الملك ... نطق بلسان الشعب العربي
عمر الصمادي
جو 24 :
نجح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في إعادة تموضع لقواعد ومرتكزات اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط وتصحيح مسار عملية السلام اتجاه الوصول إلى حل عادل ومنصف لقضية العرب الأولى وهي القضية الفلسطينية ارتكازا على مبادئ اتفاقية السلام الدولية وبما ينسجم مع قناعات الشعوب العربية ومطالبها وفي مقدمتها الشعبين الأردني والفلسطيني اللذان دفعا ثمنا باهظا لإخفاقات ونكوص الأمة العربية والإسلامية ومواقفها الرسمية على مدى سنوات الاحتلال لأرض فلسطين المقدسة إسلاميا ومسيحيا وهاشميا.
وكان الملك قد أفصح في لقاء أجرته مع جلالته مجلة "دير شبيغل" الألمانية في معرض إجاباته على الأسئلة وقال :- ( إن ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية يضعها في صدام كبير مع الأردن، وأن الأردن يدرس جميع الخيارات) وقال ( لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات، لكننا ندرس جميع الخيارات( مبديا انزعاجه من زيارة وزير الخارجية الأميركي "مايك بومبيو" إلى إسرائيل، ولقائه مع قادتها وما تسرب من معلومات حول مناقشته لموضوع ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل (المزعومة)، سيما وان الاتفاق الموقع بين بنيامين نتنياهو وشريكه في الائتلاف الحكومي المرتقب "بيني غانتس" تضمن علنا البدء في طرح مشروع قانون لضم غور الأردن والمستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة مطلع تموز المقبل .
هذه التصريحات دعت الإدارة الأمريكية إلى إصدار بيان على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية "مورغان اورتاغوس" توضح فيه فحوى زيارة "بومبيو" إلى إسرائيل (المزعومة) ويبين أنها لم تكن لبحث مسألة الضم، وإن هذا القرار يعود لإسرائيل (المزعومة) وبأن الولايات المتحدة تطمح إلى بناء علاقات قوية بين الأردن وإسرائيل (المزعومة)، كما دعت هذه التصريحات موقع Axios الأميركي إلى وصف تصريحات الملك عبدالله الثاني بأنها ( الأقسى تجاه إسرائيل ).
يدرك الملك مكامن الخطورة في مضي إسرائيل (المزعومة) بتنفيذ قرار الضم وأبعاده الجيوغرافية والسياسية على المملكة والمنطقة برمتها والتي قد تتحول نتيجتها المملكة فعليا إلى وطن بديل بقرار أحادي ارعن اعتادت إسرائيل (المزعومة) نهجه من خلال فرض سياسة موازين القوة على الأرض والأمر الواقع وعدم الالتزام بالمواثيق الدولية وضربها بعرض الحائط.
في التصريح الملكي الذي لم تألفه السياسة العربية منذ سنوات وضع الملك عبدالله حسابات موازين القوى خلفه تماما عندما أطلق هذا والبيان الواضح استنادا على رؤية وقراءة لعناصر عديدة تتشكل منها معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وحيثيات أي تطورات على منظومة الأمن والاستقرار لدول المنطقة بما فيها إسرائيل (المزعومة) وهي بالتأكيد محط دراسة مركزة من الجانب الصهيوني بقيادة "نتيناهو" الأرعن وحزبه الحاكم إضافة إلى حسابات الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت على وضع المنطقة برمتها على صفيح ساخن كشفت خلاله عن أنيابها بوضوح لجميع الشركاء العرب وبكل صلف وتكبر إن لم يكن تنمر وأنها لن تتوانى عن مقايضة مواقفها حسبما تمليه مصلحة بني صهيون أولا.
وعودة إلى حديث الملك فلا شك انه لم يأتي وحيا هبط على فكره من السماء الأمر الذي أوجد حالة من الاستغراب والدهشة لدى بعض المراقبين السياسيين من حيث القوة والجرأة والتحدي وسط أوضاع عربية مزرية للغاية وواهنة وجعله يتصدر عناوين أهم الصحف ووسائل الإعلام العالمية وخاصة الأمريكية منها والتي توشحت بعنوان ( ملك الأردن يهدد إسرائيل ).
اعتقادي بان الأردن الذي ترك وحيدا يواجه مصيره في كثير من المحطات العسيرة عبر تاريخه تفوق على نفسه واثبت انه على قدر مواجهة التحديات كلاعب رئيسي محوري لا يمكن تجاوزه وأننا سنرى مكاسب الحديث الملكي تترجم سياسيا وعلى الأرض بفعالية وتعيد بناء خريطة الصراع سيما وان العدو الصهيوني كاد أن يقنع نفسه بان ظهر الأردن مكشوف وبان الدور الأردني انتهى بعد انفتاح إسرائيل (المزعومة) على أنظمة عربية عديدة مما يراه يضعف الجبهة الأردنية القادرة على الاصطفاف فورا خلف القرار السياسي والشعبي الأردني في أي وقت وبسرعة قياسية تقض مضجع إسرائيل (المزعومة) التي اعتبرها من منظور عسكري بسيط ( ولست بخبير عسكري ) ساقطة عسكريا لاعتبارات هامة جدا إضافة إلى تناسى حكام إسرائيل (المزعومة) أن اتفاقية السلام المشئومة منبوذة من الشعب العربي الواحد .
كلام الملك ينسف حالة التردي السياسي العربي من جذورها ويعيد إحياء أهم القضايا العربية والإسلامية والمسيحية وحتى من إتباع موسى سلام الله عليه وباعتبار فلسطين ارض الأنبياء والرسالات ويضع الدور الأردني الفلسطيني في موقعه ومكانه الصحيح كفرس الرهان الوحيد والممر الذي لن يتم التوصل إلى حل للقضية إلا من خلاله وان على إسرائيل (المزعومة) اليوم أن تصحوا من أحلام يقضتها .