بشر يتفرجون على مصائرهم!
خيري منصور
وعلينا ايضا ان ننصرف عن الكلام والثرثرة التي يفرزها فائض الفراغ والبطالة والضجر، لانه مجرد كلام ممنوع من اي صرف، ويصبح احيانا بديلا لطاولة الزهر او لعبة الورق ولم يحدث هذا كله دفعة واحدة، بل مهدت له عقود وربما قرون من العسف والتشكيك بالهوية وجدوى الانتماء كان العربي خلالها اشبه ببصلة يتم قشرها طبقة بعد اخرى، ليجد نفسه في ذروة الاغتراب حتى وهو في عقر داره.
الجديد الان ليس حرب الاخوة الاعداء فتاريخنا يعج بهذا النمط الانتحاري من الحروب البينية بدءا من القبائل حتى اشباه الدول مرورا بالطوائف، حتى الاستقواء على ذوي القربي له جذور ضاربة في الذاكرة ولدينا امثلة لا تحصى في هذا السياق، لكننا نحب ان نقرأ الماضي كما نشتهي ان يكون وليس كما كان، لهذا نادرا ما نعترف بان براقش جنت على نفسها وابنائها واحفاد احفادها.
ان ثقافة المباريات واعلام الدسائس الذي تتلمذ على الحطيئة وشعراء المديح المدفوع الاجر والهجاء المعروض للتأجير هي التي تحكم في عقل سياسي لم يعرف غير الثنائيات، بحيث تحذف المسافة الرمادية او البعد الثالث من اية معادلة سياسية.
والحصاد الاول للتجارب في ديمقراطية عوراء هو هذا الدم بمختلف فصائله وكأن الديمقراطية هي حق للفرد في ان يقتل ويدمر ويسطو، تماما كما هي الحرية اطلاق لقوة الغرائز اما الشفافية فقد ترجمت من خلال هذه الثقافة الى نميمة فقط.
ما من مشهد عنيف او يبدو شاذا الان في العالم العربي الا وسبقته مشاهد انكى منه واشد فظاظة وغلظة، ولم ينج منها الجاهلي والاموي والعباسي والفاطمي، واخيرا هذا المعاصر الذي فهم الحداثة على انها حراثة في الماء او حفلة تنكرية يستطيع خلالها ان يتيح لكل مكبوتاته المزمنة ان تندلع.
الكارثة ليست كل ما يحدث بل هي اسلوب التعامل معه، فالشعوب التي يصل اغترابها عن نفسها الى الحد الذي تتحول معه الى متفرجة على مصيرها قد لا تجد لها متسعا في التاريخ والجغرافيا معا. (الدستور)