jo24_banner
jo24_banner

بشر يتفرجون على مصائرهم!

خيري منصور
جو 24 : مرّ العالم العربي خلال فترات الانحطاط والتردي بأسوأ مما يحدث الان، احتلالا واحترابا اهليا وصراع طوائف ومذاهب، لكن الجديد بل الطارئ على هذا العالم العربي هو اللامبالاة والعدمية الفكرية والسياسية، فهو مستغرق في شجون صغرى، وتضخمت فيه الانانية الفردية الى الحدّ الذي حول ملايين البشر الى مجرد متفرجين على مصائرهم تحت المطرقة، وعلينا لكي نقرأ هذا الواقع ان نتخطى القشرة الملونة الهشة التي تغطيه، وتحجب ما يهجع تحتها من عطن واستنقاع.

وعلينا ايضا ان ننصرف عن الكلام والثرثرة التي يفرزها فائض الفراغ والبطالة والضجر، لانه مجرد كلام ممنوع من اي صرف، ويصبح احيانا بديلا لطاولة الزهر او لعبة الورق ولم يحدث هذا كله دفعة واحدة، بل مهدت له عقود وربما قرون من العسف والتشكيك بالهوية وجدوى الانتماء كان العربي خلالها اشبه ببصلة يتم قشرها طبقة بعد اخرى، ليجد نفسه في ذروة الاغتراب حتى وهو في عقر داره.

الجديد الان ليس حرب الاخوة الاعداء فتاريخنا يعج بهذا النمط الانتحاري من الحروب البينية بدءا من القبائل حتى اشباه الدول مرورا بالطوائف، حتى الاستقواء على ذوي القربي له جذور ضاربة في الذاكرة ولدينا امثلة لا تحصى في هذا السياق، لكننا نحب ان نقرأ الماضي كما نشتهي ان يكون وليس كما كان، لهذا نادرا ما نعترف بان براقش جنت على نفسها وابنائها واحفاد احفادها.

ان ثقافة المباريات واعلام الدسائس الذي تتلمذ على الحطيئة وشعراء المديح المدفوع الاجر والهجاء المعروض للتأجير هي التي تحكم في عقل سياسي لم يعرف غير الثنائيات، بحيث تحذف المسافة الرمادية او البعد الثالث من اية معادلة سياسية.

والحصاد الاول للتجارب في ديمقراطية عوراء هو هذا الدم بمختلف فصائله وكأن الديمقراطية هي حق للفرد في ان يقتل ويدمر ويسطو، تماما كما هي الحرية اطلاق لقوة الغرائز اما الشفافية فقد ترجمت من خلال هذه الثقافة الى نميمة فقط.

ما من مشهد عنيف او يبدو شاذا الان في العالم العربي الا وسبقته مشاهد انكى منه واشد فظاظة وغلظة، ولم ينج منها الجاهلي والاموي والعباسي والفاطمي، واخيرا هذا المعاصر الذي فهم الحداثة على انها حراثة في الماء او حفلة تنكرية يستطيع خلالها ان يتيح لكل مكبوتاته المزمنة ان تندلع.

الكارثة ليست كل ما يحدث بل هي اسلوب التعامل معه، فالشعوب التي يصل اغترابها عن نفسها الى الحد الذي تتحول معه الى متفرجة على مصيرها قد لا تجد لها متسعا في التاريخ والجغرافيا معا. (الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير