سطوحنا السياسية او الاجتماعية او الثقافية، على شكل عنف غير مفهوم، او مقررات غير مدروسة، او خيارات غير معقولة، تتشابك تفاعلاتها واثارها واصدائها في دوائر وهمية، يصعب تحديد اتجاهاتها او اسبابها او فهم رسائلها المشفرة.
امامنا خياران لا ثالث لهما: اما منطق الحوار البناء، او منطق الاستعلاء والاستعداء.. واعتقد ان الاجابة لا تحتاج لمزيد من التردد والتفكير.. اليس كذلك؟