اليسار الأردني.. إبداع في "الشقلبة" والربط العجيب !
تامر خرمه- كثيرة هي المعادلات الشاذّة في هذا البلد الرازح تحت وطأة الغرائب والعجائب.. معادلات لا يوجد ما يربط مدخلاتها بمخرجاتها، ولا يعلم سرّ توازنها إلاّ الله والراسخون في تعاليم السحر !!
ومن هذه المعادلات الغريبة، الطريقة التي شقلب بها "اليسار" الأردني الملهم كارل ماركس، ليس ليعيده إلى ما قبل الشقلبة المادية- الجدلية لهيجل ويمارس نفي النفي بطريقته الخاصّة كما قد يعتقد البعض، بل هي شقلبة من نوع خاصّ لا يتقنه سوى يسارنا العتيد.
هذا الإبداع الأردني في فهم اليسار خلق ما يمكن تسميته بأحزاب "البروليتاريا الليبراليّة".. مفهوم مغدق في حداثة غير مفهومة بالنسبة لكلّ البشر باستثناء "أصحابنا"، فمن المقدّمات النظريّة للصراع الطبقي ودور البروليتاريا وقضايا الحركة العمّاليّة وأولويّة تغيير علاقات الإنتاج، خرج "اليسار" الأردني بمواقف ليبراليّة يقتصر فيها طموحه على الوصول إلى البرلمان.
النكتة السمجة أنّك لو اختلفت مع أحد هذه الأحزاب في مسألة ما -وإن كانت تكتيكيّة- يسارع إلى مهاجمتك بقوله "يا ليبرالي"، بل ويلفظها بطريقة توحي لك بأنّ هذه الكلمة ليست سوى شتيمة نابية، وفي ذات الوقت ترى هذه المؤسّسة اليسارية -استالينيّة البناء التنظيمي، بروليتاريّة الخطاب- تنأى بنفسها تماماً عن كافّة القضايا العمّاليّة وتصبّ كلّ جهودها على محاولات المشاركة في السلطة، التي يفترض انّها رجعيّة وفقا لادبيّات اليسار !!
لا نعلم إن كان "يسارنا" يضحك علينا أم أنّه مولع بالاستيهام وخداع الذات !! فالاحتجاجات العمّاليّة التي يشهدها الأردن، والتي تزعجّ كلّ أركان السلطة، لم تصل بصوتها حتّى الآن إلى قيادات هذه الأحزاب، المنصرفة تماما عن هموم وقضايا العمال -باستثناء التنظير طبعا وبعض المشاركات الخجولة- فمن احتجاجات عمال المياومة، إلى متضرّري الخصخصة وضحايا شركات الاتصالات، إلى الصحافيين والفنّيين العاملين في مؤسّسات قرّرت السلطة تصفيتها، إلى قضايا موظّفي الجمارك والتنمية الاجتماعيّة، وغير ذلك من احتجاجات عمالية ونقابيّة، شهدنا غيابا كاملا للأحزاب "اليساريّة" التي كانت تحشد كامل عضويتها للمشاركة في مسيرة تطالب بتغيير قانون الانتخاب، أو تحسين شروط اللعبة الديمقراطية، بمفهومها الليبرالي.
ان تتبنّى فكر "البروليتاريا" نطريّا وتهاجم "الليبرالية" -دون حتّى معرفة الدلالة اللغويّة للكلمة- في ذات الوقت الذي تكون فيه بسلوكك في أقصى اليمين الليبرالي، هو كلّ ما يتطلّبه الأمر لتكون في خندق "اليسار" الأردني.. وعلى المنطق السلام !!