jo24_banner
jo24_banner

إعلان فقدان وظيفة صادر عن الصحة.. تفريغ للوزارة من الكفاءات

حاتم الأزرعي
جو 24 :

استنادا لاحكام المادة ١٧٠ من نظام الخدمة المدنية ... ونظرا لتغيب الموظفين المدرجة أسماؤهم عن مواقع عملهم لمدة تزيد عن عشرة أيام متصلة أو متقطعة ..قررت (وزير الصحة ) اعتبار كل واحد منهم فاقدا لوظيفته.

تحت العنوان والنص أعلاه، تنشر وزارة الصحة ، بشكل يكاد يكون يوميا ،في الصحف المحلية ، قوائم ،من مختلف المهن ، ولا سيما الطبية ، ممن فقدوا وظائفهم ، نظرا للتغيب عن العمل .

وأمامي إعلان فقدان وظيفه ، جديد " لنك " ، صادر عن الوزارة ، يشمل قائمة من خمسة عشر موظفا فقدوا وظائفهم ، استنادا لنص المادة ١٧٠ من نظام الخدمة المدنية .

وبكل تأكيد ، فإن هذا الإعلان ليس الأول من نوعه ، فقد سبقه عددا لا يحصى من الإعلانات المماثلة، وأجزم انه لن يكون الإعلان الأخير ، وفقا لما تنبء به معطيات بيئة العمل الحالية الطاردة ، وأكاد اجزم، أيضا، ان هذه البيئة لن تشهد على المدى القريب او المتوسط تحسنا يعكسها لتصبح جاذبة !!.

وما يلفت الانتباه في اعلانات فقدان الوظيفة الصادرة عن وزارة الصحة ، أن الغالبية العظمى ، هم من الاطباء عموما ، والاخصائيين خصوصا ، فضلا عن الممرضين والممرضات القانونيين ، ومهن صحية أخرى من الصيادلة والفنيين، وحتى الاداريين ،وإن بإعداد اقل نسبيا ، بالمقارنة مع المهن الأخرى.

ولست اعلم ، اذا كانت الوزارة ، اجرت دراسة لهذه الظاهرة ،من حيث أسبابها والمهن الأكثر فقدانا للوظائف والإعداد ، والسبل الكفيلة بوقف النزف من هذا الجرح المفتوح ، بطبيعة الحال ، اذا كان يهمها ذلك ،او ضمن اولوياتها .

لكن ، مجريات الامور ، وتزايد قوائم فاقدي الوظيفة ، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، بأن الظاهرة تتسع دوائرها وبالتالي تتعمق القناعة بنهج الحكومة الرامي الى إفراغ الوزارة من الكوادر الطبية والصحية ، وتحديدا من الاخصائيين وذوي الكفاءة والخبرة ، تمهيدا لانفاذ الهدف النهائي المتمثل في الخصخصة .

وما يعزز هذه القناعة ، أن الأمر لا يقتصر على التفريغ عبر فقد الكوادر لوظائفها ، وانما تزيد الوزارة الطين بلة ، بقوائم لا تنتهي من الاحالات على التقاعد وتشمل الاطباء والاخصائيين والمهن الحيوية الأخرى، دون تعويضهم بتعيينات جديدة تسد الفجوة التي تتسع افقيا، وتتعمق عموديا .
وفي واقع الأمر لم يعد احد ،سواء من داخل الوزارة أو المتابعين لشؤونها وشجونها من خارجها ، يثق ، او يصدق أن الوزارة تسعى الى التعيين لسد الفجوة ، لا بل تفيد المعلومات الراشحة من اروقتها ، أن نسبة كبيرة من المرشحين للتعيين لديها ، يستنكفون عن الالتحاق في العمل ، لأسباب عديدة ، لم تعد خافية ، وبات الجميع يعرفونها ، بمن فيهم الوزارة ذاتها من رأس الهرم فيها إلى القاعدة .
ولعل الأسباب التي تدفع الاطباء والكوادر الأخرى، لخيار فقدان الوظيفة ، للخلاص من بيئة عمل لا توفر أدنى متطلبات العيش الكريم ، هي ذاتها ، الأسباب التي تدفع الاطباء للاستنكاف عن العمل في الوزارة ، وفي مقدمة هذه الأسباب تدني الرواتب ،مقارنة بالقطاعات الطبية داخل المملكة ، فما بالكم ،عند الحديث عن الدخل خارجها ، وفي دول الخليج ليس بعيدا عن حدودها .
وللحقيقة ، لا تقتصر الأسباب على الجانب المادي ، وتتعداه الى جوانب لا تقل أهمية، كبيئة العمل في ظل ضعف البنى التحتية للمراكز الصحية والمستشفيات ، وعدم توفر الأجهزة والمعدات بشكل كاف ومناسب ، والإعداد الكبيرة من المراجعين وطوابير الانتظار ، والمواعيد الطويلة ، ونقص الادوية وفقدانها .
وتشير الوقائع، الى ان كل هذه السلبيات ترتد بشكل مباشر على الاطباء والكوادر العاملة في المستشفيات والمراكز الصحية ، وهم في الواجهة ، والجبهة الامامية في المعركة ، إذ انهم يتعرضون للاعتداء المعنوي والجسدي ، بظهور مكشوفة، دون حماية او حفظ للكرامة ، في اغلب الأحيان.
بقي أن نقول : تحت وطأة كل هذه الأسباب ، تفضل الكوادر الخيار المر بفقد الوظيفة ، على أن تستمر في تحمل المعاناة المزدوجة الناتجة عن معاناتهم الذاتية بسب بيئة العمل وظروفه القاسية بدخل متدن، فضلا عن حمل معاناة المرضى ومتلقي الخدمة والمراجعين ومرافقيهم ، وهم في الغالب الاعم غاضبون .
وعود على بدء ، وفي ظل غياب المعلومات الرسمية حول اعداد فاقدي الوظائف ومهنهم، لناخذ الإعلان الأخير نموذجا ، واعتقد انه ينسحب على الإعلانات السابقة المماثلة ، وذلك على سبيل المثال لا الحصر ، لكنه يعطي مؤشرات وابعاد ودلالات .
شملت قائمة فاقدي الوظيفة خمسة عشر كادرا، موزعين على النحو التالي : ثمانية اطباء ، وستة ممرضين وممرضات قانونيون ، اي ان فاقدي الوظائف هم ممن يشكلون العمود الفقري للخدمة الطبية ، وبينهم ثلاثة اخصائيين ومقيم في الاختصاص ، واللافت للانتباه أن هؤلاء يعملون في اختصاصات نادرة ،الوزارة بأمس الحاجة لها ، ويتوزعون على اختصاصات الأنف والأذن والحنجرة ، جراحة الكلى والمسالك، وأختصاصي أمراض دم واورام أطفال .
ولعل اللافت للانتباه في القائمة أن ثلثي فاقدي الوظيفة من مهنة التمريض ، هن من الاناث ، ولذلك دلالة خاصة تدركها الوزارة .
وخلاصة القول : تعددت سبل إفراغ وزارة الصحة من كوادرها ، بفقد الوظيفة ، أو الإحالة على التقاعد ، والاستنكاف عن العمل فيها ، والنتيجة واحدة ، انهيار الخدمة الطبية ، لإيجاد مبرر الخلاص من آخر قلاع القطاع العام ، ملاذ الفقراء ، انها مستشفيات وزارة الصحة .

 
تابعو الأردن 24 على google news