ماذا حدث للمصريين، ولنا أيضاً ؟
حسين الرواشدة
جو 24 : من المنتظر ان يخرج ملايين المصريين غداً للمطالبة برحيل الرئيس مرسي، فلماذا حدث ذلك، وما هي السيناريوهات المتوقعة، هل نحن أمام ثورة جديدة، أم انها مجرد “اصداء” لحالة ثورية ستتلاشى تدريجياً، ومن يتحمل مسؤولية هذا الانقسام: النظام ومعه جماعة الاخوان أم “القوى” المعارضة من اليساريين والقوميين أم أن ثمة أيادٍ خارجية تعبث “بأوراق” مصر الحيوية؟
حين تدقق في هذه الاسئلة، تكتشف أولاً ان ما جرى في مصر - وربما غيرها من بلدان الربيع العربي - كان “حركة تغيير” لا ثورة، بالمعنى الصحيح، حيث ان ما سقط هو رأس النظام السابق وحتى لو تغيرت بعض الوجوه فان “ماكينة” الحكم استمرت في الدوران بالطريقة ذاتها، وبالتالي فان الاسلاميين وصلوا الى السلطة بالطريقة ذاتها، وبالتالي فان الاسلاميين وصلوا الى السلطة لكنهم افتقدوا القدرة على “الحكم” ولو كان ما حدث ثورة لأصبح بيد النظام الجديد كل ما يلزم من “الادوات” والمؤسسات لممارسة الحكم وبسط السلطة، لا بالقهر وانما من خلال “قوة الثورة” المعنوية التي انتجها المجتمع واصبح هو الكفيل بالدفاع عنها.
ستكتشف ايضا بأن المجتمع المصري - ومثله مجتمعاتنا العربية - لم يكن جاهزاً للبناء بعد الهدم، فالتغيير الذي حصل كان مفاجئاً، ولم تسبقه حركة “تنوير” للمجتمع، والديمقراطية التي احتكم اليها الفرقاء السياسيون لم “تستوف” شروطها الاجتماعية لتفرز الافضل، وباستثناء “الدين” الذي كان “الباعث الاول لاستقطاب أصوات الناس، لم يكن امام الناس هناك اية معايير للاختيار، وبعد سنة واحدة اكتشف بعض المصريين ان “الديني” يختلف عن “السياسي” وان المواصفات الدينية من طهارة ونظافة وزهد لا تكفي لادارة الدولة، فكيف اذا “استحوذ” اصحابها على هذه المهمة ولم يتوافقوا مع غيرهم لانجازها.
ستكتشف ايضاً بأن “تشوق” الناس للحكم بالاسلام استند الى “فهم” تاريخي لهذا الحكم، فقد ظلت ذاكرة هؤلاء الذين ينتسبون - في معظمهم - للاسلام معلقة بصورة “الخلافة” والخلفاء الراشدين، وقد ساهم “الخطاب الديني” في اثارة مشاعرهم “لتقمص” هذه الصورة، لكنهم حين عايشوا التجربة ووجدوا انها مختلفة عما ساد في اذهانهم، أعادوا التفكير في اتجاهاتهم، وهنا كان يمكن للاسلاميين ان يكونوا اكثر واقعية في تصدير مفهوم “الحاكمية” إذ ان الدولة العربية المسلمة المعاصرة ليست أبدا “دولة الخلافة” كما ان المجتمعات المسلمة اليوم ليست مجتمع مكة أو عمر بن عبدالعزيز.. زد على ذلك ان “التدين” الذي كان صحيحاً ومنتجاً آنذاك يختلف عن “التدين” الراهن الذي تحول الى طقوس للاستهلاك في أغلب الاحيان.
حين ندقق في السيناريوهات السياسية المتوقعة، ستجد أن أمام “المصريين” اربعة خيارات: أولها ارغام مرسي على التنحي كما حصل مع مبارك، وثانيها الدخول في دوامة من العنف المتبادل الذي قد يستمر طويلاً نظراً لحالة “الانقسام” التي اصبحت غير قابلة “للتنازل” أو التفاهم على الحد الادنى من المشتركات، وثالثها اقحام الجيش في المشهد، سواء على شكل “انقلاب” ناعم أو انقلاب خشن، أما الخيار الرابع فهو فشل المعارضة “تمرد” في حشد الملايين، وبالتالي استمرار الصراع السياسي كما كان طيلة العام الماضي وبقاء النظام كما هو حتى الانتخابات التشريعية.
اذا تجاوزنا الاخطاء التي وقع فيها الرئيس والاخوان ايضاً، وهي متوقعة في ظل “تواضع” التجربة، وعمق الازمات والتركة الثقيلة التي ورثوها، وسطوة فكرة “التنظيم” والجماعة على فكرة “الدولة” والجماعة الوطنية..الخ، فان “الانتهازية” التي مارستها القوى المعارضة لم تكن “سياسية” فقط، ولم تكن ايضا تراعي تقاليد الخصومة وأخلاقيات العمل السياسي، وانما كانت “انتهازية ايديولوجية”، بمعنى انها ضد “الحكم” تحت لافتة “الاسلام” بغض النظر عمن يجلس في الرئاسة أو في الحكومة، وبغض النظر عن انجازاته أو اخطائه، هي ضد “الدين” أساساً، وبالتالي فانها لا تريد لأصحابه ان يمارسوا السياسة، ولا تفكر “بالتوافق” معهم أو المشاركة في الحكم الى جوارهم.. وقد انحاز اليها الآخر الأجنبي الذي يقاسمها هذا الفهم ويستشعر معها بذات الخطر.
هنا “جوهر” المشكلة، سواء في مصر أو في غيرها من البلدان العربية، فالصارع هو صراع علماء “الدين” لا على “السياسة” ضد “الاسلام” حين يحكم لا ضد الاسلام حين “يعتزل” في المسجد، ومن الأسف أن هذا الصراع قد أخذ اشكالاً اخرى على تخوم الدين نفسه، حيث انقسم “اصحاب المسجد” الواحد فيما بينهم، فيما تحولت “المذاهب” الى جهاد الحروب والصراعات داخل الدولة الواحدة وخارجها ايضاً.
هل “الدين” هو المشكلة؟ كلا بالطبع، لكن فهم الناس وممارساتهم، سواء أكانوا داخله أو من خصومه - وهو الذي دفع به الى واجهة “الصراع”، كما دفع “بالمتشوقين” ليروه “حاكماً” على حياتهم العامة الى “الخوف” عليه من سوء الممارسة، أو - ربما - الدعوة الى “تحييده” عن الحكم ولو خلال المراحل الانتقالية التي تمر بها المجتمعات، كما هو حاصل الآن.
ربما تكون “جولة” الصراع غداً في مصر، لها اهميتها المعتبرة، سواء بالاستناد الى مكانة مصر ودورها في عالمنا العربي، أو بمدى تأثير تجربة “الحكم” الجديدة فيها على محيطها، أو للظروف المعقدة التي تحيط “بالتغيير” الذي جرى واصدائه على “حزام” الصراع بين الشرق والغرب.. فما يجري في مصر - تحديداً - (دعك من سوريا) هو صراع “مشروعات” سياسية واستراتيجية تتجاوز هذه الدول الى العالم الجديد الذي لا يبدو انه سيكون سعيداً اذا ما خرج العرب والمسلمون من “التاريخ” نحو المستقبل بمشروع حضاري يليق بهم. (الدستور)
حين تدقق في هذه الاسئلة، تكتشف أولاً ان ما جرى في مصر - وربما غيرها من بلدان الربيع العربي - كان “حركة تغيير” لا ثورة، بالمعنى الصحيح، حيث ان ما سقط هو رأس النظام السابق وحتى لو تغيرت بعض الوجوه فان “ماكينة” الحكم استمرت في الدوران بالطريقة ذاتها، وبالتالي فان الاسلاميين وصلوا الى السلطة بالطريقة ذاتها، وبالتالي فان الاسلاميين وصلوا الى السلطة لكنهم افتقدوا القدرة على “الحكم” ولو كان ما حدث ثورة لأصبح بيد النظام الجديد كل ما يلزم من “الادوات” والمؤسسات لممارسة الحكم وبسط السلطة، لا بالقهر وانما من خلال “قوة الثورة” المعنوية التي انتجها المجتمع واصبح هو الكفيل بالدفاع عنها.
ستكتشف ايضا بأن المجتمع المصري - ومثله مجتمعاتنا العربية - لم يكن جاهزاً للبناء بعد الهدم، فالتغيير الذي حصل كان مفاجئاً، ولم تسبقه حركة “تنوير” للمجتمع، والديمقراطية التي احتكم اليها الفرقاء السياسيون لم “تستوف” شروطها الاجتماعية لتفرز الافضل، وباستثناء “الدين” الذي كان “الباعث الاول لاستقطاب أصوات الناس، لم يكن امام الناس هناك اية معايير للاختيار، وبعد سنة واحدة اكتشف بعض المصريين ان “الديني” يختلف عن “السياسي” وان المواصفات الدينية من طهارة ونظافة وزهد لا تكفي لادارة الدولة، فكيف اذا “استحوذ” اصحابها على هذه المهمة ولم يتوافقوا مع غيرهم لانجازها.
ستكتشف ايضاً بأن “تشوق” الناس للحكم بالاسلام استند الى “فهم” تاريخي لهذا الحكم، فقد ظلت ذاكرة هؤلاء الذين ينتسبون - في معظمهم - للاسلام معلقة بصورة “الخلافة” والخلفاء الراشدين، وقد ساهم “الخطاب الديني” في اثارة مشاعرهم “لتقمص” هذه الصورة، لكنهم حين عايشوا التجربة ووجدوا انها مختلفة عما ساد في اذهانهم، أعادوا التفكير في اتجاهاتهم، وهنا كان يمكن للاسلاميين ان يكونوا اكثر واقعية في تصدير مفهوم “الحاكمية” إذ ان الدولة العربية المسلمة المعاصرة ليست أبدا “دولة الخلافة” كما ان المجتمعات المسلمة اليوم ليست مجتمع مكة أو عمر بن عبدالعزيز.. زد على ذلك ان “التدين” الذي كان صحيحاً ومنتجاً آنذاك يختلف عن “التدين” الراهن الذي تحول الى طقوس للاستهلاك في أغلب الاحيان.
حين ندقق في السيناريوهات السياسية المتوقعة، ستجد أن أمام “المصريين” اربعة خيارات: أولها ارغام مرسي على التنحي كما حصل مع مبارك، وثانيها الدخول في دوامة من العنف المتبادل الذي قد يستمر طويلاً نظراً لحالة “الانقسام” التي اصبحت غير قابلة “للتنازل” أو التفاهم على الحد الادنى من المشتركات، وثالثها اقحام الجيش في المشهد، سواء على شكل “انقلاب” ناعم أو انقلاب خشن، أما الخيار الرابع فهو فشل المعارضة “تمرد” في حشد الملايين، وبالتالي استمرار الصراع السياسي كما كان طيلة العام الماضي وبقاء النظام كما هو حتى الانتخابات التشريعية.
اذا تجاوزنا الاخطاء التي وقع فيها الرئيس والاخوان ايضاً، وهي متوقعة في ظل “تواضع” التجربة، وعمق الازمات والتركة الثقيلة التي ورثوها، وسطوة فكرة “التنظيم” والجماعة على فكرة “الدولة” والجماعة الوطنية..الخ، فان “الانتهازية” التي مارستها القوى المعارضة لم تكن “سياسية” فقط، ولم تكن ايضا تراعي تقاليد الخصومة وأخلاقيات العمل السياسي، وانما كانت “انتهازية ايديولوجية”، بمعنى انها ضد “الحكم” تحت لافتة “الاسلام” بغض النظر عمن يجلس في الرئاسة أو في الحكومة، وبغض النظر عن انجازاته أو اخطائه، هي ضد “الدين” أساساً، وبالتالي فانها لا تريد لأصحابه ان يمارسوا السياسة، ولا تفكر “بالتوافق” معهم أو المشاركة في الحكم الى جوارهم.. وقد انحاز اليها الآخر الأجنبي الذي يقاسمها هذا الفهم ويستشعر معها بذات الخطر.
هنا “جوهر” المشكلة، سواء في مصر أو في غيرها من البلدان العربية، فالصارع هو صراع علماء “الدين” لا على “السياسة” ضد “الاسلام” حين يحكم لا ضد الاسلام حين “يعتزل” في المسجد، ومن الأسف أن هذا الصراع قد أخذ اشكالاً اخرى على تخوم الدين نفسه، حيث انقسم “اصحاب المسجد” الواحد فيما بينهم، فيما تحولت “المذاهب” الى جهاد الحروب والصراعات داخل الدولة الواحدة وخارجها ايضاً.
هل “الدين” هو المشكلة؟ كلا بالطبع، لكن فهم الناس وممارساتهم، سواء أكانوا داخله أو من خصومه - وهو الذي دفع به الى واجهة “الصراع”، كما دفع “بالمتشوقين” ليروه “حاكماً” على حياتهم العامة الى “الخوف” عليه من سوء الممارسة، أو - ربما - الدعوة الى “تحييده” عن الحكم ولو خلال المراحل الانتقالية التي تمر بها المجتمعات، كما هو حاصل الآن.
ربما تكون “جولة” الصراع غداً في مصر، لها اهميتها المعتبرة، سواء بالاستناد الى مكانة مصر ودورها في عالمنا العربي، أو بمدى تأثير تجربة “الحكم” الجديدة فيها على محيطها، أو للظروف المعقدة التي تحيط “بالتغيير” الذي جرى واصدائه على “حزام” الصراع بين الشرق والغرب.. فما يجري في مصر - تحديداً - (دعك من سوريا) هو صراع “مشروعات” سياسية واستراتيجية تتجاوز هذه الدول الى العالم الجديد الذي لا يبدو انه سيكون سعيداً اذا ما خرج العرب والمسلمون من “التاريخ” نحو المستقبل بمشروع حضاري يليق بهم. (الدستور)