أسرار انقلاب «المنصة»!
ما ان “انفض” احتفال “المنصة” ونزل الجالسون الذين استدعوا على عجل لاداء أدوارهم، حتى انكشفت “ألغاز” القصة التي أعدها العسكر باتقان وان لم يفلحوا في اخراجها كما يلزم بعد انكشاف هذا المشهد الذي تم تحديد وقته والفاعلين فيه ونهايته ايضا في مصر التي تشكل “بوصلة” عالمنا العربي، يمكن للمتابع ان يسجل العديد من الملاحظات على ما جرى، لا يهم - هنا - تفاصيل ما حدث وراء الستارة، ولا الخيوط التي ربطت الاحداث ببعضها، وانما المهم هو العناوين التي يفترض استخلاصها لتدوين “الواقعة” سواء لحساب التاريخ او لحساب الاجيال والمستقبل ايضا.
الملاحظة الاولى : هي ان العملية التي كانت بامضاء “العسكر” لا يوجد لها اسم سوى انها “انقلاب عسكري” ليس ضد الاخوان وحكمهم كما يعتقد البعض وان كانوا هم “المستهدفون” به، وانما هو ضد “الثورة” كما يقول الفقيه الدستوري ورئيس لجنة اعداد الدستور المصري طارق البشري، لان ما نتج عنه من تعطيل للدستور والغاء لشرعية “الصناديق” التي هي ثمار “الثورة” قد جرح الثورة وألغى مفاعيلها ايضا.
الملاحظة الثانية وهي ان العسكر قد تحالفوا “الديني الرسمي” ومع السلفي الاصلاحي ومع الليبرالي المعارض للانقضاض على “الاسلام السياسي”، وهذا التحالف يضمن لهم “الهيمنة” تماما على “الثورة” وتوجيهها وفق ما يرون، وهم - هنا - يستأنسون بالنموذج “الباكستاني” الذي اصبح فيه الجيش هو الآمر الناهي، والحارس على “الديمقراطية” من جهة التصميم والاخراج.
اما الملاحظة الثالثة فهي ان “الاجنبي” لم يكن بعيداً عن ما جرى فوق “المنصة” فقد جرت بعض المحادثات والتفاهمات لتنفيذ قصة “العزل” وعرض على الرئيس البقاء في منصبه مع سحب كافة صلاحياته لكنه رفض، وعرض ايضا اجراء استفتاء على بقاء الرئيس لكنه لم يحظ على توافق “الحلفاء” وامام اصرار “العسكر” على الخارطة التي كانت جاهزة لديهم، حاولت بعض العواصم، وفي مقدمتها واشنطن - ان “تراوغ” في اتخاذ مواقفها، او تغطي بقليل من “الدبلوماسية” تصريحات مسؤوليها، لكن الواضح ان ما حصل لم يكن ليمر دون موافقة المرجعيات الدولية.
الملاحظة الرابعة: هي ان الثورة المصرية مرت حتى الآن في “3” جولات، افرزت الاولى حكم العسكر وافرزت الثانية حكم الاخوان ومن المرجح ان تفرز الثالثة حكم “الليبراليين” تحت وصاية العسكر، لكن المؤكد ان هذه الثورة لم تحسم بعد وسيكون امامها جولات قادمة حتى تستكمل “ولادتها” الطبيعية، وربما نحتاج الى سنوات طويلة حتى يحدث ذلك.
الملاحظة الخامسة هي ان “الاسلام السياسي” غير مرغوب فيه لحكم مصر تحديداً، باعتباره متناقضا مع “المعادلات” السياسية والجغرافية القائمة في المنطقة وخطراً عليها ايضاً، وربما تفسر المواقف الدولية والاقليمية التي رحبت او سكتت عما جرى هذه “الاستراتيجية”، وبالتالي فان مصير “الاخوان” سيحدد تبعا لتعاملهم مع “الانقلاب” عليهم” فإما ان “يتكيفوا” مع الوقائع ويقبلوا المشاركة في دائرة المعارضة وإما أن “يتمردوا” ويصار الى اقصائهم من المشهد كما حصل تماما مع “الاسلاميين” في الجزائر مطلع التسعينيات.
الملاحظة السادسة: هي ان “الاستقرار” في مصر ممنوع، والاسباب طبعاً مفهومة، وبالتالي فان “وصفات” الخروج من الازمات ستفرز - بالضرورة - المزيد من الصراعات، ومن “الانقلابات”، ويكفي هنا ان نشير الى الذين يحتفلون بانقلاب العسكر هم انفسهم الذين خرجوا بعد عام ربما للمطالبة “باسقاط حكم العسكر”، وهم الذين سيخرجون بعد عام ربما للمطالبة باسقاط “الحكم المدني”، وهكذا، فالانقلاب يجر الانقلاب، والشعب المصري الذي “اختطفته” النخب لتسوية مصالحها وحساباتها سيظل وقوداً لحالة “اللاستقرار” التي كتبت عليها.
اما الملاحظة الاخيرة فهي ان حضور “الديني” الذي ضم “الازهر” و”الكنيسة” كان ضرورياً، لا لتقديم صورة “التوافق” الوطني، وانما لسببين آخرين احدهما تمرير “عزل” الرئيس المحسوب على “الاسلام السياسي” والآخر “مباركة” تعيين الرئيس “القبطي” المؤقت الذي تسجل رئاسته لمصر سابقة تاريخية، وربما كان تحفظ المندوب السلفي على “خارطة” الجيش في مسألة “الغاء” الدستور، خشية الغاء بند “الاسلام” والشريعة من مواده، اشارة واضحة لهذا البعد الذي يضيفه حكم رئيس غير مسلم لمصر ومكلف باصدار مرسوم دستوري والاعداد لدستور جديد!
(الدستور)