الدبلوماسيّة الأردنيّة وعقدة الأغورافوبيا
جو 24 :
تامر خورما -
في إجابته على مداخلات نواب طالبوا الحكومة بالتحرك للإفراج عن المعتقلين الأردنيين في الخارج، قال وزير الخارجيّة وشؤون المغتربين، أيمن الصفدي، إن الوزارة تعمل على هذا الملفّ حسب المساحة التي يحدّدها القانون، مشيرا في ذات السياق إلى استمرار التواصل مع السلطات السعوديّة بهذا الصدد.
الصفدي لفت إلى بديهيّة قيام السعوديّة بالتحقيق مع المعتقلين الأردنيين في سجونها، وفقا لقوانينها هي، ولكن ماذا عن القوانين والمعايير والأعراف الدوليّة، وما هي حدود تلك المساحة التي يتحدّث عنها وزير الخارجيّة في محاولة لتبرير عجز الدبلوماسيّة الأردنيّة عن استعادة أبنائها المحتجزين؟!
اعتقال الأردنيين في سجون الرياض لأشهر دون تحقّق أدنى شروط المحاكمات العادلة، بل وحتّى دون توجيه أيّة تهمة، لا يمكن تبريره أو القبول به، ولا يوجد أيّ قانون أو عرف إنساني يبيح هذا الأمر، فلماذا تحشر "الخارجيّة" الأردنيّة في مساحة مفترضة، تمنحها صفة "القانون"، وتخجل من التحرّك خارج حدودها الوهميّة؟!
التقوقع الذاتي ضمن حدود مساحة متخيّلة، والخشية من تجاوز خطوطها الوهميّة، قد يكون حالة متقدّمة جدّا عن الأغورافوبيا، أو ما يعرف برهاب الخلاء، حيث "يحشر" المرء نفسه في فقاعة أمان، لتجنّب نوبات الهلع التي ينتجها الوهم والعصاب.. هذه الحالة الفريدة هي التوصيف الوحيد لموقف الخارجيّة الأردنيّة، التي تقوقعت في حدود مساحة إفتراضيّة، شاءت وساوسها وسمها بصفة "القانون".
الرياض تعتقل أردنيين دون أيّ مبرّر أو حجّة قانونيّة، وفي المقابل تختار التصريحات الرسميّة الهرب إلى فقاعة "أمان" متخيّلة، للتنصّل من مسؤوليّاتها، كثيرة هي الأمثلة التي تؤكّد تجاوز قرارات الإحتجاز لكلّ البديهيّات القانونيّة.. الزميل عبدالرحمن فرحانة، مثلا، مازال محتجزا لدى سلطات الرياض منذ أكثر من عشرة أشهر، وذلك دون توجيه أيّة تهمة تبرّر سبب احتجاز حريّته، فأيّة مساحة تلك التي تقيّد "الحراك" الدبلوماسي الأردني؟!
لدى الأردن الكثير من أوراق الضغط التي تمكّنه من خلع ثوب دور المستضعف، فما هو مبرّر عدم استخدام تلك الأوراق، لتحقيق أبسط حقوق الإنسان للمعتقلين الأردنيّين في الخارج؟ بالأمس القريب، قال وزير الخارجيّة خلال مداخلته في افتتاح مؤتمر المنامة "أمن الخليج أمننا"، وذلك في إشارة واضحة للدور المحوري الذي يلعبه الأردن في المنطقة، فهل نستحقّ مقابل ذلك كلّ هذا الاستهتار بكرامتنا وحقوقنا التي لا يمكن لأي اثنين، من أي دين أو ملّة، الاختلاف عليها؟!
علاقات تاريخيّة تربط الأردن بالخليج العربي، وكثيرة هي المحطّات المفصليّة التي أثبتت خلالها الدولة الأردنيّة حرصها التامّ على هذه العلاقات، فكيف يتمّ استثمار ذلك فيما يتعلّق باعتقالات تستمرّ دون حتّى توجيه لائحة اتّهام؟ أم هل باتت القوانين الخاصّة لأيّة دولة، هي المقياس المطلق، الذي تغيب أمامه كافّة المعايير الدوليّة؟!
وماذا عن تلك العلاقات التاريخيّة، وكافّة الجسور الممتدّة بين عمان والرياض؟ ألا يفترض أن تكون وزارة الخارجيّة الأردنيّة قادرة على ترجمة هذه العلاقات عبر الإفراج عن مواطنين يواجهون مصادرة الحريّة دون تهمة؟!