عن عبثية مشروع الباص السريع .. ليس المطلوب بناء مركبة فضائية أو آلة للسفر عبر الزمن
جو 24 :
محرر الشؤون المحلية_ يوشك العام 2019 على الانتهاء، والباص السريع الذي ينتظره الأردنيون منذ 11 سنة لم يصل بعد، إلا أن هذا لا يمنع أمانة عمان من الإعلان في كل محطة عن ملايين يتم إنفاقها على هذا المشروع، الذي يبدو أنه إحدى عجائب اليوفو وسفن غزو الفضاء.
في 26 تشرين الثاني للعام 2011 تم إطلاق عربة (كريوسيتي روفر) لتتجول على كوكب المريخ، ويوم السادس من آب لعام 2012، وصلت إلى الكوكب الأحمر، أي بعد نحو ثمانية أشهر.. أما باص عمان السريع فمازال على الطريق المفروش بالمساعدات الفرنسية منذ أكثر من عقد من الزمن، رغم أن برج ايفل نفسه لم يستغرق بناؤه أكثر من عامين وشهرين وخمسة أيام بالتحديد!
في الصين التي يبلغ عدد سكانها 1.386 مليار نسمة، حسب إحصائية العام 2017، تم تجاوز مشكلة أزمة المرور بجملة من الإجراءات، منها صنع حافلة تسمح للسيارات بالمرور تحتها، أما في الأردن فما زلنا نعاني التخبط في إغلاقات الشوارع، وتغيير المسارات للباص المنتظر طيلة تلك السنوات، حتى بلغت حالة الإختناق المروري ما يجعل من ذهاب المواطن إلى وجهته مشيا على الأقدام أيسر وأسرع من استخدام المركبة في كثير من الحالات.
العالم يتقدم بسرعة مذهلة، أما هنا فلا يزال أمين عمان، يوسف الشواربة، يتحدث عن الملايين التي أنفقت على مشروع الباص السريع، وكأنه بدعة من عجائب التكنولوجيا. منذ ثمانينيات القرن الماضي ومصر مثلا تستفيد من مترو الأنفاق، بل وتعمل اليوم على ربط القاهرة بكل من العاصمة الإدارية ومدينة 6 أكتوبر عبر مشروع المونوريل بطول 96 كيلومترا، أما عمان فلا تزال تحلم بباصها السريع!!
الحلول الإبداعية جعلت العالم يفكر اليوم بوسائل نقل تغنيه عن الطائرات، لما تتسبب به من أضرار بيئية، أما في الأردن فالسقف لا يتجاوز حافلة ركاب سريعة التردد، تخنق من أجلها الشوارع، وتستهلك في سبيلها كل وسائل التخبط والهدم والبناء، بل وتدر عليها الملايين، وتستجدى المعونات لهذه التحفة الإبداعية، التي استغرقت كل تلك السنوات، ولم تصل بعد!
ألا يمكن التفكير قليلا خارج صندوق الإصرار على الفشل، والمضي في غي المشاريع العبثية؟ كل عواصم الدنيا تتوسع وتتمدد استجابة لمعطيات الكثافة السكانية، فلماذا قضي على عمان أن تختنق بين تلالها السبع، رغم أن عدد المركبات فيها بات أكثر من عدد البشر في كثير من المدن؟!
ليس المطلوب هو بناء مركبة فضائية، أو اختراع آلة للسفر عبر الزمن، كل ما يحتاجه الأمر هو التفكير أبعد من حدود الحفريات وتحويل الطرق وخلق الأزمات.. العالم يستقبل العقد الثالث للألفية، ونحن لانزال على محطات انتظار فتح وإغلاق شوارع باص الأحلام!!
ولايزال حبل استنزاف الملايين على جرار التمهيد لهذا الباص الأسطورة، الذي أقر مشروعه منذ عدة سنوات، تغيرت خلالها كافة المعطيات، سواء فيما يتعلق بعدد المركبات أو حالة الطرق.. وعمان تصر على الدوران في فلك هذا المشروع الماضوي الذي فشل منذ خطواته الأولى!
يبدو أن التخطيط في الأردن يجري على "السبحانية"، فلا يحتاج المسؤولون لمعرفة أية معطيات أو مستجدات للمضي في العمليات الجراحية التي شوهت الطرق، وإنفاق أموال المساعدات إلى جانب أموال دافعي الضرائب على مشروع خنق شوارع العاصمة طيلة تلك السنوات، دون أن يرى النور.
الكارثة أن حتى ثقافة استخدام حافلات النقل العام باتت تحتضر نظرا للجحيم الذي يضطر المواطن إلى معايشته عند استخدامه لهذه الوسائل، التي تعود لما قبل الألفية الثالثة، فلا يستخدمها إلا مضطرا مغلوبا على أمره، ثم يندم على ذلك.
النقل العام في الأردن في أسوأ ما يمكن لدول العالم الثالث بلوغه، والبنية التحتية لا تحتمل قطرات مطر، وفوق هذا يستمر إغلاق الشوارع وتحويل الطرق لمشروع تم وأده في المهد.. الباص السريع يصلح لأن يكون حكاية لتسلية الأطفال قبل النوم، إلى جانب حكايات بساط الريح والمصباح السحري، أو ربما تطور الحكومة المسألة لتجعل باصها شبيها بذلك القطار الذي ينقل هاري بوتر ورفاقه إلى مدرسة السحر، دون أن يراه أحد من العامة، فلسحر الحكومة أيضا أسراره الأسطورية!