أزمة إدارة تعيشها الحكومة في إدارة الأزمات
د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
عودتنا الحكومات أن ننام ونصحو على قرار يلغي أخر ويخلق أزمة ويفرط عقد القرارات السابقة لأسباب تعود لغياب الرؤية الاستشرافية والاستعداد لدى الحكومات جراء التوجيهات المرتجلة، وغير المدروسة لكافة الإزمات التي مر بها الوطن إضافة إلى خلق أزمات لدوافع مادية وغير مادية والتي قد يجنيها أعضاء الفريق الحكومي والرئيس للبقاء على الكراسي جراء استمرارية الأزمة، وهذا ما حدث في أزمة الإدارة لجائحة كورونا "كوفيد-"19، لا أحد ينكر أن أي دولة معرضة لحدوث أزمة تختتلف أسبابها وتتفاوت درجات تعقيدها، وتنجح دول في مواجهتها ، وتفشل أخرى بسبب عناصر القودة لديها من استشراف وتنبوء وتخطيط واستعداد وإدارة.
لا أحد ينكر أن الحكومة وبفضل توجيهات جلالة الملك باتخاذ قرار الحظر الشامل لأسباب متعددة منها الحفاظ على سلامة المواطنين ، وأسباب أخرى تتعلق بالخوف من عدم قدرة النظام الصحي على الاستجابة لهذه الجائحة في ظل الإمكانات التقنية والمادية المتوفرة ، وهو قرار استراتيجي كان موجه لخارطة طريق كان على الحكومة أن تلتزم بالسير عليه لاسيمان أن متابعة جلالة الملك منذ بدء الأزمة المستمرة وإطلالته المستمرة أثمرت عن نجاحات لبعض الوزراء الذي قدمنا لهم الشكر والتقدير علبى ذلك ، ولأول مرة خلقت هذه الأزمة حالة نادرة وهي أن يتوحد الأردنيين على الوقوف إلى جانب الإجراءات الحكومية، وأن يعاد منح الثقة للحكومة بعد سلبهم منها بسبب ما قامت به من اقرار لقانون الضريبة وغير من الويلات التي اكتوى بها الشعب ، وهي من المرات النادرة أيضا التي تابع الجميع من مختلف الشرائح والأعمار عبر كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التصريحات الحكومية ، لكن سرعان ما ذهبت هذه النجاحات أدراج الرياح بسبب ابتعاد الحكومة عن التوجيه الاستراتيجي لها ، وسخرت القوانين لخدمة دوافعها السياسية للمحافظة على البقاء في الرابع، وتصفية الحسابات، واستعادة هيبة أشخاص الحكومة لا هيبة الدولة كما تدعي لأن هيبة الدولة مصانة من مواطنيها.
لقد انصرفت الحكومة على تسخير المستكتبيين وبعض وسائل الإعلام المتلفزة لسحر الشعب والتغني بأمجادها وانتصارتها، وتشويه واغتيال الشخصيات لتحقيق مكاسب شعبوية ، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر لاسيما أن تاريخ الحكومة مليئ بالاخفاقات في إدارة جميع الأزمات التي حدثت أو خلقتها بدءا من فاجعة البحر الميت ، وانتهاء بازمة المعلمين إضافة إلى التجاوزات والاختراقات والتحالفات ، والتنفيعات ،وارتفاع نسب البطالة والمديونية ، والتلاعب في الأرقام والحقائق لتبرير قروض وديون جديدة سيدفعها أطفال الأردن في المستقبل إضافة إلى التجاوز على أموال الشعب في الصناديق الوطنية كل ذلك خلق سمعة حكومية غير محمودة لدي الشعب كافة باستثناء المتنفعين، وأدت هذه السمعة إلى فقدان الثقة مرة أخرى، ومن البهديهي أن تفشل الحكومة نتيجة ذلك لأن إدارة الأزمات لدى الحكومات ذات السمعة القوية والمتماسكة التي تعنى بمسؤوليتهاالاجتماعية يمكنها من مواجهة الأزمات بدرجة أكبر من تلك التي لا تمتلك نفس السمعة، ومن هنا كان من الصعبعلى الحكومةكسب ثقة الشعب،وبناء علاقات تصالحيه معهأثناء الأزمة، فالشعب الذي فقد الثقة بالحكومة وبالمؤسسات التنفيذية والتشريعية الذي تعاون معها عليه وتكبيده الضرائب ينطلق من سجل أداء هذه المؤسسات وما لها من رصيدلديه ،لأن وصيد هذه المؤسسات كفيل ليس بفشل إدارة الأزمة بل وخلق أزمات جديدة في المستقبل.
إن معظم أسباب أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمهنية والطبيعية التي نعيشها اليوم هي إدارية في طبيعتها وجوهرهاوناتجة عن سؤ إدارة الأزمات ، وغياب القدرة القيادية لدى القائمين على الاستشراف والتخطيط والتحليل واقتراح الحلول ووضع البدائل ،والاعتماد على الارتجال وغياب المشاركة المجتمعية لإدارة شوؤن هذه القضايا الأمر الذي يقود حتما إلى قرارات خاطئة وكارثية أحيانا لاسيما أننا تعودنا من الحكومات المتعاقبة على ترحيل الأزمات ، كما أن القاسم المشترك الوحيد لها يتمثل في زيادة المديونية العامة على الدولة، والسطو على جيب المواطن كمصدر لسد عجز الساسة عن إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمات .
كما أن المراقب لأداء الحكومة منذ توليها السلطة والتي منحت فرصا عديدة لتعديل طواقمها الناتج عن سوء الاختيار لا يرى إلا مزيد من التخبط وسوء الإدارة والفشل على الرغم من تعدد الجان المشكلة ، وألوان المصفوفات وتعددها ، فهشاشة الإنجازات في الرسومات والبيانات التي تساق علي الشعب لم تقنعهأو تلفت أهتمامه لأنه لم يرى انجازا حقيقا على الأرض أو لمس تحسنا في عيشه الكريم الذي يصبوا إليه أو في الخدمات المقدمة له ، فالمواطن يا ساده لا تعنيه المصفوفات وألونها ولا الأرقام وطرق تقديمها وأساليب تحليلها وتجميلها فالموطن لم يعد يخدع بذلك لاسيما أنه يرى ما يخطط له ، فكيف سيقتنع المواطن الذي تلزمه بدفع ضرائب لشركة قامت بتصميم تطبيق تدفع من خلاله الفواتير والرسوم الحكومية ليستفاد منها المتنفذين في الوقت الذي يري فيه المواطن أن مجموعة من الشباب المتطوعين من اجل الوطن قاموا بعمل تطبيق (آمان) لحماية المواطنين، وهذا التطبيق مجاني ومتاح لجميع وبدون ضرائب، فالحكومة التي تعجز عن تطوير تطبيقات مجانية لحماية المواطنيين من دفع ضرائب للمتنفذين ، وتتغني بانها حققت انجازا في تطبيق "آمان " على الرغم بأنه ليس إنجازا حكوميا وإنما جهد أشخاص متطوعين من أجل الوطن ، فلو كان هدف الحكومة خدمة المواطن وليس الجباية لطورت تطبيقات أووفرتها وهي منتشرة بكل دول العالم وعممتها على جميع المؤسسات الخدمية وقدمتها مجانا كما في الدول التيكاد الرئيس أن معها في شرك حديثه وغمز إليها دون أن يسمها.
لقد وجه الملك الحكومة لاستخدام قانون الدفاع في أضيق الحدود، لكن المتابع والمراقب لتطبيق قانون الدفاع يشهد الاختراقات في توظيف قانون الدفاع لحماية أشخاص، فكيف بحكومة تحتمي بقانون لممارسة دكتاتوريتها على الشعب أن أن تكون جديرة بتحمل مسؤوليتها، وتكون قادرة على إدارة الدولة ، وكيف بحكومة تطالب بتناغم السلطات في الدولة لتنفيذ مآربها والانتقام من الأشخاص والمؤسسات، وتسخر البرامج التلفزيوينة ومقديميها، والمستكتبين، وتعمل على تكميم الأفواه ،وتستخدم المصطلحات المؤسسية كغطاء لتنفيذ أجنداتها ، وتسند الأخطاء التي ترتكبها إلى توجيهات من رأس الهرم فكيف ستكون قادرة على تحمل مسؤولياته الوطنية .
إن سوء إدارة الأزمة متمثلة بالقرارات التي تتخذها الحكومة في موضوع الحظر لقطاعات دون أخرى وعلى فئات دون أخرى والتي تتراجع عنها حينا وتبقي عليها حينا أخر، وأصبح الوضع الوبائي هو الشماعة التي يعلق عليها سوء إدارة الأزمة ، وباتت لجنة الأوبئة التي وثق بها النايس في بداية الأزمة، وكانوا ينتظرون تصريحتها وباتت كشاهد زور يذهب للمحكمة راكبا في سيارة ،ومدللا ويرجع إلى بيته على حسابه يجر أذيال الخيبة، وأصبحت بمثابة فتوى السلطان للحكومة فكما تريد الحكومة يأتي القرار ، ومنها قرار منع قدوم المغتربين الذين تقطعت بهم السبل ، وقرار الحجر بالفنادق لتشغيلها على حساب المواطنين الذين تقطعت بهم السبل رغم تقديم كافة البدائل وخاصة للاشخاص غير المصابين، وقرار تصنيف الدول الخضراء، وقرار عدم الحجر للقادمين منها والعوده عنه، وقرارات فتح المطار، وقررات استقدام السياح الذين فشلوا فيه، وأصبحوا بعده يتغزلون بالمغتربين وبأهمية عودتهم وأنهم أبناء وطن والذين كانوا في بداية الأزمة ليسوا من أبناء الوطن، وقرارالتسمم الغذائي الذي تم تسويفه ، وغيرها من القرارات التي أضرت بالقطاعات الإقتصادية والحياتية كافة ، ولعل ما خرج أيضا علينا به رئيس الحكومة حول فتح المدارس والجامعات بشكل كامل دون النظر عن ما يمكن أن يخلفه هذا القرار، ولم يترك للوزراء المعنيين أن يقرروا الشكل لذلك ، كما قرر وزير الصحة قبل اجتماع لجنة الأوبئة فتح المدارس والجامعات وتحدث عن تعليم هجين، وتجتمع لجنة الأوبئة بعد ثلاثة أيام لإصدار قرار لفتح المدارس والجامعات ، ولم تشر إلى شكل التعليم ، ووزير الإعلام يصرح عن فتح المدارس والجامعات وتعليم مباشر في المدارس، والجامعات، ووزير التربية والتعليم يصرح أيضا عن تعليم مباشر وهجين وحسب الوضع الوبائي لكل منطقة ومدرسة ،والذي اعتقد هو القرار السليم و لو ترك الأمر على هذا التصريح لكان أفضل من التصريحات الأخرى نظر لخصوصية الموضوع ، ووزير التعليم العالم يصرح تصريحا مركبا عن تعليم هجين ومباشر وحسب طبيعة التخصص وجميع هذه التصريحات خلقت جوا من الإرباك لتعدد مصادرها .
أنا شخصيا مع فتح المدارس ،ولكن ليس فقط وفق البرتوكول الصحي لكن مع فتحها تدريجيا، ولمرحلة التعليم الأساسي ليتم استغلال المباني المدرسية لتحقيق التباعد، وتوفير كل شروط الصحة والسلامة لهم ، إضافة إلى موضوع تقسيم اليوم الدراسي للموضوعات التي يمكن أن تدرس بالمدارس رغم أنني أعتقد أن جميع الموضوعات يمكن تطويعها وتدريسها عن بعد،او توزيع الأيام الدراسية وغيرها كما تفكر به الوزارة ، إضافة إلى حلول أخرى اكثر يمكن تقديمها، وبهذا أيضا تحقق المبرارات غير المعلنة عن الاصرار على فتح المدارس الكلي حسب التصريحات الحكومية ، وكنت أتمنى أن يترك التصريح للوزير المعني بغض النظر عن الدوافع وراء قرار فتح المدارس، والمبررات غير المقنعة التي تساق وتتعلق بأن أولياء الأمور دفعوا رسوما في المدارس الحكوميةأو الخاصة فايهما أهم ؟ما دفع من رسوم أو ما سينعكس على صحة الطلبة وذويهم لا سمح الله ؟ لا سيما أن تصريحات الحكومة بجميع أعضائها عن موجة ثانية من الوباء ، فكيف لنا أن نوفق بين هذا وذاك ؟، و هل هذه إدارة أزمة أم سوء إدارة تتعلق بقرار يمكن أن يخلف تبعات لا سمح الله على الوطن نتيجة تحقيق رغبات شخصية وإثارة مشكلات نحن بغني عنها ؟. كما أنني أعتقد بأن التصريحات التي تشير فقط إلى اعتماد التعليم المباشر فقط هي بالحقيقة انتكاسة عن اسثمار مثل هذه الفرصة لاستخدام التعليم عن بعد، وتوظيف التكنولوجيا بالتعليم توظيفا حقيقا ولو على مراحل محددة أو موضوعات محددة وفي مناطق محددة او مدارس محددة في المدارس التي تتوفر فيها الامكانيات .
لم أكن يوما أقبل الرأي الأخر من منطلق أنني أساوي بين الرأي الصحيح، والرأي الخطأ حتى أعيشحياتي دون موقف واضح واصفق للجميع ،ولم أكن يوما ليبراليا لأدافع عن قضايا الأخرين وأترك الدفاع عن وطني في ظل ما يحاك له من المجموعة النهضوية المدنية التي أثقلت أسماعنا عن عقد اجتماعي ونهضه زائفة لم يلمس المواطن لها أثر ، ولم يري أو يسمع منها إلا جعجعة بدون طحن، ومن هنا فمن المهم أن يتم تطوير الأطر التنظيمية والمؤسسية لإدارة الأزمات والاستفادة من هذه الأزمة أو من تجارب الدول الأخرى للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائروعدم خلق أزمات جديدة . كما يجب أن يكون لدى الساسة المناط بهم إدارة الأزمة القدرة على التنبؤ ، والاستشراف بما سيحدث والتخطيط له وإدارتة إدارة سليمه و تتوافر لديهم عوامل الكفاءة، وأن يتم مراجعة كافة القرارات في العمر المتبقي لهذه الحكومة المأزومة، وهذا لا يتم إلا إذا حدث إصلاحا إداريا حقيقيالإن نجاح المؤسسات مرتبط بشكل كبير بإداراتها ، وهو قاعدة أساسية لأي اصلاح اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي من شأنه أن يعيد لحمة النسيج الاجتماع الذي مزقته القرارات غير المدروسة والمصفوفات المزركشة