jo24_banner
jo24_banner

عن المعركة ضد الكورونا ودور الجامعات و"عقل الدولة"

د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :


يحلو للروس أن يطلقوا تسمية الحرب "الوطنية" العظمى على ما نسميه نحن والعالم بالحرب العالمية الثانية. التسمية هي بالتأكيد مشحونة بالدلالات وهي تشير ضمنا إلى حجم الجهد الوطني المبذول على مستوى مكونات الأمة الروسية أو ما يسمى بالشعوب الروسية التي انخرط كل أفرادها، وكل حسب مؤهلاته وقدراته فيها. الانتصار في الحرب الوطنية العظمى لم يكن انتصارا للجيش الروسي بقدر ما كان انتصارا لكل عنصر وفرد في الأمة الروسية. تحقيق النصر على النازية لم يكن ليتم بدون الجندي في المعركة والمعلم في المدرسة والطبيب في المشفى والصحفي في الإذاعة والفلاح في المزرعة. في المعركة ضد النازية كان على الرجال، كل الرجال أن يحملوا السلاح ويكونوا في جبهات المعركة في المعركة، وكان على النساء وربما كل النساء أن يشغلن خطوط الإنتاج في المصانع والمعامل، كما كان عليهن فلاحة الارض وزراعتها لتوفير الطعام للأمة.

منذ أسابيع والجميع على مستوى بلادنا يبدو مشغولا بالمعركة ضد فيروس الكورونا. صحيح أن المعركة التي تخوضها الدولة الأردنية ضد وباء الكورونا يغلب عليها الطابع الطبي والصحي, وتبدو المعركة وكأنها معركة ضد فيروس غير مرئي ولكنه قاتل، ولكن في العمق يجب النظر إلى هذه المعركة على أنها معركة متعددة الأبعاد كما ينبغي لها أنها تخاض على جبهات متعددة وممتدة. في المعركة ضد الكورونا يختلط الطبي بالإداري والسياسي والاقتصادي والديني والإعلامي والثقافي والاجتماعي والعسكري والأمني. ولان مكونات المعركة هي بهذا التعقيد البنيوي، فهي تمثل اختبارا لعقل الدولة في تشخيص الازمة وتحديد الإجراءات وتحديد الفاعلين الوطنيين المنخرطين في التصدي لها.

وتكمن المهمة الأولى لعقل الدولة الذي يدير معركة بهذا التعقيد والخطورة أن يصل إلى تشخيص دقيق للخطر أو التحدي، وهو في حالة الكورونا يحتاج إلى جهد مركب تشارك فيه جهات علمية وتقنية وأمنية واقتصادية وسياسية. كما تكمن مهمة عقل الدولة بعد أن يصل إلى أفضل تشخيص للتحدي في التفكير بالوسائل والإجراءات والسياسات الضرورية لمواجهة التحدي، كما تكمن مهمته في التفكير بالأدوات والمصادر والموارد المتاحة التي يمكنه أن يوظفها في المعركة ضد الفيروس. صحيح أن المستشفيات والأطقم الطبية والخبرات الاقتصادية والأمنية والعسكرية تندرج كلها ضمن الموارد والمصادر والأدوات التي ينبغي توظيفها في المعركة، ولكن في قلب المعركة ضد الكورونا هناك دور حاسم للتلفزيون والبنك والسوق والمسجد والمدرسة والجامعة. هناك دور مفصلي لرجال الدين والفكر والسياسة والعسكر والأمن كما للقيادات الجامعية.

نجاح المعركة ضد الكورونا يكون عندما ينجح عقل الدولة في جعلها معركة وطنية ضد المرض وليس معركة الحكومة ووزارة الصحة فيها مع المرض. ونجاح المعركة ضد الكورونا يكون عندما ينجح عقل الدولة في جعل المعركة ضد الكورونا هي معركة كل طفل وشاب ويافع وبالغ في الأمة. ونجاح المعركة ضد الكورونا يكون عندما ينجح عقل الدولة في توظيف كل موارد الدولة في القوات المسلحة، كما في الأطقم الطبية، كما في أجهزة الإعلام كما في وزارة الأوقاف كما في الجامعات لتشكل جهدا وطنيا تتباين مكوناته البنيوية ولكن تتكامل أدواره الوظيفية.

منذ أيام تفتق عقل بعض الإدارات الجامعية عن فكرة جمع التبرعات من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والعاملين فيها كمساهمة منهم باعتبارهم قيادات جامعية في المجهود الوطني لمحاربة جائحة الكورونا. فكرة جمع التبرعات وإن كان يمثل اجتهادا نحترمه ونقدره، إلا أنه يمثل قصورا في النظرة وفي الاجتهاد حول نوع الجهد وكمه الذي يمكن للجامعات أن تساهم به في الجهد الوطني الأردني في كسب المعركة ضد الفيروس. فدور الجامعات في المعركة الوطنية ضد فيروس كورونا لا يقتصر على عدد الجيوب لدى العاملين فيها ولا على عدد الدنانير التي فيها، والتي يمكن أن تخرج منها لتصب في المجهود المالي لمواجهة كارثة الكورونا. كما لا يمكن لحجم المبلغ الذي يسجله عداد التبرعات أن يعكس درجة وطنية المتبرعين كما لا ينبغي لصاحب الفكرة أن يقيس مستوى نجاح قيادته وزعامته بحجم المال الذي تم جمعه من جيوب الناس.

في المعركة ضد الكورونا يمكن للعاملين بالجامعات أن يقدموا ما هو أثمن وأنفس بكثير من تلك الدنانير القليلة التي تبقى في جيوبهم بعد أن يدفعوا جبال الفواتير والضرائب التي فرضتها السياسات المتعاقبة عليهم. فمنطق الأشياء يقول أن العاملين في الجامعات يملكون معينا غير متناه من الخبرات في مجالات الإعلام والإدارة وعلوم الدين واللغة وعلم النفس والهندسة هي بالضبط ما نحتاجه في المعركة الوطنية الشرسة ضد الكورونا.

القيادات والإدارات الجامعية مطالبة بان تكون مكونا عضويا من عقل الدولة وأن تمارس الدور المناسب في المساحات المناسبة ومن خلال الكفاءات والمصادر البشرية المناسبة التي تمتلكها. وعليه، فأن القيادات الجامعية التي تعجز أن تجتمع لساعات واضعة أمامها قوائم مفصلة بحجم المصادر البشرية التي تمتلكها في الإعلام والطب والمعلوماتية، وبنوع المختبرات التي تحتضنها مبانيها، وبنوع قواعد البيانات التي راكمتها، كي تفكر في نوع الجهد الوطني العلمي والمعرفي والتقني والبشري الذي يمكن أن توظفه ليتكامل مع المجهود الوطني الذي يبلوره عقل الدولة، هي بالتأكيد ليست الإدارات الجامعية التي يمكن بها ومعها أن ننتصر حتى بمعاركنا الصغيرة ناهيك عن معاركنا الوطنية الكبرى.

في المعركة الوطنية الأردنية العظمى ضد وباء الكورونا على القيادات الجامعية أن تفكر في المنتج الطبي المعرفي أو التوعوي والإرشادي التقني الذي يمكن لكليات الطب والصيدلة في هذه الجامعات أن تطوره، وفي الدور الترويجي والتعريفي بهذا المنتج الذي يمكن لكليات الإعلام أن تمارسه، وفي الدور الذي يمكن لكيات الشريعة أن تلعبه في تحفيز القبول الجماهيري بهذا المنتج الذي أنتجه زملائهم في كليات الطب والصيدلة. وهكذا ينبغي أن يستمر التفكير حتى يتضمن الدور الذي يمكن أن يلعبه المختصون في الإدارة والهندسة والمعلوماتية مساهمة منهم في المجهود الوطني في محاربة الفيروس وصولا إلى تحقيق النصر في المعركة ضده.

فالقيادات الجامعية وبالنظر إلى ما تختزنه الجامعات من خبرات وموارد بشرية وتقنية، وبالنظر إلى خريطة توزع الجامعات على كامل الجغرافيا الأردنية، وبالنظر إلى حجم الكتل الديموغرافية التي تتغلغل الجامعات بينها وتخترقها من العقبة جنوبا حتى إربد شمالا تمتلك من عناصر القدرة على صناعة النصر على الفيروس بما يزيد ربما عما تتملكه الحكومة أو الدولة أو الأردنية.

لا يمكن تخيل حجم الإحساس بالمرارة والحزن وحتى الإحراج عندما يكون قرار بعض القيادات الجامعية هو في التوجه إلى جيبك من أجل جمع دنانير قليلة من هذا الجيب في حين تعجز هذه القيادات عن رؤية حجم المعرفة والخبرة العلمية والتقنية التي تمتلكها والتي هي أكثر فائدة وفاعلية في المعركة ضد هذا الوباء الخطير. مصدر الإحساس بالمرارة وربما القلق يتأتى بالتأكيد من رؤية القيادات الجامعية للجامعة ولدورها ولما يمكن أن تفعله في أوقات السلم كما في أوقات الأزمة والمحنة.

حال القيادات الجامعية في جمعها للتبرعات المالية من اجل محاربة فيروس الكورونا بدلا من توظيف الجامعات كمراكز للمعرفة والخبرة في هذه الحرب، يشبه حال رجل الإطفاء الذي نتوقع منه في حال نشوب حريق أن يكون دوره الأول وربما الأوحد هو في إطفاء الحريق. ولكنه وبدلا من ذلك يثير حيرتنا وخوفنا حين يفضل عند نشوب الحريق أن يترك الحريق الذي درب كي يطفئه متجها إلى المسجد القريب كي يجمع التبرعات المالية من أجل ضحايا الحريق.
 
تابعو الأردن 24 على google news