2024-11-26 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الاخوان.. والسؤال الضائع اردنيا !!

د. حسن البراري
جو 24 : في خضم حالة الاستقطاب الحاد بين مؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي وبين انصار القوى التي اطاحت به وضياع السؤال الاهم مصريا (المتعلق بكيفية صوغ قواعد اللعبة السياسية من جديد بشكل لا يقصى فيه اي مكون لاستباق انهيار الوضع السياسي وسيناريوهات أخرى لن تفيد احدا في مصر) ضاع السؤال الاهم اردنيا وهو: كيف ترسو سفينتنا على شط الامان؟

أردنيا، يمكن التمييز بين فريقين لكل منهما قراءته الرغائبية الخاصة به وانحيازاته السياسية السابقة للازمة المصرية، وقد جهد كل فريق في تطويع الحقائق للتدليل على صدقية موقفه. فالاردن الرسمي عبر عن فرحة غامرة وايد الانقلاب العسكري واعتبره انتصارا لخط الدولة الرسمي المعادي للحريات والذي يرتعد خوفا من الاصلاح الحقيقي، فما أن قام الجيش المصري بتعيين رئيس جديد لمصر مكان رئيس منتخب حتى سارع الملك عبدالله الثاني الى تهنئة الرئيس وقام الاعلام الرسمي بشن حملة شعواء ضد الاخوان المسلمين اينما كانوا.

وفي الايام التي تلت الانقلاب قرأنا مقالات وتقارير في الصحافة الاردنية مليئة بالفبركات نالت من الاسلاميين بشكل غير انساني وانتقائي وبعقلية التصيد والتشفي ايضا، ما دفع العديد من الاردنيين للتعاطف مع الاسلاميين بدلا من ازدرائهم. وقد شكل التطور الدراماتيكي في مصر فرصة مناسبة لقوى الشد العكسي التي تحاول استثمار هذه الفرصة لتقليم اظافر الحركة حتى لو كان الثمن تعزيز خطاب الكراهية المقيت، فهناك تخوف رسمي مبالغ فيه من الاخوان المسلمين وهو ما كشف عنه الصحفي الاميركي جيفري غولدبيرغ الذي نقل عن الملك بانه لا يحبهم لانهم يخططون للتخلص منه.

وفي هذا السياق لم يستوعب الرسميون الدرس الحقيقي من المخاض المصري، فقد دفعتهم غرائزهم التسلطية الى التهليل بالحدث وكأن في ذلك اثبات لصدقية موقفهم السياسي المعارض للاصلاح. لم ينظر الرسميون بعيون الشعب الاردني الذي رأي بأم عينية كيف يمكن لشعب اعزل ان يتحرك ويعزل قادته الواحد تلو الآخر وبالتالي ففكرة ان الشعب مصدر السلطات ربما تترسخ في اذهان البعض فعلا وليس فقط قولا. وهذا الدرس كان يجب ان يدفع صناع القرار الى التفكير في خلق مناخات سياسية صحية تستند على التشاركية وليس الاقصاء، لأن الاقصائية التي مارسها الاسلاميون بمصر- كما كتبت الزميلة لميس اندوني- كانت ورقة بيد القوى المناهضة لمرسي والاخوان لتعبئة الشارع ضدهم. ويبدو ان لا مطبخ لصنع القرار بالاردن يمكن له ان يفكر بشكل استراتيجي، وبالتالي اخذت السياسة عندنا شكل ردات الفعل وبالقطعة وليس ضمن منظور رسمي يمكن له ان يتخطى الوضع القائم وضرورة المحافظة عليه لما فيه من مكتسبات كبيرة جدا للنخب الحاكمة...

بالمقابل، شن الاسلاميون وكتّابهم هجوما شرسا على الانقلاب واعتبروه انه جاء نتيجة لمؤامرة كونية ضدهم، واعتبر بعضهم ان المستهدف هو الاسلام وفي ذلك تضليل لا يخفى الا على السذج، لأن مرسي لم يفهم ابدا ان الديمقراطية لا تتوقف عن الانتخابات والصناديق، وهي تتطلب الاتفاق اولا وقبل كل شيء على الدستور وهو الشيء الذي لم يحصل ابتداءً. لكنهم ايضا محقون في مسألة ان ازاحة مرسي كانت يجب ان تتم من خلال الصناديق وليس من خلال العسكر. وهنا ارتكب العسكر خطأ كبيرا عندما قاموا بالانقلاب المدعوم شعبيا، فالمظاهرات المليونية والمشروعة ضد مرسي كانت يجب ان تنتهي باتفاق مع مرسي حول انتخابات مبكرة وليس عزله بهذه الطريقة التي تعكس بنية ذهنية كيدية وانتهازية. لكنه هو ايضا رفض الفكرة واعتبر ان كل ما يجري في سياق المؤامرة الامر الذي خلق ديناميكية غير عقلانية حكمت مواقف مختلف اللاعبين..

غاب عن الكثيرين ان ما يجري بمصر هو اقصاء واقصاء مضاد وأن المعركة هي على السلطة وليس على الديمقراطية بالرغم ان كل فصيل وكل طرف يغلف مواقفه بلغة ديمقراطية يعتقدون ان الغرب مغرم بها. وبالتالي فإن المعركة لا يمكن ان تكون على الاسلام كما لا يمكن اختزال الاسلام بهذا الفصيل او ذاك. من هنا فإن اصرار الاسلاميين على شرعية الصندوق لا ينطلق من ايمانهم بمخرجات العملية الديمقراطية بل لأن الانتخابات لدى الكثيرين منهم هي وسيلة للوصول الى السلطة لتنفيذ برنامج اقصائي بحجة انهم يملكون تفويضا شعبيا. فالحديث عن الدستور والصناديق يفقد معناه العملي والاخلاقي بخروج ما يقارب ٣٠ مليون مصري طالبوا برحيل رئيس انتخبه فقط ١٢ مليون مصري مقابل ١١ مليون لرئيس وزراء مبارك اللواء احمد شفيق. في هذه الحالة يجب العودة مرة اخرى للشعب ليقول كلمته وهو ما اعتبره مرسي فخا نصب للاطاحة به، وبالتالي فضل الخروج بشكل يبدو فيه مظلوما ليغطي على ضعف ادائه وانعدام رؤيته السياسية.

طبعا من المستحيل حل الازمة المصرية لصالح اي طرف بشك كامل، فالنصر الكامل لاي فريق ما هو الا مدعاة لتفجير الاوضاع. وهنا السؤال المفقود يتعلق بما يجب ان يحدث حتى تستمر مصر في مسيرتها الديمقراطية. فمصر ليست ديمقراطية مستقرة حتى يكوّن الواحد منا موقفا واضحا من الانقلاب، وانما في قيد التحول الديمقراطي الذي عادة ما تشوبه بعض النكسات. اما التمترس والتخندق والاستقطاب فلن يجد نفعا لأنه يكشف الاسوأ عند الطرفين.

اما السؤال الضائع اردنيا فهو: كيف يمكن لسفينتنا ان ترسو على بر الامان؟ اعتقد ان ما حدث بمصر والاحداث الجارية بسوريا يمكن ان توفر فرصة لنا جميعا لاعادة النظر في اليات الحكم والبرنامج الاصلاحي والملف الديمقراطي برمته، فالشعب الاردني اثبت على مدار الصحوة العربية وربيعها انه منتم لوطنه وانه لا يفرط به وكل ما يطالب به هو جرعة من الاصلاح تسمح بالتمكين الديمقراطي الحقيقي. وسيكون من السهل جدا على كل طرف ان يتمترس والنتيجة هي ازمة تولد ازمة وفجوة الثقة بين الاردنيين ومن يحكمهم تتفاقم يوما بعد يوم.

لا يبدو ان ادوات الملك في الحكم قادرة على تعلم الدرس المصري او رؤيته اكثر من كونه برهانا على موقفهم الرجعي، وبالتالي يحتاج الملك لانقلاب على النخب الحاكمة حتى يتوفر لديه اليات مناسبة للتمهيد لانتقال ديمقراطي سلمي.

والشيء بالشيء يذكر، ولا يمكن ليد واحدة ان تصفق، فالاسلاميون بحاجة الى اجراء مراجعة بعد ان تبين ان كل شعبيتهم لا تعني شيئا امام اغلبية شعبية ساحقة لا تتفق مع برامجهم الاقصائية، وإذا ما تمكن اسلاميو الاردن من تكثيف عملهم السياسي بقصد التوصل الى توافقات وطنية بدلا من لعن الظلام عندها يمكن القول ان طرفا مهما بدأ يستعد بشكل ايجابي للاصلاح التدرجي والتوافقي. وحتى نبتعد عن ثنائية الدولة والاسلاميين ينبغى على القوى السياسية الاخرى ان تعمل بكد لانتاج الطريق الثالث الذي تتآمر عليه كل من الدولة والاسلاميين معا.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير