الفضائية العوراء!
خيري منصور
جو 24 : ليس المطلوب من أية فضائية أن تكون زرقاء اليمامة كي ترى عن بعد أغصاناً تمشي وتكتشف أنها تخبئ غزاة، بالمقابل ليس من شأن الفضائية أن تتحول من خلال التلفزيون إلى حصان طروادة، انها في النهاية منبر إعلامي وإعلاني معاً، تنقل الواقع كما هو من خلال الكاميرات والمراسلين، لكن الفضاء العربي لم يتحرر من استهانات الإعلام الإرضي، فقدم على الفور ناطقين باسم داحس والغبراء، والأوس والخزرج والغساسنة والمناذرة، وتحولت بعض الفضائيات الى غرف عمليات لإدارة حروب أهلية وشبه أهلية.
وكم كان جريئاً ومحقاً وعلق الجرس ذلك المثقف المصري الذي شاهدناه بالأمس يقول لمذيعة أنت لست بطلة قومية، ولا مفكرة تبشر باستراتيجية، لأن معظم المثقفين العرب تواطأوا مع هذه الظاهرة كيلا تقاطعهم الفضائيات وباستثناء من يعفون عن هذا المغنم الهوائي ولديهم وسائل تعبيرهم فإن الأكثرية تطمح الى أن تكون من الزبائن المزمنين، ومنهم جنرالات متقاعدون لديهم خبرة استراتيجية عميقة في خمس هزائم على الأقل، عرفنا بعضهم في حروب الخليج الثلاث وانتهى المشهد الى تعرية صدورهم من الأوسمة المهداة بالمجان.
أما الفضائية العوراء فهي أشبه بالديك الأعور الذي يضطر بسبب موقع عينيه على جانبي الرأس أن يستدير مئة وثمانية درجة كي يرى الجانب الآخر من المشهد.
الفضائية العوراء لا ترى غير ما تقع عليه عينها الوحيدة، أما ما يجري في الجانب الآخر فهو محذوف جملة وتفصيلاً.
الأزمة العراقية قدمت نماذج من هذا النمط، واعقبتها الأزمة السورية وأخيراً -وليس آخراً -الأزمة المصرية.
الفضائية المتخصصة بميدان رابعة العدوية لا ترى ميدان التحرير أو أي ساحة أخرى، إلا إذا حدث احتكاك أو تمدد من ميدان الى آخر.
والفضائية المكرسة للتحرير لا ترى رابعة العدوية أو رمسيس أو أي مكان آخر.
أما الثقافة وما يطفو على سطحها الراكد من نخب فقد طردت خارج الحلبة لأن الصراع الآن يدور -أو بمعنى أدق يُدار- بين الخوذ والعمائم فمن هتفوا بسقوط العسكر عادوا ليستغيثوا بالعسكر، ومن يتحدث عن الشرعية يستخدم أساليب غير مشروعة في التبشير بها.
ما يحدث رغم اختلاف المقتربات بتوصيفه هو اندلاع عشوائي ولا بد أن يمضي كثير من الوقت وينزف الكثير من الدم قبل ان يقرّ له قرار لأنه ما من فوضى خلاقة على الإطلاق!
(الدستور)
وكم كان جريئاً ومحقاً وعلق الجرس ذلك المثقف المصري الذي شاهدناه بالأمس يقول لمذيعة أنت لست بطلة قومية، ولا مفكرة تبشر باستراتيجية، لأن معظم المثقفين العرب تواطأوا مع هذه الظاهرة كيلا تقاطعهم الفضائيات وباستثناء من يعفون عن هذا المغنم الهوائي ولديهم وسائل تعبيرهم فإن الأكثرية تطمح الى أن تكون من الزبائن المزمنين، ومنهم جنرالات متقاعدون لديهم خبرة استراتيجية عميقة في خمس هزائم على الأقل، عرفنا بعضهم في حروب الخليج الثلاث وانتهى المشهد الى تعرية صدورهم من الأوسمة المهداة بالمجان.
أما الفضائية العوراء فهي أشبه بالديك الأعور الذي يضطر بسبب موقع عينيه على جانبي الرأس أن يستدير مئة وثمانية درجة كي يرى الجانب الآخر من المشهد.
الفضائية العوراء لا ترى غير ما تقع عليه عينها الوحيدة، أما ما يجري في الجانب الآخر فهو محذوف جملة وتفصيلاً.
الأزمة العراقية قدمت نماذج من هذا النمط، واعقبتها الأزمة السورية وأخيراً -وليس آخراً -الأزمة المصرية.
الفضائية المتخصصة بميدان رابعة العدوية لا ترى ميدان التحرير أو أي ساحة أخرى، إلا إذا حدث احتكاك أو تمدد من ميدان الى آخر.
والفضائية المكرسة للتحرير لا ترى رابعة العدوية أو رمسيس أو أي مكان آخر.
أما الثقافة وما يطفو على سطحها الراكد من نخب فقد طردت خارج الحلبة لأن الصراع الآن يدور -أو بمعنى أدق يُدار- بين الخوذ والعمائم فمن هتفوا بسقوط العسكر عادوا ليستغيثوا بالعسكر، ومن يتحدث عن الشرعية يستخدم أساليب غير مشروعة في التبشير بها.
ما يحدث رغم اختلاف المقتربات بتوصيفه هو اندلاع عشوائي ولا بد أن يمضي كثير من الوقت وينزف الكثير من الدم قبل ان يقرّ له قرار لأنه ما من فوضى خلاقة على الإطلاق!
(الدستور)