jo24_banner
jo24_banner

استطلاعات "استراتيجيّة" مبتورة.. لعبة الهروب من شيطان التفاصيل

استطلاعات استراتيجيّة مبتورة.. لعبة الهروب من شيطان التفاصيل
جو 24 :
تامر خورما - 

"أقل من ثلث الأردنيين يعرفون عن المركز الوطني لحقوق الإنسان، و3% فقط منهم عرف عن التقرير الأخير الذي أصدره".. بهذه العبارات عبّر مركز الدراسات الإستراتيجيّة في الجامعة الأردنية عن جوهر ما خلص إليه استطلاعه الأخير، الذي تلقّفته وسائل إعلام مقلّلة من أهميّة تقرير حقوق الإنسان، الذي أوجع البعض بما رصده من تجاوزات وانتهاكات.

تُرى، ما هي القيمة المضافة التي حقّقها هذا الإستطلاع، بعيدا عن تناول المحاور الرئيسيّة المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وسبل وآليّات مواجهتها، بما يشكّل رافدا لصانع القرار، وضابطا لإيقاع سياساته؟! أم هل كان الهدف فقط هو تقزيم جهود المركز الوطني، التي خلصت إلى إصدار بيانات وأرقام أبرزت، بجرأة لا يمكن إنكارها، درجة التراجع في مجال الحقوق والحريّات العامّة؟

ماذا لو توجّه مركز الدراسات الإستراتيجيّة بأسئلة مباشرة حول التجاوزات المتعلّقة بالتعذيب، وظروف التوقيف في مراكز الإحتجاز الأولي، والحق في شروط المحاكمات العادلة، وحق حريّة الرأي والتعبير.. وما إلى ذلك من انتهاكات رصدها المركز الوطني.. هل سيكون 3% من الأردنيّين فقط هم من يعرفون بها أو يؤمنون بوجودها؟ بصراحة، علامات استفهام كثيرة تدور حول الحبكة الكامنة وراء مثل هذه الإستطلاعات المبتورة.

على أيّة حال، حتّى لو افترضنا دقّة الرقم الذي خلص إليه استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجيّة، فإن هذه كارثة! فرغم كلّ الشكاوى التي تلقّاها المركز الوطني لحقوق الإنسان، لايزال –حسب الإستطلاع المذكور- ثلثا الأردنيّين لا يعلمون حتّى بوجود المركز الذي وثّق تلك الإنتهاكات، تخيّلوا حجم الإنتهاكات والتجاوزات على حقوق الإنسان التي لم يكشف عنها غالبيّة ضحايا التعذيب، وغيره من ممارسات بقيت بمنأى عن الرصد، ربما لو كان كلّ الأردنيين يعلمون بوجود المركز، سنشاهد توثيقا لثلاثة أضعاف الانتهاكات التي رصدها المركز.

ومن الأمور الأخرى التي تناولها استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجيّة التعديل الوزاري، وما إذا كان سيرفع من سويّة الأداء الحكومي، وأبرز مشاكل الأردنيّين المتعلّقة بالفقر والبطالة والفساد.. ما طرحه المركز من أرقام ترصد عموميّات يتّفق عليها القاصي والداني.. من لا يعرف أن هذه الحكومة، كسابقاتها، تفتقر إلى الشرعيّة الشعبيّة، وأن أي تعديل يخرج شخوصا ليأتي بآخرين لا يغيّر من واقع الأمر، طالما أن النهج المتّبع في تشكيل الحكومات هو ذات النهج غير التقدّمي، منذ الإنفراج الديمقراطي في نهاية الثمانينيّات حتّى اليوم.. لماذا تنأى بعض مراكز الدراسات بنفسها عن تناول جوهر الأمور، عوضا عن التطرّق لقشورها؟!

بعبارة أخرى، لو خرج استطلاع يؤكّد أن 100% من الأردنيّين غير راضين عن الأداء الحكومي، فهل سيحمل هذا الحكومة على الإستقالة، أو على الأقلّ هل سيلامس مواطن الخلل وأسباب فشل الأداء.. العموميّات وتصدير "المانشيتات" وغير ذلك من التحليق حول المجمل، لن يفيد بشيء.. الأصل أن تقف الدراسات على أدقّ التفاصيل، وتلامس مختلف جوانب ما تتناوله من قضايا، لتخرج بتوصيات تسهم في صياغة البدائل.

ومن هو المترف الذي لا يعرف أن الفقر، والبطالة، وارتفاع الأسعار، ومجمل المشاكل الإقتصاديّة تمثّل لبّ الهمّ الوطني؟! أما كان الأولى التعمّق بعض شيء لملامسة مواطن الخلل، بهدف تزويد صنّاع القرار بسبل معالجة الأوضاع المتردّية؟! أوليس هذا هو الدور الذي يفترض أن تتولاّه مراكز البحث والدراسات، عوضا عن ترديد اسطوانة العموميّات، في عناوين عريضة، ومقاربات غير عمليّة؟!

ما هو معنى مثل هذه الإستطلاعات التي لا تملك من أمرها إلاّ الدوران حول العموميّات؟ وما هي الفائدة التي تضيفها دراسات تتناول قضايا الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتفاقم الفساد بالمطلق، دون التطرّق إلى أرقام تفصيليّة، ونسب توضّح مكامن الضعف ومواطن الفشل، ومخرجات تجترح الحلول العمليّة بناء على الأرقام المعطاة.
 

يقولون أن "الشيطان" يكمن في التفاصيل، لذا فمن المرجّح أن بعض الإستطلاعات تتعوّذ من تلك التفاصيل، وتكتفي بـ "مانشيتات عريضة" لتلقي بالمسؤوليّة عن أكتافها، دون الخوض في ما قد يقود إلى لومة لائم، أو إقلاق راحة مطابخ صنع القرار، التي لا تريد من مراكز الدراسات الخروج عن النصّ المطلوب من "الكومبارس" لغايات "الديكور"!

بصراحة، كثير من المؤسّسات ومراكز الأبحاث يستوجب واقعها إعادة النظر بوجودها، فتمويل "دراسات" غير مجدية، لغايات "الديكور" البحتة، لا يمكن أن يقع تصنيفه خارج إطار الهدر العبثي. لا يتطلّب الأمر إنفاق المزيد من الأموال لمعرفة أن الفقر والبطالة يشكّلان الهاجس الأكبر في الشارع، غير الراضي عن الأداء الرسمي، فالأصل الإجابة على أسئلة من قبيل: كيف، ولماذا، وما العمل، وغيرها من تساؤلات ترصد الشيطان في أدقّ التفاصيل.
 
تابعو الأردن 24 على google news