jo24_banner
jo24_banner

"حديقة الابداع" .. أم مقبرته ؟!

حاتم الأزرعي
جو 24 :

مما لا شك فيه ان الابداع بشتى اشكاله والوانه ، يعتبر المفتاح الحقيقي لولوج بوابة التطور الحضاري والتقدم الاقتصادي والاجتماعي ، ودفع عجلة التنمية الشاملة المستدامة، لتحقيق اهدافها وغاياتها المتمثلة في رفاه الانسان وتلبية حاجاته الرئيسة .

والإبداع ليس ترفاً، بل انه ضرورة حتمية للبقاء، ولا يتحقق بالاماني والدعوات وصلوات الامهات وتضرعاتهن، بل بالدعم المادي والمعنوي ، وتخصص الدول المتقدمة اموالا طائلة لتشجيع الابداع ، ودعمه والأخذ بيد المبدعين ورعايتهم وتوفير البيئة الانسب لاطلاق طاقاتهم الإبداعية .

ولست هنا بصدد التنظير للإبداع وشروطه ومقومات اسناده وأساليب غرسه في المجتمع لقطقف ثماره ،لكنني اود الحديث عن حديقته في عمان التي باتت معلما بارزا يشي بوضوح لتعاطي الدولة مع الابداع ، ونموذجا لالية تفكير اصحاب القرار وأساليب عملهم وابداعهم في الخداع ، حين يحتفون بإنجازات الوهم امام عدسات الكاميرات !! .

وللحقيقة فقد دفع "حديقة الابداع "، وجعلها حاضرة في الذاكرة ، تداول وسائل الاعلام لخبر عزم الكاتب الأردني غطاس صويص بيع مكتبته الخاصة ، "لضيق ذات اليد" ، وقبله بوقت قصير صرخة متعب السقار ومناشدته بتوفير سبل علاجه ،وكلاهما شواهد حية على الحال السيء الذي وصل اليه الابداع في بلدنا .

ونزيه أبو نضال (غطاس صويص ) شغل منصب مدير عام الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وغيره من المواقع الاعلامية والثقافية ،ومن منا لا يعرف السقار وصوته المتعب (بضم الميم) ويتألم لصرختة الباكية المدوية " اه يا بلد " ؟!.

وعود على بدء ، تقع ( حديقة الإبداع) على يمين شارع الاردن باتجاه شمال المملكة ، وقد افتتحت في احتفال مهيب عام ٢٠١٦ لتكون" مشروعاَ تكريمياَ للمبدعين الأردنيين في شتى الحقول الإبداعية ومساهمة في تخضير عمان للأجيال القادمة" ،وفقا لتصريحات المسؤولين انذاك .

وتقوم فكرة الحديقة على تخصيص شجرة لكل مبدع يقوم هو إن كان حياَ أو عائلته إن كان ميتاَ بزراعتها، وتتولى وزارة الثقافة حفر اسمه على لوحة حجرية توضع أسفل الشجرة ليتعرف عليها ويقوم برعايتها.

وكالعادة حين تحتفل الحكومات بانجازاتها ، حضر مسؤولوا الدولة بكامل اناقتهم وزهوهم بالمناصب ،وكشفت ابتساماتهم المزيفة المصطنعة لغايات التصوير عن اسنان ناصعة البياض ، وعبروا عن احتفاء الدولة بالابداع والمبدعين،باروع العبارات واكثرها جزالة في مثل هذا المقام الاحتفالي الانيق !!.

وشرب المبدعون الاحياء المقلب ،وعبروا امام عدسات الكاميرات عن فرحتهم الغامرة بالتكريم، وسقت دموع فرحهم بالاحتفاء شتل ابداعهم ليرعل فيخلدهم التاريخ ،ولم يدر بخلدهم ،إن المسألة لا تعدو ان تكون مجرد احتفال مسرحي ،امام عدسات الكاميرات لتسويق اكذوبة رعاية الابداع والمبدعين،وان الاشجار التي يسقونها ، حالها من حال الابداع في بلدنا، ميتة لا محالة!!.

وهنا اود ان اقتبس من تصريحات سابقة لوزيرة الثقافه التي اقيمت في عهدها الحديقة، اذ تقول الدكتورة لانا مامكغ : "أتحاشى المرور من شارع الأردن .. كي لا أرى حالة الحديقة المزرية ” .

نشر الزميل والصديق العزيز الاعلامي مالك عبيدات على صفحته الخاصة "البعر يدل على البعير" ،ورغم انني لا اعرف ما بقلبه في تلك اللحظة ،الا انني استعير "البوست" لاسقطه على الابداع الذي تدل حديقته في عمان على مدى حالته المزرية .

نعلم ان البلد يمر بضائقة مالية ،وان موازنته تعاني عجزا كبيرا ، ولهذا لن نطلب من الحكومة دعم الابداع ، وانما على اقل تقدير ،ان توفر لحديقته اسباب الحياة ، فهي اشبه ما تكون بالمقبرة ، يقرأ كل من يمر من شارع الاردن الفاتحة على روح الابداع والثقافة !! .

السؤال الملح اليوم ،هل تبادر الجهات المعنية الى بعث الحياة في جسد الحديقة الميت ؟! وإن فعلت نأمل ان يكون ذلك بمنتهى الصدق لا مجرد حركة دعائية امام عدسات الكاميرات ،كما هو النهج ،الذي يأبى ان يتغير ، فما احوجنا اليوم الى مشاهد تبث الحياة في نفوسنا التي اتعبها الموت الرخيص الذي يفرضه الفيروس اللعين باشكاله الاصلية والمتحورة !!.
 
تابعو الأردن 24 على google news