jo24_banner
jo24_banner

سياسة تدوير الأشخاص.. سمة حكومة الرزاز

د. محمد أبو غزلة
جو 24 :


لعل الدهاء السياسي المكشوف والفشل في المجالات كافة وأهمها الاقتصادي والإداري الذي أحاط بأداء الحكومة هو السمة الغالبة على سلوكها العام، فالمتتبع لما قامت به الحكومة ومنذ اليوم الأول من تشكيلها يجد حجم المحاصصة وربما المحسوبيات والتي تمثلت في اختيار أعضائها، والتدوير لبعض الأسماء على مستوى تشكيل الحكومة، وهذا ما أكدته فرص التعديل الحكومي التي حظيت به أيضا، لقد أضحت سياسة التدوير هي الديدن لها في كل ممارستها الإدارية في تعيين أشخاص فاشلين في المواقع الإدارية العليا، فمن المعروف أن أي عملية تغيير في المستويات الإدارية داخل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تتم خلال فترات زمنية محددة وبأسلوب علمي مخطط له من قبل الإدارة العليا بالتدوير أو النقل أو غيرها لتحقيق وتعظيم العائد من الكفاءات والطاقات الفكرية المتاحة وإعطاء الفرصة للمبدعين من الشباب وأصحاب الخبرات وبما ينعكس على أداء المؤسسة بشكل إيجابي وعلى الخدمة المقدمة للناس.

إن ما يحصل نتيجة التدوير غير العلمي والقائم على المحسوبيات هو ما أوصل مؤسساتنا إلى ما هي عليه الآن من دمار شمل كل مجالات عملها، وحتى رغم التوجيهات الملكية المستمرة لهذه الحكومة والفرص التي تم منحها لها إلا أنها لم تستطع أن تلتقط التوجيهات والرسائل الملكية، وحتى في الزيارة الأخيرة لجلالته لدار رئاسة الوزارة والتي قدم فيها توجيهات يجب على الحكومة اتخاذها في ظل قراءة جلالته للمشهد السياسي في المحيط العربي وقناعته بضرورة تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، فأعتقد أن الحكومة لن تستطع أن تلتقط الرسائل ولا ما يجري في المشهد السياسي، وإن ما ستطرحه لن يتعدى مستوى الطموحات والاهداف والتمنيات والوعود، ولنيحقق ما يصبو إليه جلالة الملك من أجل الشعب في ظل الظروف السياسية في المنطقة، وإن ما ستطرحه الحكومة سيؤكد الفشل السياسي والاقتصادي لها جراء من تم الاحتفاظ بهم وتدويرهم في عهد هذه الحكومة.

في علم التدوير الذي بدأ منذ عهد أفلاطون بتدوير بعض الأشياء البسيطة وصولا إلى التقنيات الحديثة ومواد النفايات التي يتم تدويرها لم يكن الهدف إلا التطوير والتحسين، وحماية موارد الأرض والتقليل من النفايات الكثيرة والتي أصبحت تؤثر على البيئة والتي تستدعي ضرورة الحفاظ عليها من التلوث، إضافة إلى استخدام الموارد على نحو أكثر كفاءة وفق نظرية الاقتصاد الدائري، إلا أن تدوير الأشخاص الفاشلين عديمي الكفاءة المتسلقين وعديمي المروءة ومثيري الفتن والذين تتسللوا لمواقعهم في زمن الفاسدين، وأخفقوا في مواقعهم التي شغلوها وصنعوا الأزمات وتردت حال المؤسسات في فترة تسلمهم في السنوات الأخيرة هم وراء ما وصلت إليه حال أنظمتنا التعليمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وما ورد في التقارير الدولية يؤكد حجم الدمار والتراجع وغياب المحاسبة، ولنأخذ المؤسسة التعليمية كمثال، والتي كشفت التقارير الدولية بأننا رابع أفقر دولة في العالم في التعلم، فهل هذا ما سعت إليه الحكومة من وراء التدوير.

لقد استغلت الحكومة أداة التدوير كأداة من أدوات التطوير الوظيفي والتغيير التنظيمي عكس ما هو متعارف عليه في العرف الإداري، واستخدمته نهجا باطنيا وقائيا من خلال إتاحة الفرصة لأكبر عدد من المحاسيب والمتنفذين ليشغلوا المواقع المتقدمة تجنبا لمعارضة المتنفذين من ذويهم، أواستمالتهم للدفاع والتغطية على سياساتها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية الفاشلة، وعلى الرغم من أن هذه السمة متفشية في مجالس الأعيان ومؤسسات ومجالس القطاع العام والخاص، إلا أن هذه الحكومة أمعنت وتمادت في تطبيقها وعلى الملأ وضربت بعرض الحائط كل الاعتراضات والانتقادات الموجهة لها مستغلة بذلك كل أشكال الدعم المقدم لها من المتنفذين في المؤسسات التشريعية وغيرها التي انصب عملها على الدفع بمثل هذه السياسات تنفيذا لأجنداتهم الخاصة.

إن تطبيق سياسة التدوير التي اتبعتها الحكومة بهدف إبقاء بعض المسؤولين في أماكنهم لسنوات طويلة في مناصبهم دون تغيير أو نقلهم إلى أماكن اخرى أدت إلى حالة من اليأس والإحباط والملل وموت الإبداع وتدني الاهتمام وانتشار الفساد والإفساد وهي إحدى أساليب العقاب للمجتهدين والمخلصين من أبناء الوطن التي تحول دون تقدمهم الوظيفي، كما أنها سمحت لاستمرار الإدارات غير الجديرة في مواقعهاالإشراقية، وأسست لتنظيم ممنهج لظاهرة العلاقات والتحالفات والمصالح في المؤسسات، وبما يحقق لها النفوذ والقوة والتصدي للتغيرات التي قد تأتي بما يتعارض مع ما تعودت عليه وألفته هذه الإدارات الفاشلة، والسؤال المطروح متى ستتخلى الحكومة عن مثل هذه السياسات الضارة، وتغليب مصلحة الوطن على مصلحة الأفراد، ومتى ستتوقف بعض الجهات عن سياسة التزكية والتدخل والاحتفاظ والايعاز بالتدوير لمثل هؤلاء الأشخاص، ومتى ستتحرك الجهات الرقابية التي غزتها بعض هذه الأسماء جراء التدوير بالتدخل لوقف ذلك والتحقيق في ملفات المدورين والذين قدمت بحقهم وثائق لهذه الجهات.

نعم ولدت الحكومة أشخاصا في دهاليز المسؤولية حتى أصبحوا كالمسامير في حائط الوطن، ولم تعطِ الحكومة الفرصة لأي شخص لا يكون له صلة بوزير أو نائب أو متنفذ أو مدعوما من جهة عليا أو مرجعية دينية، أو كما يقال لم تكن امه خبازه أي فرصة لخدمة وطنه، إن الدول الديمقراطية الحديثة يا ساسة وضعت مبدأ تجديد النخب وفتح باب الفرص أمام الجميع ليس بدافع المظهرة، ولكن بدافع محاربة الفساد السياسي والإداري والمالي انطلاقا من مبدأ أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة بيد مسؤول فاسد، ولأنك عندما تقوم بتدوير شخص أو إبقائه في نفس المكان فمعنى ذلك أنك تمنحه فرصة خلق منطقة نفوذ ليحول المؤسسة إلى مزرعة خاصة به، تحديدا في ظلّ غياب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذا ما حصل في مؤسستنا الوطنية، بفعل ما مارسته الحكومة بالتدوير، أو من أوكلت لهم الأمر لتنفيذه ومن هنا وفي ظل هذه السياسات لا أمل معقود للوصول بمؤسساتنا وتمكينها من مواكبة المتغيرات والتطورات أو تحقيق رفع كفاءة العمل وجودته، أو في إعطاء الفرص لتوليد الكفاءات القيادية والإدارية وضخ الدماء الجديدة لتنهض في ظل هذه الحكومات.
 
تابعو الأردن 24 على google news