هذا «الهدوء» كيف نفهمه؟
حسين الرواشدة
جو 24 : باستثناء حراك “النخب” على إيقاع الحدث المصري وما أثاره من ضجيج وردود، تخيم حالة من “السكون” والصمت على مجتمعنا، وكأننا قد دخلنا فعلا في صيام سياسي، امتنعنا فيه عن الكلام وعن الحركة والعمل.
لاحظ مثلا أن قرار رفع أسعار الكهرباء بعد انتهاء رمضان مرَّ دون أن يعلق عليه أحد، لاحظ أيضا أن رفع الضريبة على الاتصالات الخلوية كاد ان يحظى بموافقة البعض لولا إعلانات الرفض التي نشرتها الشركات للتبرؤ من المشاركة بالقرار، لاحظ أيضا ان جلسات البرلمان تنتظم دون انفعالات.. وأن القوانين التي تذهب من النواب الى الأعيان بالعكس - على أهميتها - لا تثير الشهية للنقاش العام ولا تدفع حتى فقهاء التشريع الى التعليق على بنودها المختلف عليها.
إذا دققت اكثر في الشارع ستلاحظ ان “الحراكات” هدأت تماماً، وان المطالبات التي كانت تتردد اصداؤها في ساحات مؤسساتنا لانتزاع ما يلزم من حقوق وزيادات قد توقفت تماماً، وستلاحظ ايضا ان اخواننا المسؤولين التزموا بيوتهم ومكاتبهم، ولا يخرجون إلا للمشاركة في موائد الافطار، وكأنهم قد أعلنوا الصيام “السياسي” امتثالاً للشهر الفضيل.
حالة “السكون” التي تحيط بمجتمعنا في رمضان لا تبدو طبيعية، بخاصة إذا تذكرنا أن آخر استطلاعات الرأي تشير الى أن اكثر من نصف الاردنيين يعتقدون أن “امورنا تسير في الاتجاه الخطأ”، وان “الملف” الاقتصادي الصعب يلقي بظلاله على نفسية الناس، ويجعلهم اقل قدرة على الاحتمال والصبر وأكثر ميولاً للتوتر والقلق.
ثمة من يعتقد ان الصور المفزعة التي تأتينا من وراء الحدود دفعت المجتمع الى “السكون” والتحلي بالصبر، وثمة من يرى ان حالة الارتباك وما تولده من هواجس لدى الناس جعلتهم “مصدومين” وغير قادرين على تحديد اتجاهاتهم أو مواقفهم، وثمة من يتصور أن وراء “الهدوء” حالة من الرضا والاقتناع، فأحوالنا -قياسا بغيرنا- تبدو افضل، ولا مصلحة لأحد في التغيير.. لكن مقابل ذلك يراود البعض شعور مخيف من تراجع “حيوية” المجتمع وقلة صلته وميوله الى “الانطواء والعزلة” ويرى هؤلاء ان هذه الحالة ستكون مؤقتة، لأنها مرتبطة بظروف مؤقتة ايضا، لكن لا أحد يعرف في أية لحظة سيتغير مزاج الناس.. وفي أي اتجاه سيصب غضبهم إذا لم تتحسن ظروفهم ولم يروا أملا في نهاية النفق.
لا ادري لماذا أحس بأن مجتمعنا في رمضان تحديدا يتحول الى جسد بلا حراك، وكأن طاقة الصيام قد حرمته من “الروح” التي يمكن ان تعيد اليه الهمة والحركة والقوة، لكن ما أعرفه أن الناس في هذا الشهر يؤثرون “الانتظار”: انتظار الآذان، وانتظار العيد، وانتظار الفرج ايضاً، وبالتالي فإن التفسير الوحيد لحالة “السكون” التي يتقمصونها هو في “الترقب” الذي يعتقدون أن ما بعده سيكون مختلفاً.. وربما يكون افضل.
كل ما أرجوه ألا تشغلنا أوهام “الاسترخاء” والشعور بالرضا لما تحقق عما يحدث داخل المجتمع من معاناة حقيقية، وألا نركن الى هذا “السكون” ولا إلى ما يمارسه البعض من تحشيد لتخويفنا مما يحصل حولنا لكي نبرئ ذمتنا من الإصلاح و مواجهة الغلاء و استمراء رفع الأسعار و”طي” صفحة الفساد.. بحجة أن عصر الاحتجاجات انتهى، أو أن الشارع هدأ، أو أن فريقا معينا خسر في الجولة..
أرجو ألا يأخذنا “وهم” التقييم المتعجل، والبهجة العابرة بما تحقق في دول اخرى الى الاطمئنان بأن بلدنا استرد عافيته بدلالة “صمت” الناس وسكون حركتهم.. لأننا حينئذ نخطئ في التصور والتشخيص.. وفي تقدير المآلات أيضاً.
(الدستور)
لاحظ مثلا أن قرار رفع أسعار الكهرباء بعد انتهاء رمضان مرَّ دون أن يعلق عليه أحد، لاحظ أيضا أن رفع الضريبة على الاتصالات الخلوية كاد ان يحظى بموافقة البعض لولا إعلانات الرفض التي نشرتها الشركات للتبرؤ من المشاركة بالقرار، لاحظ أيضا ان جلسات البرلمان تنتظم دون انفعالات.. وأن القوانين التي تذهب من النواب الى الأعيان بالعكس - على أهميتها - لا تثير الشهية للنقاش العام ولا تدفع حتى فقهاء التشريع الى التعليق على بنودها المختلف عليها.
إذا دققت اكثر في الشارع ستلاحظ ان “الحراكات” هدأت تماماً، وان المطالبات التي كانت تتردد اصداؤها في ساحات مؤسساتنا لانتزاع ما يلزم من حقوق وزيادات قد توقفت تماماً، وستلاحظ ايضا ان اخواننا المسؤولين التزموا بيوتهم ومكاتبهم، ولا يخرجون إلا للمشاركة في موائد الافطار، وكأنهم قد أعلنوا الصيام “السياسي” امتثالاً للشهر الفضيل.
حالة “السكون” التي تحيط بمجتمعنا في رمضان لا تبدو طبيعية، بخاصة إذا تذكرنا أن آخر استطلاعات الرأي تشير الى أن اكثر من نصف الاردنيين يعتقدون أن “امورنا تسير في الاتجاه الخطأ”، وان “الملف” الاقتصادي الصعب يلقي بظلاله على نفسية الناس، ويجعلهم اقل قدرة على الاحتمال والصبر وأكثر ميولاً للتوتر والقلق.
ثمة من يعتقد ان الصور المفزعة التي تأتينا من وراء الحدود دفعت المجتمع الى “السكون” والتحلي بالصبر، وثمة من يرى ان حالة الارتباك وما تولده من هواجس لدى الناس جعلتهم “مصدومين” وغير قادرين على تحديد اتجاهاتهم أو مواقفهم، وثمة من يتصور أن وراء “الهدوء” حالة من الرضا والاقتناع، فأحوالنا -قياسا بغيرنا- تبدو افضل، ولا مصلحة لأحد في التغيير.. لكن مقابل ذلك يراود البعض شعور مخيف من تراجع “حيوية” المجتمع وقلة صلته وميوله الى “الانطواء والعزلة” ويرى هؤلاء ان هذه الحالة ستكون مؤقتة، لأنها مرتبطة بظروف مؤقتة ايضا، لكن لا أحد يعرف في أية لحظة سيتغير مزاج الناس.. وفي أي اتجاه سيصب غضبهم إذا لم تتحسن ظروفهم ولم يروا أملا في نهاية النفق.
لا ادري لماذا أحس بأن مجتمعنا في رمضان تحديدا يتحول الى جسد بلا حراك، وكأن طاقة الصيام قد حرمته من “الروح” التي يمكن ان تعيد اليه الهمة والحركة والقوة، لكن ما أعرفه أن الناس في هذا الشهر يؤثرون “الانتظار”: انتظار الآذان، وانتظار العيد، وانتظار الفرج ايضاً، وبالتالي فإن التفسير الوحيد لحالة “السكون” التي يتقمصونها هو في “الترقب” الذي يعتقدون أن ما بعده سيكون مختلفاً.. وربما يكون افضل.
كل ما أرجوه ألا تشغلنا أوهام “الاسترخاء” والشعور بالرضا لما تحقق عما يحدث داخل المجتمع من معاناة حقيقية، وألا نركن الى هذا “السكون” ولا إلى ما يمارسه البعض من تحشيد لتخويفنا مما يحصل حولنا لكي نبرئ ذمتنا من الإصلاح و مواجهة الغلاء و استمراء رفع الأسعار و”طي” صفحة الفساد.. بحجة أن عصر الاحتجاجات انتهى، أو أن الشارع هدأ، أو أن فريقا معينا خسر في الجولة..
أرجو ألا يأخذنا “وهم” التقييم المتعجل، والبهجة العابرة بما تحقق في دول اخرى الى الاطمئنان بأن بلدنا استرد عافيته بدلالة “صمت” الناس وسكون حركتهم.. لأننا حينئذ نخطئ في التصور والتشخيص.. وفي تقدير المآلات أيضاً.
(الدستور)