هل يفعلها «الأخوان» لكي ينسجموا مع مطالبهم؟
حسين الرواشدة
جو 24 : ما الذي يمنع جماعة الاخوان المسلمين من ان تستفيد من تجربة الاسلاميين في المغرب - مثلا - حين فصلوا بين حركة التوحيد والاصلاح كجماعة وبين حزب التنمية والعدالة كذراع سياسي للحركة.
في التجربة المغربية اختارت الحركة ان تنشغل “بالدعوة” وكرّست جهودها لتسديد المجتمع بكافة طاقاته نحو “التدين” الصحيح، وفرضت على اعضائها ألا يتدخلوا في “القرار” السياسي وحتى خطباؤهم في المساجد حرموا من الانتساب “للحزب” فيما تفرغ حزب التنمية والعدالة للانشغال في الحياة السياسية وخوض الانتخابات ومداولة السلطة، وبذلك تم الفصل بين المجال الديني الذي اصبح مرتبطا بالحركة كمؤسسة دعوية وتثقيفية واجتماعية وبين المجال السياسي الذي حصر بالحزب ومنح ما يلزم من استقلالية لاتخاذ ما يراه من قرارات.
في مطلع التسعينيات كانت هذه الفكرة مطروحة على “الاخوان” في الاردن، وحظيت بقبول عام من قبل الكثيرين داخل الجماعة وخارجها، واستطاع المؤسسون لحزب “جبهة العمل الاسلامي” ان يستقطبوا عشرات الشخصيات الاسلامية والوطنية المستقلة، لكن سرعان ما اكتشف هؤلاء مع اول انتخابات جرت في الحزب بان الجماعة تريد ان تبسط “يدها” عليه بحيث يكون تابعا لها، فانفضوا من الحزب وتركوه.
الان، تغيرت الظروف واصبح من الضروري اعادة النقاش حول هذه المسألة، فالاخوان حين يطالبون الدولة - مثلا - بتغيير قواعد اللعبة السياسية، او حصر”الولاية العامة” في الحكومات فقط او عدم استخدام السياسة وتوظيفها في الشأن الديني، يفترض عليهم ان يبادروا بانفسهم الى تحقيق ذلك داخل بيتهم، كنوع من تقديم النموذج مثلا، او كمحاولة لاقناع الجمهور المتعاطف معهم، ناهيك عن خصومهم، بانهم “صناع اصلاح” وليس دعاة اصلاح فقط.
فصل الجماعة عن الحزب سيكون نافعا للحركة الاسلامية وهي تتقدم نحو البحث عن “الشراكة” في السلطة، فهي اولا تنسجم مع نفسها حين تدعو الى “تغيير قواعد العملية السياسية”، واذْ لا يمكن ان يظل القرار السياسي “معوما” داخل الحركة، مثله من القرار الدعوى والاجتماعي، والافضل ان تنأى “الجماعة” بنفسها عن “السياسة” وان تنزه نفسها عن الاشتباكات والصراعات لكي تبقى “محل” توافق وجذب للجمهور “المتدين” الذي يعتقد بان المرجعية الاسلامية هي مرجعيته الاساسية، وبان مهمة الجماعة، كجمعية خيرية اسلامية ودعوية، هي الدعوة الى الدين الصحيح وخدمة الناس في مجالات التنوير الفكري وتوجيههم لمقاصد الاسلام وتعاليمه وقيمه، وحتى لو اتخذ “الحزب” الذي يشكل ذراعا لها مقررات اضطرارية او اكراهية بفعل مستجدات سياسية فان بمقدورها ان ترفضها اذا اعتقدت بانها تتناقض مع “خياراتها” الدعوية والفكرية.
وهي - ثانيا - تنسجم مع نفسها حين تدعو الى حصر “الولاية” في جهة محددة هي الحكومة، ذلك ان حصر “الشأن” السياسي في الحزب فقط، هو التأكيد العملي لهذه الفكرة، بحيث يترك لهذا الحزب الذي يشكل “الغرفة” السياسية لها ما يلزمه من استقلالية لممارسته العمل السياسي والانفتاح على الاحزاب الاخرى والانخراط في الشأن العام وفقا لمتطلبات الواقع وضروراته، بعيدا عن الاختلافات الفقهية والفتاوى، وقريبا ايضا من “التصور الاسلامي” العام الحاكم لمقتضيات السياسية الشرعية والقيم الاسلامية العليا التي تحظى بالتوافق.
كما انها - ثالثا - تسحب “الحجة” من تحت بساط الذين اختطفوا الدين باسم السياسة، فهي في حال انفصالها عن الحزب، تقدم نموذجا حيا “لتنزيه” الدين من الانخراط في السياسة والعكس ايضا، بحيث تضمن وجود مسارات متوازية، لا متداخله، للمجالين الديني والسياسي بحيث لا يطغى احدهما على الاخر، والفصل هنا ليس فصلا شكليا او فنيا فقط، وانما فصل تخصصي، يترك المجال لكل طرف بان يمارس مهمته وواجبه دون اشتباك او سوء فهم.
حين سألت احد اخواننا في “المغرب” عن جدوى هذا الفصل واثره على تجربة الاسلاميية هناك، ذكر لي بان استطلاعات الرأي تؤكد ان الحركة ظلت محل “توافق” وتأييد نتيجة عدم انغماسها في الشأن السياسي، وبانها ساهمت ايضا في تصاعد شعبية الحزب الذي قد يضطر احيانا الى اتخاذ قرارات لا تعجب الجمهور، كما ان الحزب استفاد من ذلك نظرا لانفساح المجال امامه لاتخاذ ما يراه من قرارات ومعالجات بشكل مستقل وبعيد عن “حسابات” الحركة الدعوية وما قد يحدث داخلها من اختلافات واشتباكات.
اعتقد انه لو تحركت جماعة الاخوان في هذا الاتجاه منذ اكثر من عشرين عاما لكانت اوضاعها اليوم افضل مما هي عليه، لكن الفرصة لم تفت بعد، فامام خروج محاولات مثل “زمزم” كحركة تمكين اجتماعي يمكن ان تتطور الى حركة “سياسية” مما يشكل تحديا للجماعة والحزب معا، وامام تراجع “الدعوة” لمصلحة “السياسة” وصراعاتها، وامام ما يواجه الاخوان من “ازمات” وتحديات داخلية ومن خصومهم المتربصين بهم. لا بدّ ان يخرج اخواننا في الجماعة من “الصندوق” وان يبحثوا عن مبادرات وافكار جديدة تعيد الحيوية والعافية للجماعة وتحررها من “العواصف” التي تحيط بها، وتقدمها كحركة اسلامية جامعة للجمهور، ومنسجمة ايضا مع ما تطالب به الاخرين في مجال التغيير والاصلاح. (الدستور)
في التجربة المغربية اختارت الحركة ان تنشغل “بالدعوة” وكرّست جهودها لتسديد المجتمع بكافة طاقاته نحو “التدين” الصحيح، وفرضت على اعضائها ألا يتدخلوا في “القرار” السياسي وحتى خطباؤهم في المساجد حرموا من الانتساب “للحزب” فيما تفرغ حزب التنمية والعدالة للانشغال في الحياة السياسية وخوض الانتخابات ومداولة السلطة، وبذلك تم الفصل بين المجال الديني الذي اصبح مرتبطا بالحركة كمؤسسة دعوية وتثقيفية واجتماعية وبين المجال السياسي الذي حصر بالحزب ومنح ما يلزم من استقلالية لاتخاذ ما يراه من قرارات.
في مطلع التسعينيات كانت هذه الفكرة مطروحة على “الاخوان” في الاردن، وحظيت بقبول عام من قبل الكثيرين داخل الجماعة وخارجها، واستطاع المؤسسون لحزب “جبهة العمل الاسلامي” ان يستقطبوا عشرات الشخصيات الاسلامية والوطنية المستقلة، لكن سرعان ما اكتشف هؤلاء مع اول انتخابات جرت في الحزب بان الجماعة تريد ان تبسط “يدها” عليه بحيث يكون تابعا لها، فانفضوا من الحزب وتركوه.
الان، تغيرت الظروف واصبح من الضروري اعادة النقاش حول هذه المسألة، فالاخوان حين يطالبون الدولة - مثلا - بتغيير قواعد اللعبة السياسية، او حصر”الولاية العامة” في الحكومات فقط او عدم استخدام السياسة وتوظيفها في الشأن الديني، يفترض عليهم ان يبادروا بانفسهم الى تحقيق ذلك داخل بيتهم، كنوع من تقديم النموذج مثلا، او كمحاولة لاقناع الجمهور المتعاطف معهم، ناهيك عن خصومهم، بانهم “صناع اصلاح” وليس دعاة اصلاح فقط.
فصل الجماعة عن الحزب سيكون نافعا للحركة الاسلامية وهي تتقدم نحو البحث عن “الشراكة” في السلطة، فهي اولا تنسجم مع نفسها حين تدعو الى “تغيير قواعد العملية السياسية”، واذْ لا يمكن ان يظل القرار السياسي “معوما” داخل الحركة، مثله من القرار الدعوى والاجتماعي، والافضل ان تنأى “الجماعة” بنفسها عن “السياسة” وان تنزه نفسها عن الاشتباكات والصراعات لكي تبقى “محل” توافق وجذب للجمهور “المتدين” الذي يعتقد بان المرجعية الاسلامية هي مرجعيته الاساسية، وبان مهمة الجماعة، كجمعية خيرية اسلامية ودعوية، هي الدعوة الى الدين الصحيح وخدمة الناس في مجالات التنوير الفكري وتوجيههم لمقاصد الاسلام وتعاليمه وقيمه، وحتى لو اتخذ “الحزب” الذي يشكل ذراعا لها مقررات اضطرارية او اكراهية بفعل مستجدات سياسية فان بمقدورها ان ترفضها اذا اعتقدت بانها تتناقض مع “خياراتها” الدعوية والفكرية.
وهي - ثانيا - تنسجم مع نفسها حين تدعو الى حصر “الولاية” في جهة محددة هي الحكومة، ذلك ان حصر “الشأن” السياسي في الحزب فقط، هو التأكيد العملي لهذه الفكرة، بحيث يترك لهذا الحزب الذي يشكل “الغرفة” السياسية لها ما يلزمه من استقلالية لممارسته العمل السياسي والانفتاح على الاحزاب الاخرى والانخراط في الشأن العام وفقا لمتطلبات الواقع وضروراته، بعيدا عن الاختلافات الفقهية والفتاوى، وقريبا ايضا من “التصور الاسلامي” العام الحاكم لمقتضيات السياسية الشرعية والقيم الاسلامية العليا التي تحظى بالتوافق.
كما انها - ثالثا - تسحب “الحجة” من تحت بساط الذين اختطفوا الدين باسم السياسة، فهي في حال انفصالها عن الحزب، تقدم نموذجا حيا “لتنزيه” الدين من الانخراط في السياسة والعكس ايضا، بحيث تضمن وجود مسارات متوازية، لا متداخله، للمجالين الديني والسياسي بحيث لا يطغى احدهما على الاخر، والفصل هنا ليس فصلا شكليا او فنيا فقط، وانما فصل تخصصي، يترك المجال لكل طرف بان يمارس مهمته وواجبه دون اشتباك او سوء فهم.
حين سألت احد اخواننا في “المغرب” عن جدوى هذا الفصل واثره على تجربة الاسلاميية هناك، ذكر لي بان استطلاعات الرأي تؤكد ان الحركة ظلت محل “توافق” وتأييد نتيجة عدم انغماسها في الشأن السياسي، وبانها ساهمت ايضا في تصاعد شعبية الحزب الذي قد يضطر احيانا الى اتخاذ قرارات لا تعجب الجمهور، كما ان الحزب استفاد من ذلك نظرا لانفساح المجال امامه لاتخاذ ما يراه من قرارات ومعالجات بشكل مستقل وبعيد عن “حسابات” الحركة الدعوية وما قد يحدث داخلها من اختلافات واشتباكات.
اعتقد انه لو تحركت جماعة الاخوان في هذا الاتجاه منذ اكثر من عشرين عاما لكانت اوضاعها اليوم افضل مما هي عليه، لكن الفرصة لم تفت بعد، فامام خروج محاولات مثل “زمزم” كحركة تمكين اجتماعي يمكن ان تتطور الى حركة “سياسية” مما يشكل تحديا للجماعة والحزب معا، وامام تراجع “الدعوة” لمصلحة “السياسة” وصراعاتها، وامام ما يواجه الاخوان من “ازمات” وتحديات داخلية ومن خصومهم المتربصين بهم. لا بدّ ان يخرج اخواننا في الجماعة من “الصندوق” وان يبحثوا عن مبادرات وافكار جديدة تعيد الحيوية والعافية للجماعة وتحررها من “العواصف” التي تحيط بها، وتقدمها كحركة اسلامية جامعة للجمهور، ومنسجمة ايضا مع ما تطالب به الاخرين في مجال التغيير والاصلاح. (الدستور)