البدء بتصفية مؤسّسات الإستنزاف.. خطوة جريئة ولكن
جو 24 :
تامر خورما -
في سياق الحزمة الثانية من إجراءات تنشيط الإقتصاد الوطني وتحفيز الإستثمار، أعلنت حكومة د. عمر الرزاز، عن إلغاء ودمج 8 مؤسّسات وهيئات، هي دائرة الأرصاد الجويّة، وخط حديد الحجاز، وسلطة المياه، ومركز إيداع الأوراق الماليّة، ودائرة تنمية الأوقاف الإسلاميّة، وشركة المنشآت العقاريّة، والشركة الأردنيّة للسياحة والمياه المعدنيّة، وصندوق تنمية المافظات. كما تقرّر دمج كافّة هيئات قطاع النقل، وكذلك الهيئات المنظمة لقطاع الطاقة.
هذه الخطوة جاءت في وقتها، ونأمل أن تكون أوّل غيث الإصلاحات المنشودة، التي طالما حلّقت الوعود بشأنها، فالهيئات والوحدات الحكوميّة المستقلّة، التي بلغ عددها في العام الجاري 57 مؤسّسة، أرهقت خزينة الدولة، في ظلّ ارتفاع المديونيّة إلى نحو 39 مليار دولار، وعجز مالي بلغ 40.7 مليار دولار، أيّ بنسبة 94.4% من الناتج المحلّي الإجمالي.
إلغاء هذه المؤسّسات طالما شكّل أولويّة وضرورة ملحّة فيما يتعلّق بمطالب الإصلاح الإقتصادي، واليوم باشرت الحكومة بخطوة متقدّمة على طريق الخروج من الأزمة، التي أنتجتها السياسات العبثيّة للحكومات المتعاقبة، أو على الأقلّ التخفيف من شدّة وطأتها، والبدء بمعالجة التشوّه الذي أحدثته الوحدات المستقلّة يعدّ ضربة موفّقة في صميم العبث.
ولكن هذه الخطوة لا بدّ أن تكون مجرّد بداية، في حال أرادت الحكومة فعلا تحقيق نتائج ملموسة تنعكس إيجابيّا على الواقع الإقتصادي. كثيرة هي المؤسّسات غير المجدية في وجودها، والتي لا تحقّق سوى استنزاف الإيرادات، فرغم ضمّ سلطة المياه إلى وزارة المياه والريّ، تمّ الإبقاء على شركة مياهنا، التي استنزفت أكثر من 188 مليون دينار كإيرادات، وشركة مياه العقبة، التي استهلكت نحو 21مليون دينار، وكذلك شركة مياه اليرموك، التي بلغت إيراداتها نحو 41 مليون دينار، وفقا للأرقام الواردة في قانون موازنة الوحدات الحكوميّة للعام 2019. ولا ننسى أن معظم إيرادات هاتين الشركتين، كسائر الوحدات المستقلّة، يتمّ استهلاكها كنفقات جارية، مقابل صفر كعائد متوقّع للخزينة.
معضلة الوحدات الحكوميّة المستقلّة يستحيل احتوائها بدمج ثمان مؤسّسات فقط، مقابل استمرار استنزاف بقيّة المؤسّسات للمال العام. ولا داعي هنا للتذكير بخسائر شركة الكهرباء الوطنيّة التي يتحمّلها المواطن عبر إثقال كاهله بفواتيرها الدسمة، رغم أن إيرادات هذه الشركة بلغت (196461000) دينار للعام الجاري. وفقا لأرقام الخلاصة المجمعة لموازنة سلطة المياه وشركة الكهرباء فقد بلغ صافي العجز نحو 271 مليون دينار، رغم أن الإيرادات تجاوزت الـ 291 مليون دينار، مقابل نحو 562 مليون ذهبت كنفقات.
الحكومة قرّرت دمج سلطة المياه بالوزارة، ولكن ماذا بشأن فاتورة الكهرباء التي تفوق أرقامها ما يمكن احتماله، وماذا بشأن المؤسّسات الأخرى التي لا يوجد أيّ مبرّر مقنع للحفاظ على "استقلاليّتها"؟! موازنة هذه الوحدات، باستثناء سلطة المياه وشركة الكهرباء، خصّص لها (746646000) دينار كنفقات جارية، في حين أن الإنفاق الرأسمالي بلغ 191 مليون دينار و442 ألف من مجموع النفقات البالغ (938088000) دينار.
هذه الأرقام تظهر ضرورة مضي حكومة الرزّاز في خطوات أكثر جرأة، ومواصلة مشوار الإصلاح حتّى التخلّص من أيّة مؤسّسة أو هيئة تشكّل عبئا دون مقابل يستحقّ ذلك.
وبموازاة البدء بتجفيف منابع الإستنزاف، عبر إعادة النظر في تلك المؤسّسات، أعلن الرزاز عن خطوات إصلاحيّة لا يمكن التقليل من أهميّتها، كوضع خطّة للنهوض بقطاع النقل العام، وتخفيض بعض الرسوم والضرائب، ولكن تبقى مسألة ضريبة المبيعات هي حجر الرحى للإصلاح الضريبي المنشود. الفقر لا يمكن مواجهته بإعادة النظر بالرسوم والضرائب المفروضة على السيّارات. المطلوب هو إقرار نظام ضريبي يحقّق شروط العادلة الإجتماعيّة، ويسهم في القضاء على الفقر والفاقة التي تنهش قوت ذوي الدخل المحدود.
الإصلاح الإقتصادي في الأردن يحتاج إلى خطوة جريئة، بقدر جرأة البدء بمعالجة معضلة وحدات الإستنزاف المستقلّة، نحو إصلاح ضريبي شامل، يستند قبل أي شيء آخر، إلى إعادة النظر في ضريبة المبيعات.