جهل باهظ الكلفة.. جحافل التتار تُهاجم كشك ابو علي للثقافة والكتب !!
سليم البطاينة
جو 24 :
هل للجهل ثمن ؟ فمن منا فكر على المستوى الوطني أن يحسب تكلفة الجهل ؟ فالادارة التي تُدار من خلال الجهل لها ثمن باهظ
فالمعالم الثقافية لأية مدينة تُشكل رمزاً وهوية وتاريخاً للشعوب وتحتل مكانة مهمة ليس فقط في الوعي إنما ايضاً في اللاوعي عند كل شعب من شعوب الارض.
ما شهدناه قبل ايام من مصادرة لكتب كشك ابو علي ووضعها بضاغطة شاحنة النفايات كان مذبحة ثقافية وتصرفاً غير لائق وخطيئة كبرى شكل حالة من الغضب العارم لدى المثقفين وهو يذكرنا بالمجزرة التي نفذها الحزب النازي في المانيا عام ١٩٣٩ عندما صعد للحكم وكان اول قرار نفذه هو جمع الكتب وحرقها.
ما حصل بحق كشك ابو علي كان محاولة لتدمير أحد المعالم الثقافية واختلال التاريخ وسط عمان العاصمة يجب إلا يمر مرور الكرام ... فهناك على ما يبدو اصراراً من البعض على تقديم الجهل على العلم .. فما زال لدينا من هم مصابون بالحول الفكري وقصر النظر وخلللاً في الاولويات ... فكشك ابو علي يعتبر من المرافق الاساسية في عمان ولطالما كان وجهة للمثقفين والسياسيين الاردنيين.
كان على تلك الجحافل ان تعلم ان اشغال الارصفة بالخضروات والالبسة والدخان يختلف عن إشغاله بالكتب والصحف والمجلات .. فللكتب احترامها فهي خلاصة الفكر والمعرفة ........ ففي كل دول العالم يتم احترام الثقافة قبل أي شيء وتأخذ اسواق الكتب عناية وتقديراً خاصاً ويتم تخصيص اجمل المناطق لهذه الاسواق ... فعلى سبيل المثال في لندن تم تخصيص احد الارصفة لنهر التايم بجوار ساعة بج بن وفِي موسكو ايضاً على رصيف نهر الفولكا ... الخ
فقد ارتبطت اسماء عديد من المدن العربية بالمراكز الثقافية الموجودة فيها سواء كانت رسمية أو شعبية على شكل اكشاك صغيرة كما هو كشك ابو علي بعمان وكشك مدبولي في القاهرة
فلنحافظ على عمان وفولكلورها وتاريخها القديم والذي طالما تغنينا به ... فعمان ذاكرة حنين لماضي بيوت ودكاكين واكشاك ومخافر .. وذكرى ندية وروائح وردية تُبعث من محلات قاع المدينة .... ففي وسط البلد حيث عمان القديمة والعتيقة نعيش بها بكل جواروحنا ... فهناك معالم وامكنة كثيرة لا يكون بها وسط عمان من دونها فقد أختلت زاوية سوق الصاغة حين غادرها الى الابد احد ابرز معالم وسط البلد بائع الفستق ابو أحمد النيجيري الذي وقف ستون عاماً امام واجهة سوق الذهب ... فبمرور السنين أصبح المكان الذي يقف فيه المرحوم بائع الفستق مع عربته الصغيرة معلماً وعنواناً للمارة والقاصدين وسط البلد
فوسط البلد له تضاريس مدهشة فجميع الشوارع تصب نزولاً اليه
فعمان هي حكاية حب وورد وادراج وازقة ودخلات عشق وكانت صغيرة لها تاريخ .. فهي ذاكرة المكان والانسان والزمان فحتى الاماكن الشعبية ما زالت وستبقى تُحاكي تاريخ عمان
وهناك ايضاً شخصيات وتجار واسماء محلات تجارية ودكاكين واكشاكاً شكلوا جزءاً من تاريخ عمان وفلوكلورها كمطعم هاشم وكنافة حبيبة وصاحبها الحاج محمود حبيبة صانع اول كنافة نابلسية في وسط عمان ... وكشك ابو علي للثقافة والذي كان حبيب وصديق للمثقفين القراء ومنهم الفقراء فقد كان يسمح للطفرانين بأن يمارسوا ثقافة على الرصيف بالمجان وان يقلبوا الصحف والكتب والمحلات كما يريدون ...... وهناك ايضاً معالم اخرى كمطعم القدس وجبري ومقهى السنترال ومحل عقروق الطرابيش الحمراء والصالون الاخضر والمحل الشهير لمسح الاحذية وتصليحها ... ولن ننسى هريسة المارديني وبائع القطايف في اعلى درج الكلحة ومحمص بسمان وحلويات هيكل ومحلات عزيزية و دكان الشالاتي للعصائر الذي ارتحل من دمشق في اربعينات القرن الماضي صاحب اقدم واشهر محل لبيع العصائر الطبيعية ... فجميعهم كانوا من وجوه عمان البارزة......... فعمان باتت جزءاً صغيراً من ذاكرة وسط البلد
ففي ساحة الملك فيصل دخلات صغيرة لها تاريخ يحاكي عمان كدخلة ماضي والحايك نسبة لاشهر محلات بيع الاقمشة في ثلاثينات القرن الماضي ... ودخلة سوق الذهب ودخلة حبيبة ودخلة سفريات طبلت ودخلة رجب خشمان ودخلة شريم ودخلة سينما فلسطين
وعمان ذاكرة حنين لسياسيين كهزاع المجالي ووصفي التل و عبد الحميد شرف وحابس المجالي ومحمد رسول الكيلاني وصلاح ابو زيد ... الخ ومثقفين امثال عبد الرحمن منيف وسليمان عويس وحبيب الزيودي وحيدر محمود ..... وفنانين تغنوا بعمان وغنو لها كنبيل المشيني ورشيدة الدجاني وحسن ابراهيم وعبير عيسى وموسى حجازين وربيع شهاب وزهير النوباني و كوثر النشاشيبي و فريال زمخشري و عائشة التيجاني و مازن القبج و ابراهيم الذهبي و محمد امين وغيرهم من القامات منهم من رحل ومنهم من على قيد الحياة .... واسماعيل خضر باغنيته بلدي عمان وصبري محمود عمان هلالك طالع وفارس عِوَض عمان يا دارة المعزة ... وفيروز عمان في القلب ونجاة الصغيرة ارخت عمان جدائلها
وهناك مفكرون عرب كتبوا عن عمان مثل قسطنطين زريق المفكر المؤرخ السوري واحمد صدقي الدجاني وادونيس وسهيل
ادريس رجل الفقه العربي
فالاحلام لا بد لها ان تتحقق في يوم من الايام وانطلاقاً من بسطة كتب .... فمن منكم قرأ كتاب تدمير الذاكرة للرسام الانجليزي Robert Bevan 1865-1925.