انقلابيون «بالزّيّ» المدني
حسين الرواشدة
جو 24 : في عصر الاحتفاء بالانقلابات، ارجوك لا تستغرب اي شيء!
صحيح ان “فن” الانقلاب ومهاراته من نصيب “العسكر” لكن حين تدقق في مشهدنا السياسي ستكتشف على الفور ان الكثير من السياسيين والاعلاميين ارتدوا الزي العسكري واصبحوا انقلابيين اكثر من العسكر.
خذ مثلا هذا الذي انتقل بطرفة عين من “تمجيد” التجارب الاسلامية في الحكم الى الصاق تهم العنف والعمالة للاجنبي والارتباط بالقاعدة والانتهازية للوصول الى السلطة بها، وخذ –ايضا- هذا الذي يناضل من اجل الديمقراطية ثم ينقلب فجأة لكي يحتفي “بالانقلاب” عليها، ويشهر “شماتته” بازاجة اول رئيس مدني منتخب في مصر بذريعة ان “الاخوان” يتبنون المشروع الامريكي الصهيوني، وان “الاصولية” الاسلامية ستنقض على “العروبة”، وخذ ثالثا هذا الذي يدعو الى ايداع “الاسلاميين” في مصحات عقلية لانهم يفكرون خارج العصر، ولان “الديمقراطية” التي جاءت بهم مجرد “خطأ” ارتكبه الشعب وسرعان ما كفّر عنه.
حين تطالع هذا “الضجيج” وتعاول ان تفهم سر هذه الكراهية التي يضمرها هؤلاء لكل من يعمل في اطار “الاسلام” لا تجد سوى سبب واحد هو انهم مسكونون “بفوبيا” سياسية من وصول الاسلاميين الى السلطة، وانهم يمارسون اسوأ انواع الانتهازية للانقلاب على ما يظهرونه من الخيارات للديمقراطية والحرية اذا ما وجدوا ان الصناديق اختارت غيرهم.
نحن لا ندافع عن “الاخوان” في مصر ولا في غيرها، ولكننا ضد “فكرة” الانقلاب على الديمقراطية سواء أكان الاسلاميون هم المستهدفين ام غيرهم ونحن لا نبرّىء الذين حكموا مصر لمدة سنة واحدة من الاخطاء، ولكننا ندعو الى “اعتماد” مسطرة واحدة للحكم على التجارب السياسية، فالاخطاء التي ارتكبها الاسلاميون سواء في مصر او تونس او تركيا لا تساوي واحدا بالالف من الجرائم التي ارتكبها الحكام الذين صفق لهم اخواننا اليساريون والقوميون سواء في سوريا التي قتل النظام فيها مئات الالاف من السوريين او في تونس التي نهب رئيسها المطرود ثروة الشعب وداس على حريته وكرامته او في غيرهما من الاقطار التي لم تسمح للناس فيها باستنشاق الحرية او ممارسة الديمقراطية او الاحساس بالكرامة الوطنية.
اذن، لماذا يكرهون “الاسلاميين” ويحشدون ضدهم؟ ولماذا يتحول هؤلاء الذين أصمّوا آذاننا بالدعوة الى “التحرر” والتحريض على الاستبداد الى “انقلابيين” في صف العسكر؟ ولماذا يتحررون من مبادئهم وقيمهم ومن اخلاقيات الخصومة السياسية حين يكون الامر متعلقا “بالاسلام” وتياراته المختلفة؟ هل “عقيدة” النقص هي التي تحركهم للانقضاض على مشروع الامة الذي يدركون انهم لا يؤمنون به؟ هل هو الاحساس بافتقادهم “الوزن” السياسي في شارع كشفهم مبكرا وانحاز لغيرهم؟ هل هي الانتهازية التي تجعلهم اكثر حرصا على السلطة حتى لو كان ثمنها مزيدا من الانقسامات والحروب الاهلية؟
اذا اردت أن تفهم “اللغز” الذي يدفع هؤلاء الى تسميم الاجواء بما يلزم من الكراهية والشحن واقصاء الآخرين فأرجو ان تحدق في “المختبر” السوري؛ هذا الذي يستخدمه هؤلاء لتحليل دماء “الكون” فيما اذا كانت فصيلتهم مع الاسد او ضده، وعليها يحكمون ويصنفون من هو معهم او ضدهم، في هذا المختبر ستكتشف بان هؤلاء “الانقلابيين” الذين ابتهجوا بسقوط مرسي لا يترددون في التصفيق للنظام الذي يواجه حربا ومؤامرة “كونية” وهم ضد ثورة الشعب عليه باعتبار ان الشعب السوري لا يعرف ماذا يفعل ولم ينضج بعد للتحرر من الاستبداد وممارسة الديمقراطية اما حين يطيح العسكر برئيس منتخب فهم يقفون مع مع العسكر باعتبار ان “الثورة” ضد الاسلاميين انجاز قومي، وان استبداد “العسكر” مشروع ومطلوب ما دام ان البديل هو “الديمقراطية” بدمغة اسلامية.
لا ادري كيف يتصرف هؤلاء حين يواجهون سؤال الضمير الذي تفرضه عليهم لحظة الحساب مع انفسهم ومع القيم والمبادىء التي يبشرون الناس بها؟ ولا ادري كيف يجرؤون على الاستهانة بعقل الجمهور وهم يشحنونه بأوهام لا صلة لها بالواقع، وبأكاذيب لا علاقة لها بالحدث؟ وكيف تغفو عيونهم وهم يقلبون الحقائق الى اباطيل ويحولون الضحايا الى مجرمين ويدفعون المجتمع الى صراعات مدمرة ويكفرون بالديمقراطية وينقضون عليها ما دامت انها لم تصب في حساباتهم الضيقة؟
هؤلاء الذين ظلموا الامة وحرموها من التمكين لمشروعها وجردوها من القدرة على الوقوف صلبة على اقدامها، وجرّوا شعوبها الى الصراع وانقلبوا على ابسط ما يؤمن به العالم من مبادىء ديمقراطية وزيفوا وعي مجتمعاتهم بما حظوا به من منابر اعلامية، هؤلاء يستحقون ان نجهر “بالسوء” ضد افعالهم ونكشف نواياهم ومقاصدهم لا دفاعا عن الاسلاميين ولا عن السلطة وانما عن الديمقراطية التي دفعت الشعوب ثمنها من دمائها العزيزة.
(الدستور)
صحيح ان “فن” الانقلاب ومهاراته من نصيب “العسكر” لكن حين تدقق في مشهدنا السياسي ستكتشف على الفور ان الكثير من السياسيين والاعلاميين ارتدوا الزي العسكري واصبحوا انقلابيين اكثر من العسكر.
خذ مثلا هذا الذي انتقل بطرفة عين من “تمجيد” التجارب الاسلامية في الحكم الى الصاق تهم العنف والعمالة للاجنبي والارتباط بالقاعدة والانتهازية للوصول الى السلطة بها، وخذ –ايضا- هذا الذي يناضل من اجل الديمقراطية ثم ينقلب فجأة لكي يحتفي “بالانقلاب” عليها، ويشهر “شماتته” بازاجة اول رئيس مدني منتخب في مصر بذريعة ان “الاخوان” يتبنون المشروع الامريكي الصهيوني، وان “الاصولية” الاسلامية ستنقض على “العروبة”، وخذ ثالثا هذا الذي يدعو الى ايداع “الاسلاميين” في مصحات عقلية لانهم يفكرون خارج العصر، ولان “الديمقراطية” التي جاءت بهم مجرد “خطأ” ارتكبه الشعب وسرعان ما كفّر عنه.
حين تطالع هذا “الضجيج” وتعاول ان تفهم سر هذه الكراهية التي يضمرها هؤلاء لكل من يعمل في اطار “الاسلام” لا تجد سوى سبب واحد هو انهم مسكونون “بفوبيا” سياسية من وصول الاسلاميين الى السلطة، وانهم يمارسون اسوأ انواع الانتهازية للانقلاب على ما يظهرونه من الخيارات للديمقراطية والحرية اذا ما وجدوا ان الصناديق اختارت غيرهم.
نحن لا ندافع عن “الاخوان” في مصر ولا في غيرها، ولكننا ضد “فكرة” الانقلاب على الديمقراطية سواء أكان الاسلاميون هم المستهدفين ام غيرهم ونحن لا نبرّىء الذين حكموا مصر لمدة سنة واحدة من الاخطاء، ولكننا ندعو الى “اعتماد” مسطرة واحدة للحكم على التجارب السياسية، فالاخطاء التي ارتكبها الاسلاميون سواء في مصر او تونس او تركيا لا تساوي واحدا بالالف من الجرائم التي ارتكبها الحكام الذين صفق لهم اخواننا اليساريون والقوميون سواء في سوريا التي قتل النظام فيها مئات الالاف من السوريين او في تونس التي نهب رئيسها المطرود ثروة الشعب وداس على حريته وكرامته او في غيرهما من الاقطار التي لم تسمح للناس فيها باستنشاق الحرية او ممارسة الديمقراطية او الاحساس بالكرامة الوطنية.
اذن، لماذا يكرهون “الاسلاميين” ويحشدون ضدهم؟ ولماذا يتحول هؤلاء الذين أصمّوا آذاننا بالدعوة الى “التحرر” والتحريض على الاستبداد الى “انقلابيين” في صف العسكر؟ ولماذا يتحررون من مبادئهم وقيمهم ومن اخلاقيات الخصومة السياسية حين يكون الامر متعلقا “بالاسلام” وتياراته المختلفة؟ هل “عقيدة” النقص هي التي تحركهم للانقضاض على مشروع الامة الذي يدركون انهم لا يؤمنون به؟ هل هو الاحساس بافتقادهم “الوزن” السياسي في شارع كشفهم مبكرا وانحاز لغيرهم؟ هل هي الانتهازية التي تجعلهم اكثر حرصا على السلطة حتى لو كان ثمنها مزيدا من الانقسامات والحروب الاهلية؟
اذا اردت أن تفهم “اللغز” الذي يدفع هؤلاء الى تسميم الاجواء بما يلزم من الكراهية والشحن واقصاء الآخرين فأرجو ان تحدق في “المختبر” السوري؛ هذا الذي يستخدمه هؤلاء لتحليل دماء “الكون” فيما اذا كانت فصيلتهم مع الاسد او ضده، وعليها يحكمون ويصنفون من هو معهم او ضدهم، في هذا المختبر ستكتشف بان هؤلاء “الانقلابيين” الذين ابتهجوا بسقوط مرسي لا يترددون في التصفيق للنظام الذي يواجه حربا ومؤامرة “كونية” وهم ضد ثورة الشعب عليه باعتبار ان الشعب السوري لا يعرف ماذا يفعل ولم ينضج بعد للتحرر من الاستبداد وممارسة الديمقراطية اما حين يطيح العسكر برئيس منتخب فهم يقفون مع مع العسكر باعتبار ان “الثورة” ضد الاسلاميين انجاز قومي، وان استبداد “العسكر” مشروع ومطلوب ما دام ان البديل هو “الديمقراطية” بدمغة اسلامية.
لا ادري كيف يتصرف هؤلاء حين يواجهون سؤال الضمير الذي تفرضه عليهم لحظة الحساب مع انفسهم ومع القيم والمبادىء التي يبشرون الناس بها؟ ولا ادري كيف يجرؤون على الاستهانة بعقل الجمهور وهم يشحنونه بأوهام لا صلة لها بالواقع، وبأكاذيب لا علاقة لها بالحدث؟ وكيف تغفو عيونهم وهم يقلبون الحقائق الى اباطيل ويحولون الضحايا الى مجرمين ويدفعون المجتمع الى صراعات مدمرة ويكفرون بالديمقراطية وينقضون عليها ما دامت انها لم تصب في حساباتهم الضيقة؟
هؤلاء الذين ظلموا الامة وحرموها من التمكين لمشروعها وجردوها من القدرة على الوقوف صلبة على اقدامها، وجرّوا شعوبها الى الصراع وانقلبوا على ابسط ما يؤمن به العالم من مبادىء ديمقراطية وزيفوا وعي مجتمعاتهم بما حظوا به من منابر اعلامية، هؤلاء يستحقون ان نجهر “بالسوء” ضد افعالهم ونكشف نواياهم ومقاصدهم لا دفاعا عن الاسلاميين ولا عن السلطة وانما عن الديمقراطية التي دفعت الشعوب ثمنها من دمائها العزيزة.
(الدستور)