حَضَرتْ الصور ... وغابت الرسائل
حسين الرواشدة
جو 24 : حين تدقق في مرآة الاحداث في مصر لكي ترى صورتنا ستكتشف بان امامك أكثر من صورة، احداها تعبّر عن الموقف الرسمي الذي انحاز مبكرا “للجولة” الثانية من الثورة باعتبارها مطلبا شعبيا تبناه الجيش بدعم من المؤسسات الدينية وبعض الشخصيات ذات الميول اليسارية والإسلامية، وصورة اخرى تعكس موقف الحركة الاسلامية التي اعتبرت ما حصل “انقلابا” على الرئيس المنتخب وعلى استحقاقات الثورة، وصورة ثالثة تحمل مشاعر البهجة او التشفي مما جرى للاخوان، وهذه عبّرت عنه القوى اليسارية والقومية التي ترفض المشروع الاسلامي ووصول “الاخوان” الى الحكم، اما الصورة الرابعة فهي تمثل هواجس الناس الذين افزعتهم مشاهد الانقسام في الميادين المصرية وهؤلاء اختاروا موقف المتفرجين والراصدين دون ان تفوتهم مخاوف انتقال العدوى الى مجتمعهم.
اللافت ان لواقطنا السياسية والاعلامية استقبلت “الانقسامات” في مصر وتعاملت معها بمنطق “التوظيف” والتحشيد ايضا حتى تصورنا احيانا بأننا جزء من المشكلة، وبأن بلدنا “نسخة” اخرى يمكن ان يجري فيها ما جرى هناك.. وهذا تصور -بالطبع- مغلوط، لكن ثمة من اراد ان يعززه بدافع تصفية الحسابات او الاستفادة من الحدث لتوجيه ما يلزم من “ضربات” سياسية استباقية وقد لمسنا ذلك في محاولات تأجيج مشاعر “الكراهية” ضد الاسلاميين بذريعة ان فشل الاخوان في مصر هو فشل للاخوان وللاسلاميين حيثما كانوا، وبأن “الفتنة” التي يحاولون القيام بها في مصر هي ذاتها التي يفكر بها الاخوان هنا، دون اي اعتبار لحقيقة ما جرى من حيث انه “انقلاب” وان الاخوان ضحايا وان الجولة الجديدة من الثورة ليست مجرد انقلاب ضد الحكم الاسالمي وانما ضد “الثورة” والديمقراطية والحرية باعتراف طارق البشري الفقيه الدستوري الذي اختاره الثوار قبل نحو عام ونصف لوضع الدستور المصري الذي تم الغاؤه بقرار من العسكر.
للأسف، انتقلت الينا عدوى “الانقسامات” وانشغلنا بممارسة دور “الصدى” لما تشهده مصر، وغابت عنا رسائل اخرى كان من المفترض ان نستقبلها بانتباه، واهمها رسالة “المصالحة” الوطنية التي عجز اخواننا المصريون عن انجازها حتى الآن، فيما نحن بحاجة اليها اكثر من اي وقت مضى، زد على ذلك رسالة “التوافق” التي ضلّت جهودنا عن الوصول اليها في المرحلة الماضية، واصبح من المهم ان نتذكرها ونحن نرصد ونتابع ما يدور حولنا.
وسط ضجيج المحاججة التي انتقلت عدواها الينا بين من يدافع عن “الشرعية” ويصف ما جرى بانه انقلاب على الديمقراطية وبين من انحاز “لاجراءات” العسكر او تشفى بالاسلاميين، تشكلت صورتنا في مرآة الازمة المصرية في اطار “وهمي” جرى النفخ فيه والانشغال به لانزاله على الواقع في حالة “تقمص” غريب ومغشوش ايضا دون النظر الى ان مثل هذا “التماهي” ينعكس سلبا على مجتمعنا، وسيقودنا الى “تمثيل” المشهد او تكراره، سواء بسبب ممارسات النخب او تشابه “الحال” او الانتقال من الافتراضي الى الواقعي لاسباب معروفة سيكولوجيا ومفهومة سياسيا.
الآن، لا بد ان نعيد النظر في صورتنا لكي نراها في مرآتنا نحن لا في مرايا غيرنا، وافضل ما يمكن ان نفعله ان نستلهم من التجربة درسين اثنين: احدهما ان الانقسام في المجتمع لا يلد انتصارا لأي طرف وانما سيلد هزيمة للجميع وخسارة للبلد، والدرس الآخر ان الديمقراطية الحقة لا تخرج من الصناديق فقط وانما من “التوافقات” السياسية والاجتماعية والوطنية ولكي يتحقق ذلك لا بد ان نحرر مجتمعنا من اجواء “الاحتقان” ومنطق الاقصاء ومحاولات التصنيف والتهميش، وان نخرج من معادلات “التفرج” والرهان على الوقت، وتوظيف “المفزع” مما يجري حولنا لاقناع الناس بأنهم بخير... فهذا “الخير” الذي نريده يحتاج الى “ارادة” حقيقية للاصلاح، وقطيعة مع الماضي وتركاته على اساس المحاسبة والمساءلة لا على اساس “عفا الله عما سلف” كما يحتاج الى فرض نموذج جديد يقنع الناس بأن احتمالهم وصبرهم على الاوضاع الصعبة مقدر ومعتبر، وبان رسائلهم وصلت وفهمت، وبان ما التزم به الاردنيون للحفاظ على استقرارهم على امتداد عامين واكثر رغم كل العواصف التي هبت حولهم يستحق المكافأة وأي مكافأة افضل من التقدم نحو العدالة والديمقراطية وتحقيق الاصلاح الذي ينتظرونه “والفرج” الذي يتطلعون اليه...
(الدستور)
اللافت ان لواقطنا السياسية والاعلامية استقبلت “الانقسامات” في مصر وتعاملت معها بمنطق “التوظيف” والتحشيد ايضا حتى تصورنا احيانا بأننا جزء من المشكلة، وبأن بلدنا “نسخة” اخرى يمكن ان يجري فيها ما جرى هناك.. وهذا تصور -بالطبع- مغلوط، لكن ثمة من اراد ان يعززه بدافع تصفية الحسابات او الاستفادة من الحدث لتوجيه ما يلزم من “ضربات” سياسية استباقية وقد لمسنا ذلك في محاولات تأجيج مشاعر “الكراهية” ضد الاسلاميين بذريعة ان فشل الاخوان في مصر هو فشل للاخوان وللاسلاميين حيثما كانوا، وبأن “الفتنة” التي يحاولون القيام بها في مصر هي ذاتها التي يفكر بها الاخوان هنا، دون اي اعتبار لحقيقة ما جرى من حيث انه “انقلاب” وان الاخوان ضحايا وان الجولة الجديدة من الثورة ليست مجرد انقلاب ضد الحكم الاسالمي وانما ضد “الثورة” والديمقراطية والحرية باعتراف طارق البشري الفقيه الدستوري الذي اختاره الثوار قبل نحو عام ونصف لوضع الدستور المصري الذي تم الغاؤه بقرار من العسكر.
للأسف، انتقلت الينا عدوى “الانقسامات” وانشغلنا بممارسة دور “الصدى” لما تشهده مصر، وغابت عنا رسائل اخرى كان من المفترض ان نستقبلها بانتباه، واهمها رسالة “المصالحة” الوطنية التي عجز اخواننا المصريون عن انجازها حتى الآن، فيما نحن بحاجة اليها اكثر من اي وقت مضى، زد على ذلك رسالة “التوافق” التي ضلّت جهودنا عن الوصول اليها في المرحلة الماضية، واصبح من المهم ان نتذكرها ونحن نرصد ونتابع ما يدور حولنا.
وسط ضجيج المحاججة التي انتقلت عدواها الينا بين من يدافع عن “الشرعية” ويصف ما جرى بانه انقلاب على الديمقراطية وبين من انحاز “لاجراءات” العسكر او تشفى بالاسلاميين، تشكلت صورتنا في مرآة الازمة المصرية في اطار “وهمي” جرى النفخ فيه والانشغال به لانزاله على الواقع في حالة “تقمص” غريب ومغشوش ايضا دون النظر الى ان مثل هذا “التماهي” ينعكس سلبا على مجتمعنا، وسيقودنا الى “تمثيل” المشهد او تكراره، سواء بسبب ممارسات النخب او تشابه “الحال” او الانتقال من الافتراضي الى الواقعي لاسباب معروفة سيكولوجيا ومفهومة سياسيا.
الآن، لا بد ان نعيد النظر في صورتنا لكي نراها في مرآتنا نحن لا في مرايا غيرنا، وافضل ما يمكن ان نفعله ان نستلهم من التجربة درسين اثنين: احدهما ان الانقسام في المجتمع لا يلد انتصارا لأي طرف وانما سيلد هزيمة للجميع وخسارة للبلد، والدرس الآخر ان الديمقراطية الحقة لا تخرج من الصناديق فقط وانما من “التوافقات” السياسية والاجتماعية والوطنية ولكي يتحقق ذلك لا بد ان نحرر مجتمعنا من اجواء “الاحتقان” ومنطق الاقصاء ومحاولات التصنيف والتهميش، وان نخرج من معادلات “التفرج” والرهان على الوقت، وتوظيف “المفزع” مما يجري حولنا لاقناع الناس بأنهم بخير... فهذا “الخير” الذي نريده يحتاج الى “ارادة” حقيقية للاصلاح، وقطيعة مع الماضي وتركاته على اساس المحاسبة والمساءلة لا على اساس “عفا الله عما سلف” كما يحتاج الى فرض نموذج جديد يقنع الناس بأن احتمالهم وصبرهم على الاوضاع الصعبة مقدر ومعتبر، وبان رسائلهم وصلت وفهمت، وبان ما التزم به الاردنيون للحفاظ على استقرارهم على امتداد عامين واكثر رغم كل العواصف التي هبت حولهم يستحق المكافأة وأي مكافأة افضل من التقدم نحو العدالة والديمقراطية وتحقيق الاصلاح الذي ينتظرونه “والفرج” الذي يتطلعون اليه...
(الدستور)