بعيدا عن منطق المغالبة
د. حسن البراري
جو 24 : هناك رأيان يتم تدوالهما بين النخب الاردنية حول الموقف من حركة الاخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الاسلامي، بعد ان فشل التوجه الرسمي في شق الحركة الاسلامية او في خلق بديل مقنع عنها (كحالة حزب الوسط الاسلامي). الرأي الاول ينادي بالاقصاء التام وكشف الحركة امام الناس واتهامها باجندات غير وطنية، ويصر اصحاب هذا الرأي على أن الدولة انتصرت في معركة الربيع الاردني، اذ لم يحقق الحراكيون والاسلاميون سوى احباط سياسي على الدولة استثماره حتى تتولد قناعة لدى الجميع ان الملك وحده هو من يرسي السفينة على شط الآمان، وهذا الموقف يتبناه المركز الامني السياسي العابر للحكومات والاقلام المعادية للاسلاميين بشكل ايدلوجي والمتماهون مع الحكومات والانتهازيون.
وعلى العكس من ذلك ثمة راي آخر يرى بان الاخوان المسلمين كانوا وما زالوا عنصر استقرار بالاردن وان على الدولة الابتعاد عن منطق الاقصاء والتوصل الى صيغة- لا نقول صفقة- تحترم حجم الاخوان بالشارع والشروع باصلاحات حقيقية حتى يتمكن الاردن من تجاوز الصعاب ويواجه التحديات القادمة بجبهة داخلية متماسكة. وهذا الموقف يتبناه الاسلاميون والمستقلون والمستنيرون.
الانقلاب العسكري بمصر عزز الانقسامات والاصطفافات السياسية الموجودة بالاردن قبل الانقلاب، واعتقد المركز الامني والسياسي ان الاخوان خسروا معركة هامة وان هناك فرصة لتقليم اظافرهم بالاردن. ونظرة سريعة على ما يكتب بالاعلام الرسمي الذي تديره الحكومة تكشف ان هناك حملة شرسة للنيل من الاخوان وشيطنتهم وربما نزع الشرعية عنهم سياسيا. وبعض الاقلام استكثرت على الاخوان مجرد اعلان موقف مع الرئيس مرسي، مدعية ان في ذلك مخالفة للقانون الاردني. وجاءت زيارة الملك عبدالله الثاني لمصر في وقت عصيب لتبعث باشارة بأن رأس الدولة يؤيد الانقلاب العسكري وان الدولة قد كشرت عن انيابها لافتراس الحركة الاسلامية. طبعا موقف الملك مما يجري في مصر يعكس حقيقة ان لديه مشكلة مع الاخوان المسلمين بالاردن كشف عنها في لقائه الشهير مع الصحفي الاميركي غولدبيرغ، وقد نقل عنه غولدبيرغ ان الحركة الاسلامية تحاول الاطاحة به!
من يقود هذا التوجه بهذا الشكل الفج لا يفهم ان السياقين الاردني والمصري هما سياقان مختلفان، فالاخوان المسلمين في مصر كانوا دائما ندا للعسكر وتم اضطهادهم ولم يسمح لهم بالعمل السياسي منذ محاولة اغتيال عبدالناصر عام ١٩٥٤. في حين وقف الاخوان المسلمون بالاردن مع النظام منذ الخمسينيات من القرن الماضي ودافعوا عن النظام، ويعرف الجميع انه في الوقت الذي حلت فيه الدولة الاردنية الاحزاب عام ١٩٥٧ سمح للاسلاميين العمل فوق الارض وبشكل علني وقد دعمتهم الدولة دعما موثقا.
مشكلة الاردن أن النخب التي تحكم هي اقرب الى عقلية المستشرقين منها الى اي شيء آخر، فلا هي قادرة على فهم تعقيد العلاقة التاريخية بين الدولة والاسلاميين ولا هي قادرة على التعامل مع الصحوة العربية، وحقيقية ان الشعب الاردني تعلم جيدا وفي التعليم تمكين كما يقال. بالتالي بقيت هناك نظرة استشراقية ترى ان المجتمع ستاتيكي غير متغير في حين ان تغيرات كبيرة عصفت بالمجتمع وهي تحتاج لاليات حكم غير مألوفة، لا يمكن لهذه النخب الحاكمة ان تستبطنها، ناهيك عن تبنيها. وما نراه من هجمة شرسة من الاعلام الرسمي ما هو الا تعبير عن حالة من العجز الكلي في ادارة شؤون المجتمع بشكل يضمن التشاركية الحقيقية.
ومن غير المستغرب والحال كذلك ان يرى انصار الرأي الاول ان ما جرى في مصر هو فرصة يجب استثمارها لتركيع الاخوان المسلمين! وخلافا لذلك أقول ان ما جرى بمصر يمكن ان يكون فرصة لا لتحقيق المغالبة او الشعور بالزهو المؤقت وانما لايجاد الصيغة السياسية التي لا تقصي احدا ولا تشيطن تيارا، ويمكن لها خلق التوافقات الوطنية حتى يتمكن الاردن من مواجهة تحديات المستقبل الداخلية منها والخارجية. طبعا، لا يخفى على احد أن للحركة الاسلامية اخطاء كثيرة عليها تحمل مسؤوليتها، فهي ليست معصومة عن الخطأ، وتحتاج أكثر من اي وقت مضى لاجراء مراجعات حقيقية حتى تطمئن جزء لا يستهان به من الشعب الاردني، غير ان ما نقرأه من ردات متشنجة من بعض قياداتها يعكس ربما عدم قدرة القيادة على التعامل مع التحديات السياسية الداخلية، وهذا يتطلب تجديدا في القيادات والافكار والابتعاد عن تقمص دول المظلوم، بعد ان كشفت الازمة المصرية ان ثمة هوة بين خطابهم وافعالهم.
بكلمة نقول ان معادلة الاستقرار بالادن تتطلب الابتعاد عن الاقصائية ومنطق المغالبة بصرف النظر عن الجهة التي تتبنى هذين المنطقين، وقد حان الوقت لنبذ فكرة ان اسلاميي الاردن هم مصدر تهديد للنظام لأن في ذلك خداع للنفس ونكران مرضي ووصفة تأزيم غير ضرورية.
وعلى العكس من ذلك ثمة راي آخر يرى بان الاخوان المسلمين كانوا وما زالوا عنصر استقرار بالاردن وان على الدولة الابتعاد عن منطق الاقصاء والتوصل الى صيغة- لا نقول صفقة- تحترم حجم الاخوان بالشارع والشروع باصلاحات حقيقية حتى يتمكن الاردن من تجاوز الصعاب ويواجه التحديات القادمة بجبهة داخلية متماسكة. وهذا الموقف يتبناه الاسلاميون والمستقلون والمستنيرون.
الانقلاب العسكري بمصر عزز الانقسامات والاصطفافات السياسية الموجودة بالاردن قبل الانقلاب، واعتقد المركز الامني والسياسي ان الاخوان خسروا معركة هامة وان هناك فرصة لتقليم اظافرهم بالاردن. ونظرة سريعة على ما يكتب بالاعلام الرسمي الذي تديره الحكومة تكشف ان هناك حملة شرسة للنيل من الاخوان وشيطنتهم وربما نزع الشرعية عنهم سياسيا. وبعض الاقلام استكثرت على الاخوان مجرد اعلان موقف مع الرئيس مرسي، مدعية ان في ذلك مخالفة للقانون الاردني. وجاءت زيارة الملك عبدالله الثاني لمصر في وقت عصيب لتبعث باشارة بأن رأس الدولة يؤيد الانقلاب العسكري وان الدولة قد كشرت عن انيابها لافتراس الحركة الاسلامية. طبعا موقف الملك مما يجري في مصر يعكس حقيقة ان لديه مشكلة مع الاخوان المسلمين بالاردن كشف عنها في لقائه الشهير مع الصحفي الاميركي غولدبيرغ، وقد نقل عنه غولدبيرغ ان الحركة الاسلامية تحاول الاطاحة به!
من يقود هذا التوجه بهذا الشكل الفج لا يفهم ان السياقين الاردني والمصري هما سياقان مختلفان، فالاخوان المسلمين في مصر كانوا دائما ندا للعسكر وتم اضطهادهم ولم يسمح لهم بالعمل السياسي منذ محاولة اغتيال عبدالناصر عام ١٩٥٤. في حين وقف الاخوان المسلمون بالاردن مع النظام منذ الخمسينيات من القرن الماضي ودافعوا عن النظام، ويعرف الجميع انه في الوقت الذي حلت فيه الدولة الاردنية الاحزاب عام ١٩٥٧ سمح للاسلاميين العمل فوق الارض وبشكل علني وقد دعمتهم الدولة دعما موثقا.
مشكلة الاردن أن النخب التي تحكم هي اقرب الى عقلية المستشرقين منها الى اي شيء آخر، فلا هي قادرة على فهم تعقيد العلاقة التاريخية بين الدولة والاسلاميين ولا هي قادرة على التعامل مع الصحوة العربية، وحقيقية ان الشعب الاردني تعلم جيدا وفي التعليم تمكين كما يقال. بالتالي بقيت هناك نظرة استشراقية ترى ان المجتمع ستاتيكي غير متغير في حين ان تغيرات كبيرة عصفت بالمجتمع وهي تحتاج لاليات حكم غير مألوفة، لا يمكن لهذه النخب الحاكمة ان تستبطنها، ناهيك عن تبنيها. وما نراه من هجمة شرسة من الاعلام الرسمي ما هو الا تعبير عن حالة من العجز الكلي في ادارة شؤون المجتمع بشكل يضمن التشاركية الحقيقية.
ومن غير المستغرب والحال كذلك ان يرى انصار الرأي الاول ان ما جرى في مصر هو فرصة يجب استثمارها لتركيع الاخوان المسلمين! وخلافا لذلك أقول ان ما جرى بمصر يمكن ان يكون فرصة لا لتحقيق المغالبة او الشعور بالزهو المؤقت وانما لايجاد الصيغة السياسية التي لا تقصي احدا ولا تشيطن تيارا، ويمكن لها خلق التوافقات الوطنية حتى يتمكن الاردن من مواجهة تحديات المستقبل الداخلية منها والخارجية. طبعا، لا يخفى على احد أن للحركة الاسلامية اخطاء كثيرة عليها تحمل مسؤوليتها، فهي ليست معصومة عن الخطأ، وتحتاج أكثر من اي وقت مضى لاجراء مراجعات حقيقية حتى تطمئن جزء لا يستهان به من الشعب الاردني، غير ان ما نقرأه من ردات متشنجة من بعض قياداتها يعكس ربما عدم قدرة القيادة على التعامل مع التحديات السياسية الداخلية، وهذا يتطلب تجديدا في القيادات والافكار والابتعاد عن تقمص دول المظلوم، بعد ان كشفت الازمة المصرية ان ثمة هوة بين خطابهم وافعالهم.
بكلمة نقول ان معادلة الاستقرار بالادن تتطلب الابتعاد عن الاقصائية ومنطق المغالبة بصرف النظر عن الجهة التي تتبنى هذين المنطقين، وقد حان الوقت لنبذ فكرة ان اسلاميي الاردن هم مصدر تهديد للنظام لأن في ذلك خداع للنفس ونكران مرضي ووصفة تأزيم غير ضرورية.