5% من الأردنيين محرومون من الزواج بحجة أنهم معوقين
سلام الخطيب وضرار الشبول:
تمنع اعتبارات اجتماعية سلبية ما بين 3 و5% من الأردنيين من التمتع بحقهم في الزواج وتكوين أسرة طبيعية، بحجة أنهم معوقين، يتوجب التعامل معهم بصورة خاصة تقوم على العطف لا النظر إليهم باعتبار أن لهم حقوق توازي سواهم من الأشخاص الذين لا يعانون الإعاقة.
ورغم بعض الاستثناءات، ما يزال زواج ذوي الإعاقة مشكلة تؤرقهم، في ظل قصور نظرة المجتمع لهم، وعدم قيام الحكومة بواجباتها في هذا المجال، في مخالفة صريحة لمواثيق حقوق الإنسان.
ونصت اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة في المادة (23) منها على أن "تتخذ الدول الأطراف تدابير فعالة ومناسبة للقضاء على التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع المسائل ذات الصلة بالزواج والأسرة والوالدية والعلاقات، وعلى قدم المساواة مع الآخرين".
وتقدر أرقام دائرة الاحصاءات العامة أعداد المعوقين في المملكة بين 3 و5% يعانون مختلف أشكال وأنواع الإعاقة، فيما أكد البند الأول من المادة السابقة "حق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة الذين هم في سن الزواج في التزوج وتأسيس أسرة برضا معتـزمي الزواج رضا تاماً لا إكراه فيه".
كما أكدت الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين لسنة 2006 والتي تعتبر الأردن أول من صادق عليها على تعزيز كرامة وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وكفالة تمتعهم بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وينظر خبراء ومختصون إلى تمتع المعوقين بحقوقهم في المجتمع، وإقبالهم على "خطوات متقدمة" كالزواج على اعتبار أنه يسهم في الحد من عزلتهم ما يحولهم إلى عناصر منتجة، بينما ما تزال فئات واسعة من المجتمع ترفض فكرة تزويج المعوقين.
وتقول فاطمة "أرفض تزويج ابنتي بإنسان معاق، فالفتاة تبحث في الزواج عن حياة مريحة، وهذا لا يمكن تأمينه مع المعوق حتى لو جمعهما الحب، فمع الزمن ستدرك انه تزوجها لتكون ممرضته فحسب".
وفي رأي مصطفى ياسين، فإن زواج المعوقين "قد يكون فيه نوع من عدم القيام بالواجبات اليومية الروتينية على الوجه الأكمل، (...) والاخلال بالمسؤوليات قد يسبب صعوبات وتحديات على المدى البعيد، خاصة في حال وجود الأبناء".
وبدوره اعتبر أبو عمر أن الزوجة المعاقة "لن تتمكن من اداء واجباتها المكلفة بها على الوجه الأكمل، بغض النظر عن نوع الاعاقة وحجم شدتها، فالتقصير تحصيل حاصل، خاصة إذا كان الزوج أيضا معاق، فهنا لا بد من الحد من حصول الزواج، حفاظا على الاستمرارية والديمومة التي هي شرط أساسي لقيام الزواج".
وهناك من بين المعوقين أنفسهم من يرفض فكرة الزواج. وروى أبو خالد، وهو والد فتاة ولدت بعيب خلقي تمثل في ضمور أحد اطرافها قصة ابنته. وقال إن "الصدمة" التي لحقت به كانت كفيلة بأن تبقيه قرابة السنة صامتا غير قادر على الكلام، رغم أن الاعاقة كانت جدا بسيطة، ثم بعد مرور بضع سنوات بدأ يتقبل فكرة اعاقتها، إلى أن أيقن تماما بأنه شيء مسلم به ولا يمكن تغييره.
وأضاف بأن ابنته كانت مثابرة ومجتهدة وتنال درجات لا بأس بها خلال دراستها، وبعد أن اتمت الثامنة عشر من عمرها واجتازت الثانوية بنجاح، بدأ يفكر بتزويجها، ولكن الفتاة نفسها لم تتقبل تلك الفكرة على الاطلاق.
وفي السياق، قال أستاذ علم الاجتماع أحمد الحوراني إن للمعوقين كامل الحق في الحصول على ما يريدون ما لم يكن هناك تعد على حقوق الاخرين أو فيه مخالفة لقانون أو تشريع، مضيفا أن "أولئك الأشخاص هم بشر لا بد من التعامل معهم على حد سواء دون تمييز، ودون عزلهم عن المجتمع".
وأكد أهمية ان لا يشعر المعوق بأن المجتمع يقلل من شأنه، أو ينظر إليه نظرة استعطاف او استرقاق، لان ذلك يدفعه إلى ردة فعل قد تكون غير ايجابية تنعكس سلبا على تصرفاته في المجتمع.
حقوقيا، قال الخبير في حقوق الانسان والمحامي إبراهيم الدويري إن الزواج حق لكل فرد من أفراد المجتمع، و"من باب أولى أن يتخذ الاباء الاجراء المناسب بحق ابنائهم، فإذا كانت الاعاقة بسيطة إلى حد ما فلا بأس في الموافقة على الزواج، أما إذا كانت حادة أو فيها نوع من الخطورة، فيتوجب النظر إلى الحالة ودراستها بالشكل السليم لاتخاذ القرار المناسب بحقها، حتى لا يظلم أحد".
ورغم الصورة القاتمة، إلا أن حالات زواج للمعوقين تسجل تقدما بدأ يشهده المجتمع، وتروى على أنها قصص نجاح يفترض البناء عليها.
ومن تلك القصص ما يرويه مؤيد، وهو أحد الآباء الذين ذاقوا تجربة مريرة في واحد معاق من أبنائه، يعاني عجزا كاملا في الطرف الأيمن من جسده. وقال إن ابنه استطاع تحقيق العديد من الطموحات التي كان يبنيها لنفسه.
وأضاف أن "طلب مني أبني في أحد الأيام أن أخطب له فتاة جميلة، فاندهشت من الطلب، وأخذت أتضرع إلى الله، إلى أن نزلت مشيئته، وفعلا خطب ابني الفتاة التي كان يريدها، والأكثر جمالا أن تلك الفتاة لا تعاني من أي اعاقة، ما أدى بي ان أتعلق بولدي أكثر فأكثر وأمنحه مزيدا من الرعاية والحنان".
ووصفت هناء (27 عاما)، وتعاني من اعاقة في نطقها فهي أصم لا تقدر على الكلام، تجربتها في الزواج بأنها "وصلت إلى أعلى درجات النجاح ، رغم أن زوجها لا يعاني من نفس الاعاقة التي تعاني منها، ولكن بفضل الله زوجها على درجة عالية من التفاهم معها".
وإلى الآن، ومنذ ثماني سنوات من الزواج، لم تشعر هناء بأي انتقاص أو انتقاد من زوجها لها، "بل على العكس فالمحبة دائمة بينهما".
أما رعد، الذي تزوج منذ ثلاث سنوات وهو الآن في الثلاثين من عمره، فقال إنه يعاني من تفاوت في الطول بين قدميه، ما سبب عرجا شديد وواضحا، وذلك ما كان يمنعه من الارتباط إلى أن قرر وارتبط بزوجته، التي ترعى شؤون الأسرة "على أكمل وجه"، بحسب وصفه.
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين