jo24_banner
jo24_banner

وضوء الدم!!

خيري منصور
جو 24 : إن ركعتين في العشق لا يكون وضوءهما إلا بالدم، تلك عبارة تنسب إلى الحلاج الذي قال ايضا اقتلوني يا ثقاتي.. ان في موتي حياتي، والعربي الآن الذي بدأ يفقد التراب والماء معاً، لن يجد ذات سراب ما يتوضأ به غير دمه، فالتراب تم تجريفه ويسحب ببطء و مهارة من تحت الاقدام، اما الماء فقد بدأ هو الآخر يشح، بحيث اصبحت ارض السواد من شدة اخضرارها شاحبة، وقد تسمى بلاد ما بين النهرين ذات خريف قومي بلاد ما بين النارين.

اما النيل فله حكاية تطول تجري معه من المنابع المنيعة الى المصب المجهول، اما الصرخة الحلاجية اقتلوني يا ثقاتي ان في موتي حياتي فهي الآن ليست صوفية، بقدر ما هي استغاثة من تاه في صحرائه بعد ان فقد الفراسة والفروسية والبوصلة، فالحياة لم تعد عزيزة لدى بشر يحصون أيامهم بالكوارث وفاضت مقابرهم بحيث باتت القيامة العاجلة مطلباً ورجاء لا يفوقه رجاء فمن يهدد في ترابه ومائه وفضائه وهوائه لن يبقى له الا ان يلوذ بكوكب آخر، هذا اذا استطاع، لأنه أفرط حتى التفريط بكل ما ورث عليه ان لا يشكو من أحد غير نفسه، لأنها أمرته فعلاً بالسوء فاستجاب وصدق المواعظ الخرقاء التي طالبته بأن يتشرنق داخل ذاته وان يذهب بأنانيته المجنونة حتى الانتحار، فهو كالقط الذي لحس المبرد واستمرأ عذوبة دمه وهو لا يعلم بأنه يأكل نفسه.

ان ثقافة قرن كامل قد تأسست على ما يبدو في نطاق الوهم، وكان العربي يتصور ان ما فقده في منتصف القرن العشرين هو فلسطين فقط، ناسياً انه ما كان ليفقدها لولا انه فقد ارادته ورشده، لهذا حين قرر ان يستعيدها أضاع اخواتها تماماً كذلك الأخرق الذي أراد ان يكحل عينيه فعماهما.

انه يعود الآن وبمعنى أدق يُعاد قرونا الى ايامه الأولى، ما قبل الدولة المواطنة، وها هو يصدر طبعة جديدة ومنقحة من حروب الطوائف، لكن بعد اضافة التطوير والتحديث على أدوات انتحاره فكم هي هشة ورقيقة القشرة التي حجبت عنه جاهليته لأنها ما ان تعرضت للشمس حتى ذابت وظهرت الأمة تحت البشرة، والوحل تحت الرخام كان وهو أقل عدداً وثروة وتعليما يشكو من جرح في كبريائه الوطني، لكنه بعد ان تضاعف عدة مرات عدداً وثروات وثورات بدأ يبكي من الظمأ ومن شحة الهواء.

انها تغريبة من طراز غير مسبوق في تاريخ الأمم، فمن قفز من الربع الخالي إلى جبال الالب يعود الآن، لكن بلا صحراء وبلا قوافل وبلا نشيد!

لهذا يردد ما قاله الصوفي المحترق والذي زكم رماده أنف السماء.

اقتلوني يا ثقاتي ان في موتي حياتي.. وقد يتوضأ بدمه لكن مكرهاً وليس عاشقاً!! (الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير