jo24_banner
jo24_banner

الخصخصة.. موت على أعتاب المستشفيات

حاتم الأزرعي
جو 24 :


يبدو ان موجة جديدة من المد المنادي بخصخصة القطاع الصحي تلوح في الافق من جديد ، عبر منتدى الاستراتيجيات الأردني، الذي أوصى " بضرورة إعادة هيكلة برامج التأمين الصحي الحكومي وكلفة الرعاية الصحية بوزارة الصحة ونظام الإعفاءات لوقف تراكم المتأخرات الصحية، الأمر الذي يستلزم تقدير التكاليف الحقيقية لخدمات وزارة الصحة بدقة ومن ثم تعديل أسعارها بحيث تعكس التكاليف الفعلية".

كما اوصى المنتدى في ورقة بعنوان "تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الصحي في الأردن"، بإجراء دراسة اكتوارية وفنية لبرامج التأمين الصحي الحكومي لتحديد مستويات جديدة وعادلة للاشتراكات المقتطعة من الرواتب.

والمتابع للشأن الصحي، يلمس بوضوح شديد تنامي ظاهرة الدعوة للخصخصة، التي تراوح منذ سنوات طويلة بين مد وجزر، تبعا للموقف والحالة العامة للقطاع الصحي، فكلما لاح في افقه تقصير او اهمال او تلكؤ، فردي معزول او مؤسسي مقصود او غير مقصود، عن تقديم الرعاية الصحية، يأخذ المد مداه ويغتنم دعاة الخصخصة الفرصة ويروجون لها، ولا سيما عند وقوع وفاة ناتجة عن خطأ طبي.

ويتمثل مد الخصخصة اليوم، ويتجلى بوضوح في توصيات المنتدى الداعية الى رفع نسبة الاقتطاع البالغة حالية ٣%، والتوصية كذلك بفتح سقف الاقتطاع البالغ حالية ٣٠ دينارا، وهي دعوة خبيثة في ظل الظروف الصعبة للموظفين الذين يرون غبنا في الاقتطاعات الحالية.

ولعل اسوأ التوصيات واكثرها خطرا واثرا سلبيا على الرعاية الصحية ،تلك الداعية الى "إلغاء برنامج الإعفاءات تدريجيا" هذه التوصية التي تعني بشكل واضح التخلي عن تقديم الرعاية الصحية لشريحة واسعة من ابناء الوطن الذين لا تغطيهم اي مظلة تأمين، وبالتالي تركهم يصارعون المرض ويلقون حتفهم على أعتاب المستشفيات والمراكز الطبية المحرم عليهم دخولها.

ومنذ سنوات برزت وفي سياق الدعوات الخجولة المبطنة للخصخصة فكرة التأمين الصحي الموحد تحت اسم مقترح هو "هيئة التأمين الصحي" واليوم تجاوز المنتدى المحظورات وتجرأ بالدعوة المباشرة الصريحة الى "فصل المشترين عن مقدمي الخدمات عن جهات التأمين التي تغطي الخدمات الصحية الحكومية" بمعنى ان وزارة الصحة ‐على سبيل المثال‐ لا يجوز ان تكون مشتري الخدمة ومقدمها كما هو الحال اليوم، وهي خطوة اولى متقدمة نحو الخصخصة.

وفي هذا السياق اشير الى هيئة المتابعة للحملة الوطنية من أجل العدالة في الرعاية الصحية "صحتنا حق"، التي توقفت عند التقرير الصادر عن المنتدى وكشفت الى حد بعيد الجوانب السلبية لا بل الخطرة التي تنطوي عليها توصياته.

وترى الحملة أن التوصيات تتبنى "مبادئ تقليص الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية في قطاعات الصحة والتعليم وانسحاب الدولة من القيام بمسؤوليتها بتخفيض الموازنات المخصصة لهذين القطاعين والدفع بمسارات الخصخصة وتحميل جيب المواطن كلف التعليم والعلاج " وهي محقة في ذلك الى ابعد حد.

ان اخطر ما يمر به الوطن اليوم، هو حالة التناغم بين المؤسسات التي تقدم اطارا ايدولوجيا ينظر للخصخصة والجهات الرسمية التي تخلق البيئة المناسبة لزرع بذور الخصخصة، ليحصد الناس رعاية صحية هزيلة، تجعلهم يكرهون الجهات التي تقدمها، ويتقبلون فكرة خصخصتها على امل الحصول على رعاية افضل، وهذا وهم قاتل !!.

نعم هناك اليوم من يجر القطاع الصحي العام عموما ومستشفيات وزارة الصحة خصوصا نحو الهاوية، لا بل ان هذه المستشفيات تقف على حافة الهاوية، بما تعانيه من نقص حاد في الكوادر ،ولا سيما نقص اطباء الاختصاص، والبنية التحتية المتهالكة، وعدم تجديد الاجهزة والمعدات ونقصها وحاجة الغالبية منها للصيانة، ونقص الاسرة في ظل التزايد المضطرد لعدد السكان، فضلا عن نقص الادوية المزمن.

والغريب المريب، الذي يؤكد تناغم المنظر مع صانع القرار، هو التوجه المستمر للتوسع في احالة الكفاءات من اطباء الاختصاص على التقاعد، في ظل هجرة الكفاءات الطبية، ونقص اعداد اطباء الاختصاص، ومن المؤكد ان افراغ الوزارة من الكفاءات الطبية يعتبر الخطوة الاهم والابرز للقضاء عليها ،ودق المسمار الاخير في نعشها، واصدار شهادة وفاتها ،على يد قابلة المرحلة وتدعى "خصخصة"!!.

من يراجع اليوم مستشفيات الوزارة يشعر بالحزن والاسى، لما ال اليه وضعها، وكنت اتحدث الى احد المسؤوليين فيها ،وعبر عن الخشية من مزيد من التراجع، وضعف الخدمات التي تقدمها المستشفيات، التي تواجه ضغطا شديدا وتتحمل كوادرها اعباء ثقيلة، وتعاني من الاهمال والتهميش، ويقول "الغنائم يتقاسمونها في مركز الوزارة، وفي الميدان لا تحظى الكوادر بكلمة شكر" وهو بالتاكيد يشير الى المكافآت وصرفها لغير مستحقيها، ويرى في انعدام العدالة بعض اسباب الانهيار.

ويتفق معي المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه، بأن خصخصة المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، وهي الملاذ الاخير للغالبية العظمى من ابناء الوطن، تعني اذا ما تمت ان الناس سيفقدوا سبل الرعاية الصحية، ولن يستطيعوا الوصول الى المستشفيات وسيلقون حتفهم على اعتابها !!. فمن يجرؤ ان يتقدم خطوة ابعد ،ويتخذ قرارا حاسما بالخصخصة ؟! اعتقد لا احد في المدى المنظور ، والا سيكون ذلك انتحارا ،لا اظن احدا عاقلا يقدم عليه !! .
 
تابعو الأردن 24 على google news