هل ينظر المسؤولون هنا أبعد من أنوفهم بعد عزل مرسي؟!
رنا الصباغ
جو 24 : تشيع مشاعر الفرح، وربما الشماتة، في أروقة صنع القرار الأردني بعد تعرض تجربة الإسلام السياسي في الحكم لهزات متتالية، آخرها في مصر؛ وسط توقعات بإقدام أمير قطر الجديد على مراجعة سياسة والده الموالية للتيار الإسلامي الذي صعد إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، عقب الإطاحة بنظامي زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر.
أسباب الشعور بالغبطة تعود لعوامل مشروعة، بحسب القراءة الرسمية. فجماعة الإخوان المسلمين أمام مفترق طرق تاريخي!
اليوم، تتحقق نبوءة الأردن الرسمي، منذ هبوب رياح التغيير على المنطقة، بسرعة فشل تجربة حكم الإخوان المسلمين، بسبب سياساتهم الإقصائية، وتفردهم بالسلطة، وفشلهم في جلب الحرية والعدالة والكرامة للشعوب التي خلعت الأنظمة الدكتاتورية.
هذا الانهيار مرشح لتعريض محور "الإسلام الراديكالي" -بقيادة تركيا وقطر، وعضوية مصر وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"- لارتدادات اهتزازية، ستؤثر على صعوده الصاروخي بعد أن تحول إلى قوة ضاغطة على ما تبقّى مما سمي "رباعية الاعتدال العربي". كما سيؤثر على المسار التصادمي فوق الساحة السورية، بين ذلك المحور السني، والجبهة الشيعية المتشددة بزعامة إيران، وعضوية حكومة نوري المالكي في عراق ما بعد صدام حسين، وحزب الله اللبناني.
أصوات رسمية هنا تتجه إلى الاعتقاد بأن الفرصة باتت مواتية لاستثمار التحولات في مصر لإقصاء إخوان الأردن بعد مقاطعتهم للانتخابات النيابية، مدفوعة باعتراض هذه الأصوات على غياب جدّية "الجماعة" في التعامل مع الإصلاحات السياسية، واستمرار حراكها المطالب بتسريع الإصلاحات، وتعديل بنود الدستور التي تمس صلاحيات الملك.
فالملك عبدالله الثاني كشف في مقابلة صحفية قبل أشهر عن أن المخابرات العامة توصلت إلى معلومات استخبارية بأن الجماعة الأم في القاهرة أصدرت تعليمات لمواليها في الأردن بزعزعة استقرار البلاد. وقبل ذلك، طلبت مقاطعة لجنة الحوار الوطني التي شكّلها القصر بعد استئثار رفاقهم بالسلطة في دول الصحوة العربية، وهو ما ينفيه الإخوان هنا. وفي ذات المقابلة، انتقد الملك سياسات الرئيس المصري (المعزول) محمد مرسي، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
في المغرب، انسحب من حكومة الإسلامي عبدالله بن كيران، أمس، حزب الاستقلال (محافظ)؛ ثاني أكبر قوة سياسية، بسبب "انفراد الحكومة بالقرارات المصيرية الكبرى، واحتضانها للفساد وتشجيعها عليه، وفشلها في جميع المجالات".
وفي تونس، يستمر الشد بين حزب النهضة الإسلامي -الذي يتشارك الحكم وحزبين آخرين- مع بقية القوى اليسارية والعلمانية، بسبب الاستفراد بالحكم وإقصاء الآخر. معركة إقرار الدستور كانت آخر تجليات تلك المواجهة.
وفي تركيا، تتواصل منذ شهر حركة احتجاجية واسعة ضد حكومة الإسلامي أردوغان لاستفراده بالحكم، بعد تطويع الجيش والسيطرة على غالبية المؤسسات.
قد تكون هذه العوامل مقنعة لصاحب القرار هنا لحثه على ضرب ما تبقّى من نفوذ "الإخوان"، وعينه تراقب انقلاب الشارع المصري مدعوما بالجيش على الرئيس المنتخب مرسي، ردا على محاولات أخونة الدولة، وفشله في بسط الأمن وتعزيز الديمقراطية وتحسين الاقتصاد، فضلا عن التدخل في القضاء والإعلام.
لكن ذلك سيكون خطأ استراتيجيا كارثيا في حال رجحت الكفّة المطالبة "بقص أجنحة الإخوان" هنا على خلفية المقاربات في مصر والدول الأخرى.
إذ إن العكس هو الصحيح.
فتجربة الإخوان في السلطة توفر فرصة نادرة لإحداث اختراق في عملية الإصلاح السياسي البطيء والمتعثر في الأردن، وإعداد أجندة جديدة للإصلاحات، تراعي المستجدات، وتتكيف مع المتغيرات؛ قوامها قانون انتخاب جديد وقوائم حزبية، وانتخابات تشريعية مبكرة تجلب الحد الأدنى من التوافق الوطني المطلوب.
فالإخوان جزء من النسيج الأردني والعربي، وما تزال "الجماعة" تمتلك، مع تيارات الإسلام السياسي، رصيدا كبيرا في الشارع. وأي محاولة لحشرهم في الزاوية، في مصر أو الأردن، قد تدفع بالمتشددين منهم إلى العمل السري لضرب رموز الدولة ومؤسساتها السيادية، وتبنّي خيار العنف، كما هي الخشية اليوم في مصر التي تقترب شيئا فشيئا صوب اهتزاز السلم الأهلي.
الوقت مناسب لتطويع إخوان الأردن والتوصل معهم إلى صفقة لإشراكهم في العملية السياسية، بدلا من بقائهم على الشجرة. لكن ذلك يعتمد أيضا على المراجعة المطلوبة من "الجماعة" بعد مقاطعة الانتخابات، وفي ضوء الحصاد المر لتجربتهم في مصر وتونس والمغرب وغيرها.
معلوم أن مجرد تغيير الشخوص، وحتى الأنظمة، سيظل قاصرا عن حل المشاكل في مصر وتونس والمغرب والأردن. وعلى جميع القوى السياسية والمدنية والرسمية إدراك استحالة مواصلة ذات السياسات الماضية، وسط كل هذه المتغيرات الداخلية وفي الإقليم.
فلن يستطيع العسكر في مصر، أو حزب الدولة في الأردن، أو جماعة الإخوان، أو القوى القومية والمدنية والعلمانية، احتكار النفوذ والسلطة. ولا بد من التوافق على حقوق سياسية ومدنية للجميع، وضمان التداول السلمي للسلطة، وتغيير الدساتير والعقود الاجتماعية البالية التي تنظّم علاقة الحاكم بالمحكوم.
المشكلة تبدو في أن يعتقد العقل السياسي-الأمني الذي يدير البلاد بأن أحداث مصر، وما يحصل في سورية من عنف وكسر عظم، وأيضا في البحرين والمغرب، سيرعب الأردنيين ويثنيهم عن المطالبة بإصلاحات حقيقية.
كل الظروف تلعب لصالح مؤسسة الحكم. فالنظام محط إجماع من غالبية القوى السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية لتحصين الجبهة الداخلية، وتحقيق الحد الأدنى من الأمن والاستقرار المطلوبين. فهل يصارح المسؤولون أنفسهم ويقيّموا سلبيات بيع أوهام الإصلاح للشعب منذ بدء الربيع الأردني؟
قانون الانتخاب الذي سُوّق للداخل والخارج على أنه نقلة نوعية لتعزيز مسار الديمقراطية، وفرز أول حكومة برلمانية، لم يأت بجديد؛ بل نجد اليوم 150 زعيما في المجلس النيابي. ولم تتغير أسس تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، واكتفي بمشاورات مطولة في الشكل مع كتل رئيسة تفكّكت غالبيتها منذ ذلك الوقت. وفي السياق، عُقدت صفقات ولُفلفت ملفات فساد مقابل جائزة الثقة. لم يتحول مجلس النواب إلى سلطة مستقلة لمراقبة الحكومة وتشريع القوانين، بل ما نعيشه اليوم اهتزاز علاقة النظام ببعض مكونات الدولة؛ موالون يتحولون إلى معارضة لأنهم خسروا نفوذهم.
وتستمر سياسة المراوحة والتعامل مع ملفات الفساد بانتقائية. من جهة، يُحكَم وليد الكردي ويغرم بالملايين، وتسعى الحكومة إلى استرجاعه من بريطانيا، فيما تتغاضى، من جهة أخرى، أجهزة الدولة ومؤسساتها الرقابية المالية عن قيام مستثمر تركي اسمه موجود على لائحة مطلوبي "الإنتربول"، ومقيم في المملكة منذ عقد (بغطاء من متنفذين)، بشراء52 % من أسهم بنك محلي من خلال صناديق استثمارية خارج الأردن.
اين نقف الآن؟
العنف المجتمعي في ازدياد، ويأخذ أشكالا جديدة غير مألوفة؛ الهوّة بين الأغنياء والفقراء تتعمق؛ تكميم ما تبقى من أفواه الإعلام المستقل يستمر ويؤجج الغضب؛ وكذلك تجاهل السلطة لعنصر الشباب على مدى عقود وإقصائهم عن غالبية المناصب السياسية وحرمانهم من التعليم النوعي الضامن لفرص تشغيل نوعية، وتجاهل حقهم في الصحة والرياضة والثقافة المنفتحة على جميع الآراء..
كل ذلك يراكم ميول العنف لدى 70 % من فئات المجتمع. نسب البطالة الحقيقية مفزعة، تدق كقنبلة موقوتة. ما يزال الأردن بعيدا عن نهج دولة المواطنة والعدالة. الفعاليات الاحتجاجية لم تتوقف منذ عامين، وهي مرشحة للتصاعد. ولا يجوز استمرار الاعتقالات، وكذا الانتهاكات والكبت والظلم والقهر والإقصاء وشيطنة المعارضة والشخصيات الوطنية المطالبة بالإصلاح الآمن والمتدرج.
أحداث مصر تشكّل فرصة تاريخية لإخوان الأردن وصانع القرار وسائر التيارات السياسية والمدنية والحراكية، لمراجعة تجاربهم السابقة، والتعلم من أخطائهم، وصولا إلى صعود مكونات الدولة الرسمية والشعبية كافة إلى مركب واحد يتسع للجميع، ضمن حقوق وواجبات واضحة.
فهل يستفيد الجميع من درس مصر؟ المرحلة الانتقالية لا تُحسَم فقط من خلال صناديق الاقتراع، والتفاخر بنسب الناخبين المسجلين، ومكافحة بعض قضايا الفساد، وإبقاء الشعب محصورا بين ازدواجية الانتماء لحزب الدولة أو "الإخوان".
في مصر قال الشعب كلمته، ونزل حزب "الكنبة" إلى الشارع بحثا عن طريق ثالثة.
هنا، يكفي ترحيل الأزمات.
لنتوافق على شكل أردن الغد الذي يتسع للجميع بدون مِنّة من أحد على أحد. ولنبدأ اليوم قبل الغد.
(الغد)
أسباب الشعور بالغبطة تعود لعوامل مشروعة، بحسب القراءة الرسمية. فجماعة الإخوان المسلمين أمام مفترق طرق تاريخي!
اليوم، تتحقق نبوءة الأردن الرسمي، منذ هبوب رياح التغيير على المنطقة، بسرعة فشل تجربة حكم الإخوان المسلمين، بسبب سياساتهم الإقصائية، وتفردهم بالسلطة، وفشلهم في جلب الحرية والعدالة والكرامة للشعوب التي خلعت الأنظمة الدكتاتورية.
هذا الانهيار مرشح لتعريض محور "الإسلام الراديكالي" -بقيادة تركيا وقطر، وعضوية مصر وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"- لارتدادات اهتزازية، ستؤثر على صعوده الصاروخي بعد أن تحول إلى قوة ضاغطة على ما تبقّى مما سمي "رباعية الاعتدال العربي". كما سيؤثر على المسار التصادمي فوق الساحة السورية، بين ذلك المحور السني، والجبهة الشيعية المتشددة بزعامة إيران، وعضوية حكومة نوري المالكي في عراق ما بعد صدام حسين، وحزب الله اللبناني.
أصوات رسمية هنا تتجه إلى الاعتقاد بأن الفرصة باتت مواتية لاستثمار التحولات في مصر لإقصاء إخوان الأردن بعد مقاطعتهم للانتخابات النيابية، مدفوعة باعتراض هذه الأصوات على غياب جدّية "الجماعة" في التعامل مع الإصلاحات السياسية، واستمرار حراكها المطالب بتسريع الإصلاحات، وتعديل بنود الدستور التي تمس صلاحيات الملك.
فالملك عبدالله الثاني كشف في مقابلة صحفية قبل أشهر عن أن المخابرات العامة توصلت إلى معلومات استخبارية بأن الجماعة الأم في القاهرة أصدرت تعليمات لمواليها في الأردن بزعزعة استقرار البلاد. وقبل ذلك، طلبت مقاطعة لجنة الحوار الوطني التي شكّلها القصر بعد استئثار رفاقهم بالسلطة في دول الصحوة العربية، وهو ما ينفيه الإخوان هنا. وفي ذات المقابلة، انتقد الملك سياسات الرئيس المصري (المعزول) محمد مرسي، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
في المغرب، انسحب من حكومة الإسلامي عبدالله بن كيران، أمس، حزب الاستقلال (محافظ)؛ ثاني أكبر قوة سياسية، بسبب "انفراد الحكومة بالقرارات المصيرية الكبرى، واحتضانها للفساد وتشجيعها عليه، وفشلها في جميع المجالات".
وفي تونس، يستمر الشد بين حزب النهضة الإسلامي -الذي يتشارك الحكم وحزبين آخرين- مع بقية القوى اليسارية والعلمانية، بسبب الاستفراد بالحكم وإقصاء الآخر. معركة إقرار الدستور كانت آخر تجليات تلك المواجهة.
وفي تركيا، تتواصل منذ شهر حركة احتجاجية واسعة ضد حكومة الإسلامي أردوغان لاستفراده بالحكم، بعد تطويع الجيش والسيطرة على غالبية المؤسسات.
قد تكون هذه العوامل مقنعة لصاحب القرار هنا لحثه على ضرب ما تبقّى من نفوذ "الإخوان"، وعينه تراقب انقلاب الشارع المصري مدعوما بالجيش على الرئيس المنتخب مرسي، ردا على محاولات أخونة الدولة، وفشله في بسط الأمن وتعزيز الديمقراطية وتحسين الاقتصاد، فضلا عن التدخل في القضاء والإعلام.
لكن ذلك سيكون خطأ استراتيجيا كارثيا في حال رجحت الكفّة المطالبة "بقص أجنحة الإخوان" هنا على خلفية المقاربات في مصر والدول الأخرى.
إذ إن العكس هو الصحيح.
فتجربة الإخوان في السلطة توفر فرصة نادرة لإحداث اختراق في عملية الإصلاح السياسي البطيء والمتعثر في الأردن، وإعداد أجندة جديدة للإصلاحات، تراعي المستجدات، وتتكيف مع المتغيرات؛ قوامها قانون انتخاب جديد وقوائم حزبية، وانتخابات تشريعية مبكرة تجلب الحد الأدنى من التوافق الوطني المطلوب.
فالإخوان جزء من النسيج الأردني والعربي، وما تزال "الجماعة" تمتلك، مع تيارات الإسلام السياسي، رصيدا كبيرا في الشارع. وأي محاولة لحشرهم في الزاوية، في مصر أو الأردن، قد تدفع بالمتشددين منهم إلى العمل السري لضرب رموز الدولة ومؤسساتها السيادية، وتبنّي خيار العنف، كما هي الخشية اليوم في مصر التي تقترب شيئا فشيئا صوب اهتزاز السلم الأهلي.
الوقت مناسب لتطويع إخوان الأردن والتوصل معهم إلى صفقة لإشراكهم في العملية السياسية، بدلا من بقائهم على الشجرة. لكن ذلك يعتمد أيضا على المراجعة المطلوبة من "الجماعة" بعد مقاطعة الانتخابات، وفي ضوء الحصاد المر لتجربتهم في مصر وتونس والمغرب وغيرها.
معلوم أن مجرد تغيير الشخوص، وحتى الأنظمة، سيظل قاصرا عن حل المشاكل في مصر وتونس والمغرب والأردن. وعلى جميع القوى السياسية والمدنية والرسمية إدراك استحالة مواصلة ذات السياسات الماضية، وسط كل هذه المتغيرات الداخلية وفي الإقليم.
فلن يستطيع العسكر في مصر، أو حزب الدولة في الأردن، أو جماعة الإخوان، أو القوى القومية والمدنية والعلمانية، احتكار النفوذ والسلطة. ولا بد من التوافق على حقوق سياسية ومدنية للجميع، وضمان التداول السلمي للسلطة، وتغيير الدساتير والعقود الاجتماعية البالية التي تنظّم علاقة الحاكم بالمحكوم.
المشكلة تبدو في أن يعتقد العقل السياسي-الأمني الذي يدير البلاد بأن أحداث مصر، وما يحصل في سورية من عنف وكسر عظم، وأيضا في البحرين والمغرب، سيرعب الأردنيين ويثنيهم عن المطالبة بإصلاحات حقيقية.
كل الظروف تلعب لصالح مؤسسة الحكم. فالنظام محط إجماع من غالبية القوى السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية لتحصين الجبهة الداخلية، وتحقيق الحد الأدنى من الأمن والاستقرار المطلوبين. فهل يصارح المسؤولون أنفسهم ويقيّموا سلبيات بيع أوهام الإصلاح للشعب منذ بدء الربيع الأردني؟
قانون الانتخاب الذي سُوّق للداخل والخارج على أنه نقلة نوعية لتعزيز مسار الديمقراطية، وفرز أول حكومة برلمانية، لم يأت بجديد؛ بل نجد اليوم 150 زعيما في المجلس النيابي. ولم تتغير أسس تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، واكتفي بمشاورات مطولة في الشكل مع كتل رئيسة تفكّكت غالبيتها منذ ذلك الوقت. وفي السياق، عُقدت صفقات ولُفلفت ملفات فساد مقابل جائزة الثقة. لم يتحول مجلس النواب إلى سلطة مستقلة لمراقبة الحكومة وتشريع القوانين، بل ما نعيشه اليوم اهتزاز علاقة النظام ببعض مكونات الدولة؛ موالون يتحولون إلى معارضة لأنهم خسروا نفوذهم.
وتستمر سياسة المراوحة والتعامل مع ملفات الفساد بانتقائية. من جهة، يُحكَم وليد الكردي ويغرم بالملايين، وتسعى الحكومة إلى استرجاعه من بريطانيا، فيما تتغاضى، من جهة أخرى، أجهزة الدولة ومؤسساتها الرقابية المالية عن قيام مستثمر تركي اسمه موجود على لائحة مطلوبي "الإنتربول"، ومقيم في المملكة منذ عقد (بغطاء من متنفذين)، بشراء52 % من أسهم بنك محلي من خلال صناديق استثمارية خارج الأردن.
اين نقف الآن؟
العنف المجتمعي في ازدياد، ويأخذ أشكالا جديدة غير مألوفة؛ الهوّة بين الأغنياء والفقراء تتعمق؛ تكميم ما تبقى من أفواه الإعلام المستقل يستمر ويؤجج الغضب؛ وكذلك تجاهل السلطة لعنصر الشباب على مدى عقود وإقصائهم عن غالبية المناصب السياسية وحرمانهم من التعليم النوعي الضامن لفرص تشغيل نوعية، وتجاهل حقهم في الصحة والرياضة والثقافة المنفتحة على جميع الآراء..
كل ذلك يراكم ميول العنف لدى 70 % من فئات المجتمع. نسب البطالة الحقيقية مفزعة، تدق كقنبلة موقوتة. ما يزال الأردن بعيدا عن نهج دولة المواطنة والعدالة. الفعاليات الاحتجاجية لم تتوقف منذ عامين، وهي مرشحة للتصاعد. ولا يجوز استمرار الاعتقالات، وكذا الانتهاكات والكبت والظلم والقهر والإقصاء وشيطنة المعارضة والشخصيات الوطنية المطالبة بالإصلاح الآمن والمتدرج.
أحداث مصر تشكّل فرصة تاريخية لإخوان الأردن وصانع القرار وسائر التيارات السياسية والمدنية والحراكية، لمراجعة تجاربهم السابقة، والتعلم من أخطائهم، وصولا إلى صعود مكونات الدولة الرسمية والشعبية كافة إلى مركب واحد يتسع للجميع، ضمن حقوق وواجبات واضحة.
فهل يستفيد الجميع من درس مصر؟ المرحلة الانتقالية لا تُحسَم فقط من خلال صناديق الاقتراع، والتفاخر بنسب الناخبين المسجلين، ومكافحة بعض قضايا الفساد، وإبقاء الشعب محصورا بين ازدواجية الانتماء لحزب الدولة أو "الإخوان".
في مصر قال الشعب كلمته، ونزل حزب "الكنبة" إلى الشارع بحثا عن طريق ثالثة.
هنا، يكفي ترحيل الأزمات.
لنتوافق على شكل أردن الغد الذي يتسع للجميع بدون مِنّة من أحد على أحد. ولنبدأ اليوم قبل الغد.
(الغد)