وزير التعليم العالي إذ يتلقى جل السهام وحيدا.. فأين مسؤولية القيادات الجامعية؟
د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :
أما وقد انجلى بعض من غبار المعركة حامية الوطيس والتي خيضت على صفحات السوشال ميديا كما على منصات كثير من المواقع الصحفية داخل البلاد وخارجها ضد كتاب منسوب لمعالي وزير التعليم العالي الدكتور محي الدين توق وجهه لأحد رؤساء الجامعات الرسمية في الأردن وحيث قام موقع جو24 بنشر تعقيب لنا حوله كان أشبه بالعتاب والتعبير عن الوجع المعتمل في صدورنا أكثر منه هجوما على شخص معالي الوزير.
كثير من الحقائق والوقائع باتت جلية بعد أيام من بدء المعركة ضد الوزير، كما أن كثيرا من التفاصيل الموضوعية التي تتعلق بمسار الأمور التي مهدت لكتاب الوزير وصولا لصياغة الكتاب وتوقيعه تكشفت. ناهيك أن كثيرا من الاستنتاجات والقناعات تتعلق بطبيعة الحرب التي شنت ضد الوزير من حيث الأهداف والغايات كما من حيث اللغة والتعبيرات والمفردات المستخدمة بات من السهل على العين كما العقل أن يلحظها ويرقبها.
في الحقائق والوقائع التي باتت جلية بعد تطاير جزء من غبار المعركة نقول أن الكتاب المنسوب لمعالي الوزير ولأنه استفز شريحة مجتمعية هي بحكم عملها من بين الأكثر استخداما لملكاتها الذهنية والعقلية وهي بالتالي من أكثر الشرائح ممارسة للتفكير وصناعة الأفكار. وعليه، فقد كان من البدهي أن يجد الوزير نفسه في معركة حامية الوطيس مع شريحة هي الأكثر ثقافة وتعليما وبالتالي فهي شريحة تعرف كيف تدافع عن نفسها بالكلمة والمقالة والفكر. وهوالأمر الذي لا تجيده شرائح إجتماعية أخرى (...).
وفي اللغة والتعبيرات والمفردات المستخدمة في المعركة ضد الوزير، كان واضحا هيمنة الشخصي على الوطني والعام، وهيمنة ثقافة الشتيمة على ثقافة النقد. عندما تتوجه للوزير لتحاكم شخصه وتاريخه ونواياه، فانت تمارس الشتيمة وليس النقد. فالنقد يكون حين تمارس المحاكمة العقلية لما صدر عن الوزير من قرارات وإجراءات. النقد هو محاكمة لقرارات الوزير أما الشتيمة فهي التوجه لمهاجمة شخص الوزير. النقد ممارسة عقلية راقية جدا وحضارية جدا، أما الشتيمة فهي ممارسة غرائزية بامتياز.
وأما في التفاصيل الموضوعية التي تتعلق بمسار الأمور التي أفضت وأوصلت ‘إلى صياغة الكتاب المثير للجدل فان كثير منها قد بات جليا وواضحا، بعض منها نجده علنيا وقد تم نشره على صفحات المواقع الإخبارية، وبعض منه تحتفظ به بالتأكيد محاضر اجتماعات معالي الوزير، كما أن بعضه الآخر يرد في سرديات وتوضيحات معالي الوزير للمحيطين به.
تقول التفاصيل أن مجلس الوزراء والذي يعيش رئيسه وكل أعضائه تحت ظروف نفسية ضاغطة بسبب كثرة الأزمات وتتاليها، قد اجتهد واتخذ قرارا بجمع التبرعات من الفئات ذات الراتب الأعلى في الجهاز الحكومي. وتكشف التواريخ المتلاحقة، ان معالي الوزير لم يبن مباشرة كتاب خاص بوزارته على كتاب مجلس الوزراء، بل انتظر وآثر أن يعقد اجتماعا مع رؤساء الجامعات الحكومية للتداول وللتشاور في كيفية ترجمة قرار مجلس الوزراء ليصار لتنفيذه على نطاق الجامعات الحكومية، وهو الأمر الذي تم وحصل.
وبعد حصول الاجتماع كان قرار الوزير. ولكن المثير للاستغراب أن الكتاب الذي يشتمل على البند المثير للجدل والمتعلق بكتابة قوائم بمن يتبرع ومن لا يتبرع، لم يعمم على كل رؤساء الجامعات بل اقتصر على رئيس واحد، كما أن الكتاب تم تسريبه وبسرعة وعلى نطاق واسع وبما يشي بالكثير.
وفي التفاصيل والوقائع المؤكدة أن الكتاب كان ثمرة للنقاشات والمداولات التي جرت يوم الاجتماع وليس قرارا فرديا من الوزير، وهو ما يشي به ضمنا وصراحة كلام معالي الوزير. وعليه فان الكتاب هو نتاج نقاشات واقتراحات تقدم بها وشارك بها كل الحضور أي الوزير ورؤساء الجامعات. ما جرى بعد الاجتماع وصدور الكتاب أن كثيرا من رؤساء الجامعات قام بتسويق الأمر على أنه قرار للوزير، وان كل ما عليه هو تنفيذ قرار الوزير، متناسيا حقيقتين؛ أنه شارك في الاجتماع وهو بالتالي جزء من القرار ومشروعيته أقله بتوفيره النصاب الضروري كي يحقق الاجتماع مشروعيته وأهليته، وأنه لم يرفع صوته معارضا للصيغة المهينة المقترحة أثناء الاجتماع وفي وجه الحاضرين.
أجزم أن الأيام ستكشف أن الصيغة لم تكن من لدن معالي الوزير بل كانت من اقتراح بعض من شاركوا الاجتماع. كما إن الأيام القادمة ربما تكشف أن الوزير كان ضحية عدم ممارسة الديكتاتورية في إدارة الاجتماع أكثر منه جلادا بسبب استبداديته وربما غياب حزمه في إدارة الاجتماع.
في سايكولوجية كثير من البيروقراط الأردني وفي ثقافته، أن يتهرب من اتخاذ القرارات، وأن ترتجف يداه حين يطلب منه توقيع قرار، وأن يتلطى دائما ويختبأ وراء المسئول الأعلى منه في هرمية السلطة، ويذيل قراراته برغم هامش الحركة الكبير المتاح أمامه بعبارة؛ بالاستناد على كتاب معالي الوزير او بالإشارة إلى تعليمات معاليه..... ولسان حاله يقول: لست أنا من قرر والقرار ليس لي، وعليه، فان السهام ينبغي أن توجه لمعاليه. ولان كل مسئول يرفض أن يتحمل مسؤولية القرار فيحمله للمسئول الأعلى تولد الديكتاتورية وتختزل السلطة في رأس واحد عليه أن يتحمل مسؤولية كل سلوك وكل خطأ في طول البلاد وعرضها.
وفي ثقافة كثير من البيروقراط الأردني وفي سايكولوجيته أن يكون جزء من السلطة ومن المعارضة في الآن ذاته. فهو يستميت للجلوس على الكرسي ويشارك في الاجتماعات والقرارات وبدلا من أن يعلي صوته أثناء صياغة القرارات بالاحتجاج والتعديل والرفض إن لزم، فانه يسكت وربما يشارك في صناعة القرار داخل الغرف المغلقة ثم يخرج من قاعة الاجتماعات لينضم إلى صفوف المعارضة.
المنطق والقانون والأخلاق يقولون أنه لا يمكنك وكما يقول المثل الفرنسي أن تقبض الزبدة وثمن الزبدة في الوقت نفسه. فلا يمكنك أن تكون مشاركا في السلطة وغنائمها وفي المعارضة وفي غنائمها، فلا يمكنك أن تكون دائما في الغنم ودائما بعيدا عن الغرم. تتقاسم الغنائم ولكنك تهرب من الخسائر. المنطق والقانون يقولان أنه حينما تكون في السلطة فكل ما عليك ان تطرح وجهة نظرك وموقفك، ويمكنك ان تعارض وتحتج، وما ان يحظى القرار بالموافقة، فأمامك خياران؛ أما الاستقالة والتحول لصفوف المعارضة، وإما البقاء في السلطة. وحينها يكون مطلوب منك الدفاع عن القرار الذي تم اتخاذه لأنك كنت جزء من القرار ومن السلطة التي يناط بها اتخاذ القرار حتى وان كانت داخل المجلس معارضا للقرار.
في مشهدية المعركة ضد كتاب معالي الوزير كان هناك من مارس التضليل، وكان هناك من مارس الخديعة وربما المؤامرة، وكان هناك أيضا من نصب كمينا أو شارك في نصبه. وكان هناك من شتم لان شعاره هو "كرسي الوزير يعود لي وليس لشخص آخر غيري"، وكان هناك بالتأكيد من مارس هوايته في التلطي والاختباء والانسحاب تاركا الوزير وحده بتلقى كل السهام والطعنات.