مصر وفوبيا «الجزأرة»!
خيري منصور
جو 24 : ما من طبائع ثابتة وابدية للشعوب لانها نتاج ثقافات وظروف اجتماعية وتكوينات سايكولوجية قابلة للتبدل.
وقدر تعلق هذا بمصر، فهي كانت لزمن طويل مثالا لتغييب العنف، فقبل ثورة يوليو 1952 وخلال النصف الاول من القرن الماضي لم تشهد سوى بضع عمليات اغتيال تعد على اصابع اليد، ومنها اغتيال النقراشي وغالي وعثمان، لكن هذه الأحوال تبدلت ومرت مصر في ثمانينات القرن الماضي واوائل تسعيناته بمرحلة من العنف ذهب ضحيتها مفكرون وناشطون وساسة وتعرض ابرز مثقفيها نجيب محفوظ للذبح في شيخوخته.
اما ما يقال الان عن احتمالات «جزأرة» مصر يعيد الى الذاكرة ما يسميه الجزائريون في تقاويمهم وادبياتهم السياسية «العشرية السوداء»، واذكر انني قبل عام وفي مثل هذه الايام سمعت من اصدقاء جزائريين بمناسبة احتفالاتهم بذكرى التحرير روايات يصعب على المرء احتمالها بدءا من ذبح الاطفال بسكاكين عمياء حتى الاجهاز على اسر بكاملها واحيانا على قرى بمن فيها.
العشرية الجزائرية السوداء كربلاء سياسية من طراز آخر، لكنها ليست تراجيدية بقدر ما هي تعبير عن مكبوت سياسي وسادية لهذا تحولت الى فوبيا، تخطت حدود الجزائر الى العالمين العربي والاسلامي.
وما جرى في مصر خلال ثلاثين شهرا وما قد يجري ايضا على الوتيرة ذاتها ينذر بعنف متبادل قد تكون ضحيته الكبرى والاولى هي مصر ذاتها.
مصر العاطلة عن العمل والحياة منذ اكثر من عامين لان ملايينها في الشوارع والساحات، ومؤسسات الدولة فيها عرضة للمزيد من التفكيك، فوبيا الجزأرة هي من تجليات الصراع المزمن بين الخوذ والعمائم والقول بان لدى مصر احتياطيا حضاريا ومدنيا يحول دون الجزأرة به الكثير من التفاؤل، لان العنف عندما يصبح مناخات محمومة ومبثوثة في النسيج الاجتماعي لا يحول دون تمدده اي احتياط، لهذا فان الحدّ الادنى من الوئام الوطني هو اللقاح الوحيد او المصل الواقي من الجزأرة واغراق مصر في دمها!
وما يسمى في فقه النزاعات الاهلية تدوير الزوايا الحادة هو اول السطر في اية وصفة وطنية قابلة للتطبيق وانقاذ البلاد والعباد من جحيم دنيوي محتم.
لكن من يبادر؟ الامر كله منوط بالعقلاء او من تبقى منهم على قيد الحياة السياسية في مصر، فهي بلاد قطعت شوطا في التاريخ لا ينافسها فيه احد، ولا تقبل الاحتكار او الاستحواذ او حتى المحاصصة لهذا ما من مستقبل على الاطلاق لاي طرف يحلم باحتكار الحكم بحيث يصبح حاكما ومتحكما ايضا.
(الدستور)
وقدر تعلق هذا بمصر، فهي كانت لزمن طويل مثالا لتغييب العنف، فقبل ثورة يوليو 1952 وخلال النصف الاول من القرن الماضي لم تشهد سوى بضع عمليات اغتيال تعد على اصابع اليد، ومنها اغتيال النقراشي وغالي وعثمان، لكن هذه الأحوال تبدلت ومرت مصر في ثمانينات القرن الماضي واوائل تسعيناته بمرحلة من العنف ذهب ضحيتها مفكرون وناشطون وساسة وتعرض ابرز مثقفيها نجيب محفوظ للذبح في شيخوخته.
اما ما يقال الان عن احتمالات «جزأرة» مصر يعيد الى الذاكرة ما يسميه الجزائريون في تقاويمهم وادبياتهم السياسية «العشرية السوداء»، واذكر انني قبل عام وفي مثل هذه الايام سمعت من اصدقاء جزائريين بمناسبة احتفالاتهم بذكرى التحرير روايات يصعب على المرء احتمالها بدءا من ذبح الاطفال بسكاكين عمياء حتى الاجهاز على اسر بكاملها واحيانا على قرى بمن فيها.
العشرية الجزائرية السوداء كربلاء سياسية من طراز آخر، لكنها ليست تراجيدية بقدر ما هي تعبير عن مكبوت سياسي وسادية لهذا تحولت الى فوبيا، تخطت حدود الجزائر الى العالمين العربي والاسلامي.
وما جرى في مصر خلال ثلاثين شهرا وما قد يجري ايضا على الوتيرة ذاتها ينذر بعنف متبادل قد تكون ضحيته الكبرى والاولى هي مصر ذاتها.
مصر العاطلة عن العمل والحياة منذ اكثر من عامين لان ملايينها في الشوارع والساحات، ومؤسسات الدولة فيها عرضة للمزيد من التفكيك، فوبيا الجزأرة هي من تجليات الصراع المزمن بين الخوذ والعمائم والقول بان لدى مصر احتياطيا حضاريا ومدنيا يحول دون الجزأرة به الكثير من التفاؤل، لان العنف عندما يصبح مناخات محمومة ومبثوثة في النسيج الاجتماعي لا يحول دون تمدده اي احتياط، لهذا فان الحدّ الادنى من الوئام الوطني هو اللقاح الوحيد او المصل الواقي من الجزأرة واغراق مصر في دمها!
وما يسمى في فقه النزاعات الاهلية تدوير الزوايا الحادة هو اول السطر في اية وصفة وطنية قابلة للتطبيق وانقاذ البلاد والعباد من جحيم دنيوي محتم.
لكن من يبادر؟ الامر كله منوط بالعقلاء او من تبقى منهم على قيد الحياة السياسية في مصر، فهي بلاد قطعت شوطا في التاريخ لا ينافسها فيه احد، ولا تقبل الاحتكار او الاستحواذ او حتى المحاصصة لهذا ما من مستقبل على الاطلاق لاي طرف يحلم باحتكار الحكم بحيث يصبح حاكما ومتحكما ايضا.
(الدستور)