jo24_banner
jo24_banner

فقراء العراء .. أثرياء الانفاق !!

حاتم الأزرعي
جو 24 :

تصدر عنوان "دراسة أوضاع الفقراء في الأردن والتحقق من أحوالهم بتقنية الـ GPS"، وسائل الإعلام، وللوهلة الاولى اعتقدت انه عنوان إثارة لمادة اعلامية هزلية حول اداء الحكومة على صعيد التصدي لظاهرة الفقر المتفشي في المجتمع ،والمنتشر في جسده كما السرطان .

واثار العنوان فضولي لاواصل قراءة الخبر ، وكم كانت دهشتي في التفاصيل ، فهو خبر جدي جدا لا هزل فيه او مزاح او استهزاء او نكته ، وكيف يكون اي من ذلك ، والجهة التي بثته ،وكالة الأنباء الاردنية ،ومنسوب الى مدير عام صندوق المعونة الوطنية .

وبمنتهى التفاخر جاء في الخبر ان صندوق المعونة الوطنية اطلق تطبيق حكومي شامل هو "الاول" على مستوى العالم ‐ وفقا للمصدر ‐ لدراسة الحالة الاجتماعية للأسر الفقيرة والمحتاجة عن بعد، من خلال نظام آندرويد باسم " NAF Visit ".

وفي تصريحه لوكالة الأنباء الأردنية "بترا " قال مدير عام صندوق المعونة الوطنية عمر المشاقبة : " إن الهدف من التطبيق التسهيل على المواطنين، وتطوير أداة التحقق الميداني عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة المتاحة، ليتم استخدامها بأي مكان، وفي البيئة الافتراضية، والتفاعل معها من قبل طالبي الخدمة، وبحد أدنى من المهارات والإمكانيات التكنولوجية".

ولست اعرف لماذا يريد صندوق المعونة الوطنية اللجوء إلى دراسة الحالة الاجتماعية بهذه الطريقة عن بعد ، لا سيما انها لن تكون بديلًا عن الزيارات الوجاهية التي يجريها موظفو الصندوق، وفقا للمشاقبة ، الذي يشير الى انه سيكون للتطبيق "أثر كبير بتقليص وقت الحصول على الخدمة" واجزم ان هذا السبب ليس كافيا لتبرير اللجوء للتطبيق وإن كان مجانيا كما يريد الصندوق ان يطمئن الفقراء !!.

وينطبق على الصندوق المثل القائل "اللي على راسه بطحة بتحسسها " ،اذ يدرك القائمون عليه ان التطبيق يشكل انتهاكا للخصوصية ولذلك فأنهم يستبقون الامور بإدعاء انه "يحفاظ على السرية المطلقة للبيانات التي يتم جمعها " .

وحقيقة الامر ان التطبيق يشكل انتهاكا صارخا لخصوصية العائلات الفقيرة ،لا بل انه يغوص في تفاصيل حياتهم داخل بيوتهم خلف الجدران التي تستر جوعهم وعطشهم للحياة الحرة الكريمة بعيدا عن عيون الناس ،حفاظا على مشاعر اطفالهم على اقل تقدير !! .

وكيف نقتنع بان التطبيق يحافظ على الخصوصية والسرية المطلقة ،في الوقت الذي سيقوم " بأخذ موقع الأسرة الجغرافي من خلال GPS " لا بل ابعد من ذلك ان الدراسة الاجتماعية "ستسجل بالفيديو والصوت " أثناء إجراء الزيارة الافتراضية ،وكذلك "أخذ الصور الثابتة والمتحركة للبيئة الداخلية والخارجية التي تعبر عن حاجة وفقر الأسرة " كما ورد على لسان مدير عام الصندوق !؟ .

ومن خلال التطبيق سيتم أخذ صور للوثائق المعززة للدراسة الاجتماعية التي ستقدمها الأسرة أثناء إجراء الزيارة الافتراضية وتخزينها على قواعد البيانات للاحتفاظ بها كمرجع .

وسيبقى التطبيق عين الحكومة التي لا تغفو او تغفل " للتعرف على أوضاع الأسر المحتاجة التي تقدمت بطلبات للاستفادة من برامج الصندوق المختلفة، وللتعرف على أوضاع الأسر المحتاجة في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، وأثناء فترة الإغلاقات، وسيستفاد منه في ذات الوقت بمواصلة ومتابعة التحقق من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية للأسر المنتفعة ".

اذا بعد اليوم ، سيكون الفقراء تحت عين الحكومة وبصرها ، تتابع عن كثب حالتهم الاجتماعية ، تراقب على مدار الساعة ،ليس بيئتهم الخارجية فحسب ،وانما الداخلية ايضا ،كل كيس يدخل البيت سيكون تحت مجهر الحكومة ، ومحال ان يفلت من رقابتها الصارمة ،وبالتالي لن يستطيعوا خداع الحكومة إن هم تغيرت أحوالهم وتحسنت !!.

وللحقيقة فأنني مع توظيف التكنولوجيا الحديثة ، ولست ضد استخدامها اذا كانت تسهل حياة الانسان وتجعلها اكثر يسرا ، وفي حياتنا العديد من المجالات التي تحتاج للتطوير والتحديث ،ويمكن لاساليب التكنولوجيا ان تسرع في احداث التغيير نحو الافضل ، ولا اعتقد ان اجراء الدراسات الاجتماعية للاسر الفقيرة والمحتاجة يشكل اولوية ، في المدى القصير ولا حتى على المدى البعيد .

اما اذا كانت الحكومة جادة ومعجبه بالتطبيق فإن ما يجب ان تعرفه من خلاله ليس حال الفقراء والمحتاجين ، فهولاء في العراء جوعهم وعطشهم واضح وضوح الشمس ،والكل يراه الحكومة واجهزتها، وحتى الناس العاديين ، لكن ما تحتاجه الحكومة ان تراقب الفاسدين والسارقين والناهبين والعابثين بالبلد ومقدراته.

وعليه اقترح على الحكومة ان تترك الفقراء بحالهم ،بعيدا عن ابداعها في استخدام التكنولوجيا ، وان توجهها وتوظفها في متابعة وملاحقة الأثرياء والأغنياء، للتعرف على مقدار ثرواتهم ومصادرها واوجه انفاقها ، والانفاق التي تهربها عبرها خارج الوطن !!.

فيا حكومة العبث ، فقرنا تعرفينه ،لا بل انت من صناعه ،ولست بحاجة الى تكنولوجيا حديثه لكشف مدى تغلغله فينا ، فهو تحت سمعك وبصرك ، لا يحتاج الى GPS او غيره من مسميات التكنولوجيا الحديثه للتعرف على المبتلين به وضحاياه ومتابعتهم وترصدهم لمنحهم الفتات تحت مسمى معونة لا تسمن او تغني من جوع !!.

ما يحتاج الناس اليوم لمعرفته وكشفه وتعريته بأخذ الصور الثابتة والمتحركة للبيئة الداخلية والخارجية عبر هذه التقنيات هو حال الاغنياء ،اذ منهم في بلدي اقل من الف ينامون على (٢٠) مليار دولار ، وينام شعب كامل على مديونية (٤٤) مليار دولار ،وتريد الحكومة تتبع الفقراء ، ووضعهم تحت مجهرها تحت اسم( NAF Visit )ويفلت الاغنياء بألاموال المنهوبة والمسلوبة دون حسيب او رقيب، كفى عبثا ، فقد سئمنا!! .
 
تابعو الأردن 24 على google news