jo24_banner
jo24_banner

يعجزون عن رؤية الثقوب التي أوهنت جسد كيانهم...قادة الاحتلال يطلقون تهديدات جوفاء بحق الأردن

د. عبدالحكيم الحسبان
جو 24 :
شكلت التصريحات غير المسبوقة وعالية النبرة الصادرة عن القيادة الأردنية خلال الأسبوع الماضي والتي تحذر فيها الكيان الاحتلالي من أي إجراءات توسعية جديدة تمس بالوضع القائم في الضفة الغربية المحتلة، ما يشبه الصدمة في كيان الاحتلال. وشهدت صحافة الاحتلال ووسائل أعلامه المختلفة ما يشبه الأداء الاوركسترلي المنظم شارك فيه محللون سياسيون وسياسيون سابقون وحاليون مارسوا خلالها حفلة من التهديدات الجوفاء ضد الأردن وخلصت هذه الاوركسترا "إلى أن قدرة الأردن على الرد هي معدومة، وأن لا أوراق يمكن للأردن وقيادته أن يلعبوها".

يراهن الإسرائيليون في تهديداتهم على ثمار سياسات يعتقدون أنهم راكموها عبر الضغوطات الاقتصادية والمائية والسياسية والإعلامية على الأردن، وبما يجعل الأردن الذي يعاني من أزمات حقيقية في الاقتصاد وفي السياسة لقمة سائغة لابتلاعه أرضا ووجودا وعرشا. وأجزم أن الضخ الإعلامي الملفت في الشكل والتوقيت والمصدر حول تهريب الثلاثة مليارات من مساعدات ما يسمى زورا وبهتانا صندوق النقد الدولي لم تكن إلا جزءأ من حملة الضغوط على الدولة في الأردن بهدف جرها إلى تقديم تلك التنازلات الكارثية على صعيد القضية الفلسطينية.

بداية، أجزم أن التهديدات الصهيونية لم تحرك شعرة واحدة في جسد أي أردني وطني وعاقل وملم بألف باء السياسة. بل أن التصريحات الصهيونية استفزت مشاعر الأردنيين وعادت لتذكر الأردنيين بعدوهم الوحيد في المنطقة، وبالخطر الوجودي الحقيقي الذي يتلاعب بشكل خفي باقتصادهم وقوت عيشهم، كما يتلاعب بصحتهم ومنظومتهم الأمنية، كما عادت التصريحات الصهيونية لتذكر الأردنيين بالخطر الوجودي على دولتهم ومملكتهم وعرشهم الذي يمثله وجود هذا الكيان القبيح. قلة فقط ممن ربطت مستقبلها الشخصي ومصالحها الذاتية المالية والسياسية مع هذا الكيان" تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد وتريد لنا أن نأخذها على محمل الجد.

يتصرف قادة "الكيان" الاحتلالي كما لو أن الزمن غير الزمن، وكما لو أن اللحظة هي واحدة من لحظات انتصار عسكري صهيوني مدو من تلك اللحظات التي عاشتها القيادات الصهيونية في العام 1948 وحيث الهزيمة المدوية لجيوش عربية عدة ينتج عنها إقامة الكيان، أو العام 1956 وحيث ينجح الاحتلال بالتواطؤ مع بريطانيا وفرنسا في احتلال كامل سيناء المصرية، أو العام 1967 وحيث ينجح "تساهال" في تدمير أربعة جيوش عربية، ولتحتل إسرائيل ما يصل إلى أربعة أضعاف حجمها خلال أيام أو ساعات، وبخسائر عسكرية تكاد لا تذكر.

الحقيقة الساطعة التي يعجز قادة الكيان على "إدراكها" أنه ومنذ العام 1967 غابت الانتصارات بالمعنى الاستراتيجي عن "عالم الكيان". ما يسجله هذا الكيان من نجاحات هنا أو هناك لا يمكن تسميتها إلا بنجاحات من النوع التكتيكي. فقصف مفاعل نووي في العراق أو مبنى في غزة، أو إطلاق مجموعة من الصواريخ على أهداف في سوريا، أو القيام بغارات على أهداف للحشد الشعبي العراقي هي كلها نجاحات تكتيكية لم يعد قادة الكيان قادرين على تحويلها إلى انتصارات إستراتيجية بحجم انتصاراتهم في الأعوام "المجيدة" المذكورة.

فمنذ العام 1968 بدأت الثقوب تنخر جسد هذا الكيان لتزيد كل يوم من عوامل وهنه وضعفه وهشاشته. ففي جسد الكيان يمكن رؤية ذلك الثقب الذي نتج عن انتقال معارك الكيان من خارجه إلى الداخل. في الحروب الثلاثة او الأربعة الأولى من عمر "الكيان"، تمكن "الكيان" من تطبيق مبدأ بن غوريون الذي يقضي بوجوب أن تكون حروب إسرائيل كلها داخل مدن الأعداء وأراضيهم، وان على سكان إسرائيل أن يواصلوا احتساء القهوة والنبيذ على شواطئ حيفا في الوقت الذي يبحث الأردنيون واللبنانيون والمصريون عن جثث أحبائهم وسط الركام الذي تحدثه غارات الطيران الصهيوني. منذ العام 2006 ومع تكنولوجيا الصواريخ التي باتت بحوزة قوى المقاومة بات الداخل الإسرائيلي هو مسرح الحرب. وتحول مبدأ بن غوريون إلى ثقب في جسد الكيان. تكنولوجيا الصواريخ جعلت من "الكيان" الذي يعتاش ويتغذى من المهاجرين، اقل جاذبية للمهاجرين اليهود. بل أن هجرة عكسية بدأت تحدث.

ثمة ثقب آخر يراه كل ذي لب في جسد هذا الكيان ويتعلق بانقلاب المشهد على صعيد المدى الاستراتيجي الذي كان يمكن "للكيان" أن يتحرك ضمنه. ذات يوم كان "الكيان" يرى في المنطقة الممتدة من المغرب غربا وحتى باكستان شرقا منطقة نفوذ استراتيجي حصري "للكيان". وكان يحلو لارييل شارون أن يضع الخريطة أمامه محركا أصابعه على كامل المنطقة باعتبارها منطقة نفوذ حصري "للكيان" وحيث حلف الناتو الحليف المقرب للكيان ممنوع عليه أن يقترب من المنطقة باعتبارها منطقة نفوذ حصري للكيان. في انقلاب المشهد ونخر الثقوب لجسد الكيان، يبدو جليا الاستجداء الإسرائيلي لأصغر الدول في حلف الناتو للمساعدة في حماية الكيان، وبات الناتو مرحبا به في العراق وأفغانستان وسوريا فقط بعد هزيمة العام 2006 ليحمي الكيان من الترسانة الصاروخية الإيرانية شرقا.

وفي الثقوب التي باتت تنخر الجسد الصهيوني المنهك ينبغي التوقف كثيرا عند الفشل المدوي لجيش "الكيان" في لبنان وفي غزة وفي سوريا. فلبنان الذي تندر قادة الكيان ذات يوم بان احتلاله لا يقتضي إرسال فرقة عسكرية صهيونية، بل يحتاج فقط إلى إرسال الفرقة الموسيقية للجيش الصهيوني بات يسجل الثقب الأكبر في جسد هذا الكيان وفي ذاكرته الجمعية. ذهب الصهاينة إلى لبنان في العام 1982 بقيادة الجنرال الشهير أرييل شارون تحت يافطة حماية الكيان من صواريخ منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تصل كحد أقصى إلى 40 كم. تمكنت قوات الجنرال شارون من الوصول سريعا حتى بيروت لتنصب رئيسا للبنان سبق لشارون وتشارك معه تذوق طبق الحمص الشهير المفضل.

نجح الصهاينة في إخراج قوات منظمة التحرير من جنوب لبنان واعتقدوا لوهلة ان خطر الصواريخ انزاح عن مستوطناتهم عير أن الثقب أصاب جسد الكيان حينما تحول النجاح التكتيكي إلى هزيمة إستراتيجية مدوية. فقد تخلصت إسرائيل من كاتيوشا المقاومة الفلسطينية لتحل محلها مقاومة لبنانية باتت تملك ترسانة صاروخية تزيد عن المئة ألف صاروخ قادرة على الوصول الى كل مبنى وكل شارع وكل مصنع في الكيان. وزاد حجم الثقب في جسد هذا الكيان مع تلك المقاومة الباسلة التي خاضها أهالي غزة التي كانت عصية على الجنرال شارون رغم كل جنونه. صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة باتت تكمل القوس حول مدن الكيان ومستوطناته.
في موضوعة "عدم امتلاك الأردن لأية أوراق يلعبها في مواجهة الكيان" لا بد من تذكير "الكيان" قادة ونخبا بان 75 كم من الأراضي اللبنانية الحدودية باتت تستدعي من الكيان مناورات كل شهر لأفضل عناصر النخبة فيها، كما باتت تستدعي من الكيان جهدا استخباراتيا استثنائيا لاحتواء الخطر الذي تمثله مقاومة لبنانية تتركز في معظمها في جنوب لبنان وحيث المجموعة السكانية الرئيسة التي تشكل حاضنة للمقاومة لا يزيد عددها عن المليون ونصف المليون، فكيف سيكون الحال لو قرر الأردنيون مثلا استخدام ورقة ال"جغرافيا القاتلة" أي ال 500 كم من الحدود مع حزامهم التلمودي، وأكثر من 600 كم من الحدود مع الحزام النفطي الرديف لحزامهم التلمودي؟

وإضافة لورقة الجغرافيا التي يملكها الأردن، فماذا لو قرر الأردن استخدام ورقة ال"ديموغرافيا القاتلة" اي تلك الملايين ممن شردهم كيان الاحتلال ليعيشوا في المخيمات والعشوائيات وأحزمة الفقر في الأردن وما زال معظمهم يحتفظون بنسخ من مفاتيح بيوتهم في حيفا وعكا واللد وطبريا؟ ربما يكفي ثلاث سنوات من الحقن الإيديولوجي الاعلامي والمدرسي لتحويل هذه الجيوش من حملة "مفاتيح العودة" إلى قنبلة نووية في وجه هذا الكيان.

ولا بأس من تذكير قادة "الكيان" أنهم سبق وجربوا شعب الأردن وجيشه في الميدان في معركة الكرامة في العام 1968 اي بعد أقل من سنة واحدة على انتصار كيانهم المؤزر في حرب الأيام الستة وفي خضم الشعور العربي بالهزيمة. فنتيجة معركة الكرامة كانت إنكسارا مدويا ل"تساهال" أمام مقاتلي الجيش العربي. ولا بأس من تذكير الإسرائيليين أيضا أن الجيش الأردني في العام 2020 هو غير ذلك الجيش في العام 1968 وحيث بات عدد حاملي الشهادات الجامعية في الجيش يفوق ربما كل عديد الجيش العربي إبان نصر الكرامة.

ولعل الثقب الأكبر الذي يراه الأردنيون ويجعلهم مطمئنين إلى هشاشة هذا الكيان هو أن التهديدات الصادرة بحق الأردن لم تعد تصدر عن زعامات صهيونية ذات قاعدة جماهيرية واسعة وصلبة داخل الكيان، بل باتت تصدر عن أنصاف أو أرباع قيادات وبما يكشف حجم الانقسام الأفقي والعمودي داخل جسد هذا الكيان الذي بات يعجز عن إفراز قيادات عابرة للطبقات والاثنيات والثقافات الفرعية داخل "الكيان"، إلى الحد الذي استلزم إجراء الانتخابات في "الكيان" لثلاث مرات خلال عام واحد دون أن تتمكن أي شخصية في هذا "الكيان" من تكوين قيادة أو زعامة من نمط الزعامات التاريخية التي عرفها هذا "الكيان".

 
تابعو الأردن 24 على google news