jo24_banner
jo24_banner

مفاجآت الشيخ مورو في عمان

حسين الرواشدة
جو 24 : كيف كانت تجربة الاسلاميين في الحكم حتى الان؟ افضل اجابة يمكن ان اقدمها للقارئ العزيز جاءت من قبل رجل من داخل احدى الحركات الاسلامية التي انتقلت الى السلطة قبل نحو عام ونصف، وهو الزعيم الروحي “لحركة النهضة التونسية” الشيخ عبدالفتاح مورو، واكاد اقول بان هذا الاسلامي المستنير فجر في محاضرته امس الاول التي نظمتها رابطة كتاب التجديد في المنتدى العالمي للوسطية “مفاجآت” بالنسبة للحاضرين على الاقل كنت اتمنى ان تتردد اصداؤها داخل الدولة اولا، والحركة الاسلامية ثانيا، نظرا لانها تفتح امامهما”ابوابا” لمعرفة تفاصيل الخارطة السياسية للثورات العربية، ولطبيعة تصور الاسلاميين للسلطة والحكم، والتحديات التي تواجههم والاخطاء التي وقعوا فيها، والاهم من ذلك انها ترشد الطرفين الى “الطريق” الصحيح للتفكير والتوافق وادارة ما بينهما من اختلافات وصراعات.

لا استطيع ان ادخل في تفاصيل ما ذكره الشيخ مورو على مدى اكثر من ساعة، ولكنني استأذن في الاشارة بخطوط عريضة للمضامين التي تناولها، مع رجاء ان تحظى باهتمام من يعينهم الامر وخاصة في”مشرقنا” العربي الذي يبدو انه لم يالف مثل هذا الخطاب “الاسلامي” الناقد لكثير من المسلمات التي تعلمناها.

يقول مورو: الاسلاميون وصلوا الى السلطة لكنهم لا يحكمون، فهم مجرد “موظفين” يديرون الشأن العام ويمارسون العمل اليومي في متابعة قضايا الناس، ورأس السلطة ليس اكثر من “صورة” لان الدولة بعد الثورات تفككت والمؤسسات انهارت، وكل طرف يريد ان يكون “مستقلا” ولا يوجد هنالك مرجعيات يمكن الاحتكام اليها.

يقول ايضا: مفهوم الدولة - كما يراه الاسلاميون سابقا - انتهى مفعوله، فالدولة اليوم ليست ايدولوجية وانما دولة “وطنية” يمكلكها كل من يقيم عليها، وبالتالي لا يمكن تكرار نموذج الخلافة او امارة المؤمنين، ولا يمكن “قولبة” المجتمع ليكون اسلاميا بالقهر.

ويضيف: لقد تصور الاسلاميون بان اقامة “الدين” لا يتحقق الا بوجود الدولة، ووصولهم الى السلطة، وهذا خطأ كبير، اذْ لان اقامة الاسلام اساسها المجتمع، وحين نتأكد من ان الناس اقتنعوا بقيم الاسلام واصبحت حياتهم العامة قائمة على هذه القيم فاننا سنضمن بعدها ان يدافع المجتمع عن نفسه وألا يسمح لاحد من المقيمين فيه ان يعتدي على هذه القيم، فالاسلام ليس فيه اكراه، كما انه ليس صحيحا بان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

يقول مورو: الثورات التي حدثت في بعض البلدان ليست ثورات كاملة، وانما مجرد “فورات” سقط فيها رأس النظام، اما النظام فما زال قائما وفاعلا، وبالتالي فان الحكم على نجاح هذه الثورات سابق لاوانه.

يضيف مورو: بان الثورات فككت الدولة وعطلت المؤسسات وانتجت واقعا جديدا، لكنه يعاني من الاضطراب والارتباك، كما افرزت طبقة من “السياسيين الجدد” وهؤلاء مهنيون في الغالب لكن تجربتهم السياسية متواضعة، وبالتالي فان “المرحلة الانتقالية” ستدفع الناس الى الاحباط ما لم تنتبه السلطة الى تقديم انجازات ترضيهم.

يقول مورو: المكسب الاهم الذي حققته الثورات للاسلاميين هو “الحرية” وهي افضل لهم من “الحكم” والوصول للسلطة، ويتساءل: ألم يردد الاسلاميون في زمن “الاستبداد والقهر”: خلّوا بيننا وبين الناس؟ هذا هو امتحانهم الحقيقي الان وبامكانهم ان ينجزوا خارج اسوار الحكم افضل مما يمكن ان يكسبوه وهم داخله.

يحذر الشيخ مورو هنا الاسلاميين من ان يتمسكوا بالحكم باي ثمن، سواء بالدكتاتورية والاقصاء او “بتصميم” قوانين تناسبهم، ويطمئنهم بان فشلهم في تجربة الحكم لن تكون “نهاية المطاف” واذا كانوا يؤمنون بالديمقراطية فان حكم الناس على تجربتهم هو الاساس.. وبالمناسبة يقول بان الديمقراطية بالياتها الحالية ليست الوصفة الوحيدة والفريدة للحكم في بلداننا، وانما تحتاج الى “ديمقراطية” توافقية تضمن مشاركة الاقليات والقوى السياسية الصغيرة في اتخاذ القرار.

يتابع الشيخ مفاجآته ويقول بانه يخشى من ان يتحول الاسلاميون الذين يشعرون “بالمظلومية” الى ظالمين، وان يفعلوا ما بوسعهم للبقاء في السلطة خوفا من العودة الى “السجون” مرة اخرى.. ثم ينبه الى ان هذا الاحساس الذي قد يشعر به بعض الاسلاميين نتيجة افكار “الحاكمية” وتجربة “القمع والسجن” سيكون مدمرا للجميع.

يضع موروا ايضا تصوره للمجتمع المقبول “اسلاميا” فيقول: لا يمكن ان نضع “المجتمع الاسلامي” في الدولة الوطنية اليوم بسيف السطة وانما نحتاج الى “احترام قيم الهوية الجمعية” التي هي حصيلة نضال الاجداد والاباء، وهذه القيم لا يجوز لاحد ان يتجاوزها، لكن حين يحصل هذا التجاوز فالقانون هو الحل.. اما “اجبار” الناس على الامتثال فيما يتعدى ذلك من تقاليد فهو مرفوض.. اذْ لا اكراه في الدين ولا في الدنيا ايضا..

في اخر محاضرته يقول الشيخ بان “الاجنبي” ما زال يتحكم بنا ويقرر بالنيابة عنا ويسيطر على مجتمعاتنا، واذْ كان عصر الاستعمار بمعناه السابق انتهى فان استعمار اليوم تتولاه مراكز البحوث والشركات والبنوك الدولية والموضات من خلال سطوة الاعلام وسطوة النموذج ايضا.

لا ادري اذا كان اخواننا “الاسلاميون” يوافقون الشيخ على هذه التصورات وعلى هذا التشخيص، لكن افضل ما فعله مورو هو انه ترك لنا حرية تقييم التجربة، وللايام القادمة مسألة الحكم عليها، وحسبنا ان ننتظر. (الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير