غبطة .. وعتاب
خيري منصور
جو 24 : حين شاهدت مع ملايين الناس التليثون المصري الذي بدل كلمة تبرع بكلمة تطوع تعبيرا عن سداد الدين ورد الجميل للوطن احسست على الفور بانني اغبط اصدقائي ولا احسدهم. لانهم منا، ولنا حصة في كل نهضة ينجزونها كما ان لنا نصيبا من كل كبوة تحل بهم. فالمشترك القومي والعقائدي والتاريخي يحذف المسافة بين عربي لا يزال على قيد عروبته في اقصى العالم وبين توائمه حتى لو كانوا في القطب المتجمد.
ما تطوع به رجال اعمال واطفال ومتقاعدون وعمال وربات بيوت في مصر لانقاذ وطنهم من الازمات المزمنة والتي تفاقمت خلال ثلاثين شهرا من الحراك السياسي والبطالة الاقتصادية يصيب الشاهد بالقشعريرة فمقابل من تطوع بعشرات الملايين ثمة فقراء تطوعوا ولم يتبرعوا بعشرات الجنيهات اما اكثر هؤلاء تأثيرا في النفس فهي عائلة فقيرة قررت ألا تتناول اللحم في شهر رمضان، وتطوعت بالمبلغ الذي كان مرصودا لشرائه لهذا الشهر.
اغبطهم ولا احسدهم، لكنني شعرت بالاسى والعتاب عندما تذكرت انني كتبت في هذه الزاوية من الدستور العزيزة قبل اعوام مقالة اقترحت فيها على من يقيمون الاعراس في الصيف من اهلنا سواء كانوا من المغتربين او المقيمين ان يتطوعوا - لا ان يتبرعوا - بتكاليف الاعراس للمحاصرين من شعبهم، ولا بأس ان تذكر اسماؤهم والتكاليف التي كانت مرصودة لصالات الافراح ومحلات الذهب والاثاث والفنادق اذا رغبوا في ذلك، وفوجئت يومئذ بصديق يسألني كم هي المبالغ التي تتصور بانها تنفق في هذه المناسبات؟ لم اقل شيئا لجهلي المزمن بالحساب والحواسيب، لكن ما ان قال رقما تقريبيا حتى اذهلني، فهو رقم يكفي لانقاذ كبرياء وطني جريح، ولفك حصار وستر عشرات الالوف من الاسر العفيفة وذوي الشهداء والاسرى.
وبعد نشر المقال تلقيت رسالة واحدة من قارئ قال فيها انه مستعد للمشاركة باقصى ما يستطيع. وانتهت القصة بمرور ذلك اليوم.
الارقام التي شاهدناها على الشاشات الفضائية المصرية شبه فلكية اذا قورنت بما توقعه الناس. وهي اضعاف مضاعفة لاية مساعدات خارجية. وتذكرت ايضا في حمى هذا الترقب ما سمعته من عبد الناصر قبل عقود عندما قال للمصريين هل انتم مستعدون لقدر ما من التقشف بحيث تشربون الشاي مرتين في اليوم بدلا من سبع مرات.. وحين صاح المصريون معلنين عن استجابتهم رفع عبدالناصر ساقه في الهواء واشار الى حذائه الاشبه بقارب صغير وقال ان الخمسين مليون دولار على هذه الجزمة!
(الدستور)
ما تطوع به رجال اعمال واطفال ومتقاعدون وعمال وربات بيوت في مصر لانقاذ وطنهم من الازمات المزمنة والتي تفاقمت خلال ثلاثين شهرا من الحراك السياسي والبطالة الاقتصادية يصيب الشاهد بالقشعريرة فمقابل من تطوع بعشرات الملايين ثمة فقراء تطوعوا ولم يتبرعوا بعشرات الجنيهات اما اكثر هؤلاء تأثيرا في النفس فهي عائلة فقيرة قررت ألا تتناول اللحم في شهر رمضان، وتطوعت بالمبلغ الذي كان مرصودا لشرائه لهذا الشهر.
اغبطهم ولا احسدهم، لكنني شعرت بالاسى والعتاب عندما تذكرت انني كتبت في هذه الزاوية من الدستور العزيزة قبل اعوام مقالة اقترحت فيها على من يقيمون الاعراس في الصيف من اهلنا سواء كانوا من المغتربين او المقيمين ان يتطوعوا - لا ان يتبرعوا - بتكاليف الاعراس للمحاصرين من شعبهم، ولا بأس ان تذكر اسماؤهم والتكاليف التي كانت مرصودة لصالات الافراح ومحلات الذهب والاثاث والفنادق اذا رغبوا في ذلك، وفوجئت يومئذ بصديق يسألني كم هي المبالغ التي تتصور بانها تنفق في هذه المناسبات؟ لم اقل شيئا لجهلي المزمن بالحساب والحواسيب، لكن ما ان قال رقما تقريبيا حتى اذهلني، فهو رقم يكفي لانقاذ كبرياء وطني جريح، ولفك حصار وستر عشرات الالوف من الاسر العفيفة وذوي الشهداء والاسرى.
وبعد نشر المقال تلقيت رسالة واحدة من قارئ قال فيها انه مستعد للمشاركة باقصى ما يستطيع. وانتهت القصة بمرور ذلك اليوم.
الارقام التي شاهدناها على الشاشات الفضائية المصرية شبه فلكية اذا قورنت بما توقعه الناس. وهي اضعاف مضاعفة لاية مساعدات خارجية. وتذكرت ايضا في حمى هذا الترقب ما سمعته من عبد الناصر قبل عقود عندما قال للمصريين هل انتم مستعدون لقدر ما من التقشف بحيث تشربون الشاي مرتين في اليوم بدلا من سبع مرات.. وحين صاح المصريون معلنين عن استجابتهم رفع عبدالناصر ساقه في الهواء واشار الى حذائه الاشبه بقارب صغير وقال ان الخمسين مليون دولار على هذه الجزمة!
(الدستور)