أهداف في المرمى «الغلط»!
حسين الرواشدة
جو 24 : انتظرت على مدى الأيام الماضية أن أسمع “نقطة نظام” من أي طرف سياسي أو إعلامي للاحتجاج على “الهجمة” التي يتعرض لها الإسلاميون في بلادنا بلا سبب. إلا إذا اعتبرنا موقفهم المنحاز ضد الانقلاب في مصر تهمة تستحق كل هذا التعنيف، انتظرت طويلا ولكن بلا جدوى!
للأسف، أخذ البعض “الإخوان” في الإردن بجريرة ما حصل في مصر، ومن المفارقات أن أحدا في بلداننا العربية التي يشكل فيها الإسلاميون طرفا معتبرا في المعادلات السياسية لم يفعلوا ما فعلناه، حتى تصورت أننا الوحيدون الذين “تقمصنا” صورة الانقلاب على الإخوان في مصر، وفتحنا “النار” ضدهم، وحمّلناهم جريمة لم يرتكبوها، فلا هم وصلوا للحكم وفشلوا حتى نشهر الانقلاب ضدهم، ولا هم أساءوا للبلد حين انحازوا لإخوانهم في مصر حتى نخرجهم من دائرة “الملة الوطنية”.
لم أجد - بالطبع - أي حكمة في “التعبئة” ضد هؤلاء الذين التزموا على مدى العامين المنصرمين بالحد الأعلى من العقلانية والسلمية في مطالبتهم بالإصلاح، ولا أعتقد أن وراء هذه الهجمة أية مصلحة لبلدنا، وكنت سأفهم أن تتوجه أصابع النقد نحو “اخوان” مصر التزاما أو تأييدا للموقف الرسمي الذي انحاز “للانقلاب” لكنني لم استوعب أن يتحول البعض الى “صدى” لما يتردد في مصر ضد الإخوان ثم نقحمه على أوضاعنا الداخلية، وكأننا ننتظر هذه اللحظة لنوظفها في معركة وهمية لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
المشكلة ليست في هذه الأصوات التي خبرناها تتصيد كل مرة لتشويه الإسلاميين والدعوة لإقصائهم والتشكيك بمواقفهم، ولكن المشكلة أن صوت “الحكماء” غاب تماما عن المشهد، لدرجة أن من يتابع أخبارنا في الإعلام يظن أن ما حدث في مصر انتقل الينا، وان صدام العسكر مع الإخوان هناك هو صورة مطابقة لصدام مع الإخوان هنا، مع من؟ لا يهم، ما دام أن الطرف المقابل هو الإخوان.
وما دام ان “التهمة” جاهزة لتحميلهم مسؤولية ما حدث حتى ولو كان مجرد موقف متعاطف او تصريحات وردود انفعالية، فذلك يكفي باعتقاد البعض لوضعهم في سلة واحدة، ومباغتتهم بالهجوم والدعوة لتقليم أظافرهم أيضا.
من المفارقات، أننا على مدى العامين المنصرمين شهدنا انحياز الأطراف اليسارية والقومية للنظام السوري الذي قتل شعبه، لكننا لم نشهد في وسائل إعلامنا ومنابرنا السياسية مثل هذه “الهجمة” ضدهم، وحتى حين تجرأ السفير السوري في عمان على “نقد” الدولة الأردنية ومؤسساتها، وانتقص من دورها وأساء لبعض شخصياتها، لم نسمع أيضا من “كتائب الإعلام” في بلادنا مثل هذه الردود القاسية التي استسهلوا توجيهها للإخوان.
كنت سأكون أول من ينتقد الإخوان المسلمين لو أنهم “عبثوا” بمقدساتنا الوطنية، أو خرجوا عن خط “التوافقات” السياسية، أو “انقلبوا” على الديمقراطية، وكنت سأكون أيضا أول من ينصف “غيرهم” من الفرقاء السياسيين لو تعرضوا لمثل هذه الهجمة غير المشروعة، لكن ما يدفعني إلى الشعور بالحيرة هو أن الإخوان في بلدنا ليسوا جزءا من المشكلة التي حدثت في مصر، ولا مسؤولين عنها، كما انهم لم يفعلوا هنا ما يستدعي ادانتهم والتحريض عليهم وشيطنتهم، وحتى لو افترضنا أن هذا “الاستغلال” يأتي ضمن استحقاقات اللعبة السياسية، أو أن القائمين عليه يحاولون إرسال رسالة “تحذير” لمنع الإخوان من التحشيد ضد الانقلاب المصري، أو لمنعهم من تكرار التجربة هنا، فإن هذه المبررات غير صحيحة، لسبب واحد وهو أننا لا نريد أن ننقل “انقسامات” الشارع المصري الى بلدنا، كما أنه لا مصلحة لنا بإشاعة أجواء الكراهية داخل مجتمعنا، على العكس من ذلك، فمصلحة بلدنا تكمن في البحث عن توافقات وتفاهمات بين الجميع، تجنبنا الوقوع في المحظور، وتدفع قطارنا الذي تعطل نحو محطة “الإصلاح” من جديد.
كل ما أرجوه أن ينتصر صوت “العقل” ونداءات الحكمة الصامتة على هذا “الحماس” والجنون، وأن يكون تقديرنا للموقف قائما على حسابات “وطنية” تخدم مصلحتنا العليا، لا على أوهام وافتراضات ومعارك افتراضية تدخلنا الى لعبة “المقاولات” والتجاذبات التي يشهدها الآخرون، وندفع ثمنها من استقرارنا بلا أي مقابل.
باختصار، تبدو لعبة “تقمص” الأدوار التي يمارسها البعض بعيدا عن اخلاقيات الخصومة السياسية مضرة بالجميع، وهي لا تستهدف الإسلاميين فقط، بل تستهدف وئامنا الداخلي، ومشروع الإصلاح الذي نصرّ على استكماله، ووحدة جبهتنا الداخلية التي تشكل الدرع الحامية لكل ما يواجهنا من تحديات.
(الدستور)
للأسف، أخذ البعض “الإخوان” في الإردن بجريرة ما حصل في مصر، ومن المفارقات أن أحدا في بلداننا العربية التي يشكل فيها الإسلاميون طرفا معتبرا في المعادلات السياسية لم يفعلوا ما فعلناه، حتى تصورت أننا الوحيدون الذين “تقمصنا” صورة الانقلاب على الإخوان في مصر، وفتحنا “النار” ضدهم، وحمّلناهم جريمة لم يرتكبوها، فلا هم وصلوا للحكم وفشلوا حتى نشهر الانقلاب ضدهم، ولا هم أساءوا للبلد حين انحازوا لإخوانهم في مصر حتى نخرجهم من دائرة “الملة الوطنية”.
لم أجد - بالطبع - أي حكمة في “التعبئة” ضد هؤلاء الذين التزموا على مدى العامين المنصرمين بالحد الأعلى من العقلانية والسلمية في مطالبتهم بالإصلاح، ولا أعتقد أن وراء هذه الهجمة أية مصلحة لبلدنا، وكنت سأفهم أن تتوجه أصابع النقد نحو “اخوان” مصر التزاما أو تأييدا للموقف الرسمي الذي انحاز “للانقلاب” لكنني لم استوعب أن يتحول البعض الى “صدى” لما يتردد في مصر ضد الإخوان ثم نقحمه على أوضاعنا الداخلية، وكأننا ننتظر هذه اللحظة لنوظفها في معركة وهمية لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
المشكلة ليست في هذه الأصوات التي خبرناها تتصيد كل مرة لتشويه الإسلاميين والدعوة لإقصائهم والتشكيك بمواقفهم، ولكن المشكلة أن صوت “الحكماء” غاب تماما عن المشهد، لدرجة أن من يتابع أخبارنا في الإعلام يظن أن ما حدث في مصر انتقل الينا، وان صدام العسكر مع الإخوان هناك هو صورة مطابقة لصدام مع الإخوان هنا، مع من؟ لا يهم، ما دام أن الطرف المقابل هو الإخوان.
وما دام ان “التهمة” جاهزة لتحميلهم مسؤولية ما حدث حتى ولو كان مجرد موقف متعاطف او تصريحات وردود انفعالية، فذلك يكفي باعتقاد البعض لوضعهم في سلة واحدة، ومباغتتهم بالهجوم والدعوة لتقليم أظافرهم أيضا.
من المفارقات، أننا على مدى العامين المنصرمين شهدنا انحياز الأطراف اليسارية والقومية للنظام السوري الذي قتل شعبه، لكننا لم نشهد في وسائل إعلامنا ومنابرنا السياسية مثل هذه “الهجمة” ضدهم، وحتى حين تجرأ السفير السوري في عمان على “نقد” الدولة الأردنية ومؤسساتها، وانتقص من دورها وأساء لبعض شخصياتها، لم نسمع أيضا من “كتائب الإعلام” في بلادنا مثل هذه الردود القاسية التي استسهلوا توجيهها للإخوان.
كنت سأكون أول من ينتقد الإخوان المسلمين لو أنهم “عبثوا” بمقدساتنا الوطنية، أو خرجوا عن خط “التوافقات” السياسية، أو “انقلبوا” على الديمقراطية، وكنت سأكون أيضا أول من ينصف “غيرهم” من الفرقاء السياسيين لو تعرضوا لمثل هذه الهجمة غير المشروعة، لكن ما يدفعني إلى الشعور بالحيرة هو أن الإخوان في بلدنا ليسوا جزءا من المشكلة التي حدثت في مصر، ولا مسؤولين عنها، كما انهم لم يفعلوا هنا ما يستدعي ادانتهم والتحريض عليهم وشيطنتهم، وحتى لو افترضنا أن هذا “الاستغلال” يأتي ضمن استحقاقات اللعبة السياسية، أو أن القائمين عليه يحاولون إرسال رسالة “تحذير” لمنع الإخوان من التحشيد ضد الانقلاب المصري، أو لمنعهم من تكرار التجربة هنا، فإن هذه المبررات غير صحيحة، لسبب واحد وهو أننا لا نريد أن ننقل “انقسامات” الشارع المصري الى بلدنا، كما أنه لا مصلحة لنا بإشاعة أجواء الكراهية داخل مجتمعنا، على العكس من ذلك، فمصلحة بلدنا تكمن في البحث عن توافقات وتفاهمات بين الجميع، تجنبنا الوقوع في المحظور، وتدفع قطارنا الذي تعطل نحو محطة “الإصلاح” من جديد.
كل ما أرجوه أن ينتصر صوت “العقل” ونداءات الحكمة الصامتة على هذا “الحماس” والجنون، وأن يكون تقديرنا للموقف قائما على حسابات “وطنية” تخدم مصلحتنا العليا، لا على أوهام وافتراضات ومعارك افتراضية تدخلنا الى لعبة “المقاولات” والتجاذبات التي يشهدها الآخرون، وندفع ثمنها من استقرارنا بلا أي مقابل.
باختصار، تبدو لعبة “تقمص” الأدوار التي يمارسها البعض بعيدا عن اخلاقيات الخصومة السياسية مضرة بالجميع، وهي لا تستهدف الإسلاميين فقط، بل تستهدف وئامنا الداخلي، ومشروع الإصلاح الذي نصرّ على استكماله، ووحدة جبهتنا الداخلية التي تشكل الدرع الحامية لكل ما يواجهنا من تحديات.
(الدستور)