للأسف.. هؤلاء يعشقون الدم!
حسين الرواشدة
جو 24 : كنت فيما مضى قد نبهت الى خطورة “التعبئة” الحماسية التي تحملها بعض الاغاني الوطنية “المسلوقة” وقلت آنذاك بان اثارة العاطفة الوطنية تحت لافتة التحريض على “العنف” ودق العظام وطحن الخصوم واللعب “بالنار” ستدفع شبابنا الى “قبول” فكرة الكراهية وستشجعهم على ممارسة “العنف” وستعبئهم ضد خصوم واعداء “وهميين” ثم سرعان ما يوظفون هذا المخزون باتجاه انفسهم وبعضهم بعضا.
الآن، انتقلت هذه العدوى الى بعض حراكاتنا في الشارع، وقد صدمتني حقا هتافات سمعتها اخيرا في احدى المسيرات تردد: “يا فلان لا تهتم نحن نعشق الدم”، ومع انني لا اريد ان احمّل هؤلاء الشباب الذين دفعتهم الحماسة للدفاع عن زملائهم المسجونين اكثر مما تحتمله “حسن النوايا” وسوء “التعبير” الا انني انبه الى خطورة هذا الخطاب “الشعبي” كما نبهت سلفا الى خطورة الخطاب “الفني” فالخطابان وجهان لعملة واحدة تسربت اليها “لغة” العنف، وهما نتاجان لحالة سياسية واجتماعية وثقافية اخشى ان تترسخ في حياتنا العامة، وان تجد “قبولا” لدى شبابنا الذين وجدوا “الابواب” المشروعة امامهم مغلقة، فاندفعوا للدخول من الشبابيك المحرمة التي غفلنا عن اغلاقها سواء بقصد او بدون قصد.
لا يراودني شك بان خطاب العنف وممارساته التي تصاعدت في مجتمعنا ليست وليدة اللحظة وليست معزولة ايضا عن سياقات سياسية واجتماعية وثقافية ساهمنا جميعا في رعايتها و”صناعتها” وبالتالي فان الذين “يمارسونها” سواء أكانوا هؤلاء الشباب الذين قالوا بانهم “يعشقون الدم” او اولئك النخب الذين صرّحوا اكثر من مرة بأنهم “يفتدون زعماءهم بدمائهم وارواحهم” او كانوا ممن وقفوا امام “الميكروفونات” للتحريض والتقسيم بلغة عنيفة تفوح منها رائحة الكراهية او كانوا من “المسؤولين” الذين استمرأوا الخطابات النارية او لجأوا الى اتخاذ مقررات تزيد من اعباء الناس وتدفعهم الى “جدران” اليأس والعنف والانتقام من انفسهم ومن مجتمعهم، كل الذي ذكرت سلفا وغيرهم مسؤولون عن انتاج “خطاب الدم” هذا الذي يفترض ان نرفضه ونحذر منه وندعو دائما الى “شطبه” من قواميسنا السياسية والشعبية.
اعرف –تماما- ان وراء سطوة مثل هذه “الثقافة” الحماسية المغشوشة اسباب عديدة، منها افتقادنا للقيم التي تبشر “بالحياة” والحرية والتي يمكن ان تجعل شبابنا يهتفون بأنهم “يعشقون الحرية” مثلا او “يعشقون الحياة الكريمة” او ان تجعل نخبنا السياسية تحمل خطاب “افتداء الوطن بالعمل والاخلاص والنظافة” او ان تجعل المسؤول في بلادنا يستشعر في مقرراته “طعم” الكرامة الوطنية وحق الناس في الحياة الكريمة..الخ، ومن الاسباب ايضا غياب “المشروع الوطني” القادر على استيعاب طاقات الناس واستثمارها وتوجيهها في اطار “البناء” لا الهدم، وفي اتجاه الحوار والتفاهم لا الاشتباك والصراع والعنف واستخدام لغة “الروح والدم” ومن الاسباب –ثالثا- غياب الرموز الوطنية الحقيقية التي تحمل للناس “قيم” التمسك بالنضال السلمي والزهد في المكاسب وتلهمهم الى كيفية انتزاع حقوقهم بالوسائل المشروعة لا باستخدام العنف او غيره.
اذا ما استثنينا “خطاب” المعركة مع الاعداء وضد العدوان، هذا يعتمد “التعبئة” والتجييش وتوظيفه رمزية “الفداء” بالروح والدم، فان اية صراعات سياسية داخل الوطن وبين ابنائه مهما كان نوعها او اية حراكات تطالب بانتزاع حقوقها لا يجوز ابدا ان تستلهم هذا الخطاب او ان تستخدمه لانها عندئذ تغامر “بمشروعيتها”، وتتنازل عن حقوقها وتفقد ثقة المجتمع بها، فالعنف والدم حتى وان كانا مجرد شعارات هما وصفة “للصدام” والخراب والدمار ومقدمة خطيرة تقود الجميع الى نتائح كارثية.
لا بأس ان نتعلم من تجارب الاخرين، فما نتابعه من فصول الانقسام في “الميادين” والحروب بين “الاخوة” والتصفيات بين “الخصوم” السياسيين في اكثر من مكان ليس سوى نتيجة لدعوات “المفاصلة” والاقصاء واستخدام خطاب “التلويح” بالافتداء بالارواح والدم، وراء ذلك كله للأسف “اعلام” فقد ضميره المهني ووضع نفسه في خدمة “مشروع” الكراهية والفتنة والتحريض وتعبئة المشاعر والغرائز، ليس ضد “العدو” المحتل وانما ضد ابناء الدين الواحد واللسان الواحد والهدف والمصير الواحد... يا خسارة.
(الدستور)
الآن، انتقلت هذه العدوى الى بعض حراكاتنا في الشارع، وقد صدمتني حقا هتافات سمعتها اخيرا في احدى المسيرات تردد: “يا فلان لا تهتم نحن نعشق الدم”، ومع انني لا اريد ان احمّل هؤلاء الشباب الذين دفعتهم الحماسة للدفاع عن زملائهم المسجونين اكثر مما تحتمله “حسن النوايا” وسوء “التعبير” الا انني انبه الى خطورة هذا الخطاب “الشعبي” كما نبهت سلفا الى خطورة الخطاب “الفني” فالخطابان وجهان لعملة واحدة تسربت اليها “لغة” العنف، وهما نتاجان لحالة سياسية واجتماعية وثقافية اخشى ان تترسخ في حياتنا العامة، وان تجد “قبولا” لدى شبابنا الذين وجدوا “الابواب” المشروعة امامهم مغلقة، فاندفعوا للدخول من الشبابيك المحرمة التي غفلنا عن اغلاقها سواء بقصد او بدون قصد.
لا يراودني شك بان خطاب العنف وممارساته التي تصاعدت في مجتمعنا ليست وليدة اللحظة وليست معزولة ايضا عن سياقات سياسية واجتماعية وثقافية ساهمنا جميعا في رعايتها و”صناعتها” وبالتالي فان الذين “يمارسونها” سواء أكانوا هؤلاء الشباب الذين قالوا بانهم “يعشقون الدم” او اولئك النخب الذين صرّحوا اكثر من مرة بأنهم “يفتدون زعماءهم بدمائهم وارواحهم” او كانوا ممن وقفوا امام “الميكروفونات” للتحريض والتقسيم بلغة عنيفة تفوح منها رائحة الكراهية او كانوا من “المسؤولين” الذين استمرأوا الخطابات النارية او لجأوا الى اتخاذ مقررات تزيد من اعباء الناس وتدفعهم الى “جدران” اليأس والعنف والانتقام من انفسهم ومن مجتمعهم، كل الذي ذكرت سلفا وغيرهم مسؤولون عن انتاج “خطاب الدم” هذا الذي يفترض ان نرفضه ونحذر منه وندعو دائما الى “شطبه” من قواميسنا السياسية والشعبية.
اعرف –تماما- ان وراء سطوة مثل هذه “الثقافة” الحماسية المغشوشة اسباب عديدة، منها افتقادنا للقيم التي تبشر “بالحياة” والحرية والتي يمكن ان تجعل شبابنا يهتفون بأنهم “يعشقون الحرية” مثلا او “يعشقون الحياة الكريمة” او ان تجعل نخبنا السياسية تحمل خطاب “افتداء الوطن بالعمل والاخلاص والنظافة” او ان تجعل المسؤول في بلادنا يستشعر في مقرراته “طعم” الكرامة الوطنية وحق الناس في الحياة الكريمة..الخ، ومن الاسباب ايضا غياب “المشروع الوطني” القادر على استيعاب طاقات الناس واستثمارها وتوجيهها في اطار “البناء” لا الهدم، وفي اتجاه الحوار والتفاهم لا الاشتباك والصراع والعنف واستخدام لغة “الروح والدم” ومن الاسباب –ثالثا- غياب الرموز الوطنية الحقيقية التي تحمل للناس “قيم” التمسك بالنضال السلمي والزهد في المكاسب وتلهمهم الى كيفية انتزاع حقوقهم بالوسائل المشروعة لا باستخدام العنف او غيره.
اذا ما استثنينا “خطاب” المعركة مع الاعداء وضد العدوان، هذا يعتمد “التعبئة” والتجييش وتوظيفه رمزية “الفداء” بالروح والدم، فان اية صراعات سياسية داخل الوطن وبين ابنائه مهما كان نوعها او اية حراكات تطالب بانتزاع حقوقها لا يجوز ابدا ان تستلهم هذا الخطاب او ان تستخدمه لانها عندئذ تغامر “بمشروعيتها”، وتتنازل عن حقوقها وتفقد ثقة المجتمع بها، فالعنف والدم حتى وان كانا مجرد شعارات هما وصفة “للصدام” والخراب والدمار ومقدمة خطيرة تقود الجميع الى نتائح كارثية.
لا بأس ان نتعلم من تجارب الاخرين، فما نتابعه من فصول الانقسام في “الميادين” والحروب بين “الاخوة” والتصفيات بين “الخصوم” السياسيين في اكثر من مكان ليس سوى نتيجة لدعوات “المفاصلة” والاقصاء واستخدام خطاب “التلويح” بالافتداء بالارواح والدم، وراء ذلك كله للأسف “اعلام” فقد ضميره المهني ووضع نفسه في خدمة “مشروع” الكراهية والفتنة والتحريض وتعبئة المشاعر والغرائز، ليس ضد “العدو” المحتل وانما ضد ابناء الدين الواحد واللسان الواحد والهدف والمصير الواحد... يا خسارة.
(الدستور)