اسئلة ما بعد "الصفقة"
حسين الرواشدة
جو 24 :
بعد ان تجاوزنا صدمة اشهار "الصفقة" المغشوشة التي تناوب على تقديمها ترامب ونتينياهو في البيت الأبيض، اصبح من الضروري ان نفكر في اتجاهين لنفهم ما جرى وما يمكن ان يترتب عليه في المستقبل ، الاتجاه الأول : لماذا حدث ذلك وما هي استحقاقاته بالنسبة لنا ؟ هل هو مجرد وعد على الورق ام انه " بلفور " ثاني قابل للتنفيذ . اما الاتجاه فهو كيف سنتعامل معه ، وماذا يمكن ان نفعل لابطال مفعوله وافشاله ؟
قبل الاجابة اشير الى ملاحظة على الهامش، وهي ان ردود الفعل الرسمية في عالمنا العربي على "الصفقة" توزعت في أربعة اتجاهات: اتجاه رفض الصفقة بالمطلق، واتجاه وافق عليها ورحب بها ودعا الفلسطينيين الى التعامل معها بإيجابية، واتجاه ثالث التزم الصمت والغموض في الموقف، ثم اتجاه رابع ابدى تحفظات عليها لكنه لم يرفضها بالمطلق.
على صعيد الشارع العربي أيضا ،كان الرفض " عنوانا " توافقت عليه معظم القوى الشعبية في العالم العربي ، لكن ذلك لم يمنع من الانقسام في التعامل مع الصفقة كتهديد، البعض اعتبرها دعاية انتخابية ، أخرون اعتبروا انها " بلطجة أمريكية إسرائيلية " ، تيار ثالث تعامل معها بمنطق التهوين وانها لن تمر، فيما رأى بعض المحللين انها " بلفور " جديد قابل للتنفيذ بالتدرج ، كما حصل منذ اكثر من مئة سنة .
اما لماذا حدث، فيمكن الإشارة الى مسألتين: الأولى ان إسرائيل اقتنصت فرصة وصول ترامب للحكم، وفرصة انهيار النظام العربي، وانقسام الصف الفلسطيني، وغياب الدور الأوروبي، وانشغال الروس في تثيت اقدامهم في المنطقة واقتسام غنائمها مع واشنطن، وبالتالي فان الجو السياسي اصبح مناسبا لابتزاز كل هذه الأطراف، وانتزاع ما تفكر به إسرائيل منذ وعد بلفور.
المسألة الثانية هي ان عالمنا العربي استقال من قصيته المركزية والتي هي فلسطين، وترك الأردن والفلسطينيين وحدهم لمواجهة العالم من اجلها، لا بل ان بعض العرب انخرطوا في تمرير الصفقة او بمباركتها، بعد ان تغيرت اولوياتهم على تحديد العدو رقم (1) ، وبالتالي فان ما فعلته تل ابيب في هذا التوقيت بالذات كان مفهوما في سياق صراع تاريخي طويل، نجحوا فيه "بالزحف" الى أهدافهم بعد ان انسحب العرب من خنادق المواجهة .
هل تمثل الصفقة "اللعنة: ان شئت" تهديدا لعالمنا العربي؟ نعم بالتأكيد . هل هي مجرد حبر على ورق ؟ ابدا لا ، فهي ولدت لكي يجري تنفيذها ، ليس بالضرورة في غضون عشر سنوات ربما ، وانما بعد عقود اذا لزم الامر .
اما كيف كيف سنتعامل معها، فهذا يتوقف على قدرتنا -كعرب- على بناء واقع عربي جديد، يمتلك العرب فيه أوراق قوة سياسية ليفرضوا كلمتهم على العالم، وينتزعوا حقوقهم المشروعة من "فم الغول"، اذا تحقق هذا الشرط (وهذا مجرد افتراض او ربما امل بعيد) فان ابطال مفعول هذه الألغام سيكون سهلا، اما اذا استمر الحال العربي والفلسطيني فان وعد ترامب سيتدحرج على الأرض ولن يعرقله الا "الفلسطيني" الصامد على ارضه بانتفاضة جديدة، قلت يعرقله مع انني أتمنى ان اقول: "يدفنه" للابد.