محاولات «القبض» على الإسلام السياسي
حسين الرواشدة
جو 24 : يبدو ان “رأس” الاسلام السياسي اصبح مطلوبا، لكن السؤال: هل يستسلم “الاسلاميون” لهذا الواقع المفروض ثم يعودون الى حيث كانوا، سواء تحت الارض او بالمشاركة على هامش اللعبة السياسية؟ وبهذا يتكيفون مع المخطط المرسوم لهم، ام انهم سيدافعون عن انجازهم ويصرون على الامساك بالسلطة او استعادتها حتى لو كان الثمن باهضا؟
تجربة الاسلام السياسي مرّت حتى الآن بمرحلتين: احداهما مرحلة الصدام مع الانظمة الحاكمة ومشاغلتها سياسيا، حيث تعرض الاسلاميون في هذه المرحلة “لموجات” من العنف والاقصاء والتهميش والتشويه واستطاعوا حينئذ ان “يخترقوا” الجدران الاجتماعية من خلال “العمل الدعوي والخيري” وضمنوا ما يلزم من “خزانات” لأصوات المهمشين –امثالهم- ومن تعاطف جرّاء “المظلومية” التي استثمروها في توجيه الخطاب الديني نحو استمالة الجمهور او جرّاء الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها انظمة الحكم تجاه الناس.
في هذه المرحلة كان الاسلاميون يمارسون العمل السياسي من بوابة الخيارات وهي –بالطبع- غير محدودة ولا يمكن محاسبتهم عليها، لكنهم نتيجة “ضعف” تجربتهم وتغييبهم عن ممارسة الحكم لم ينتبهوا الى “الاضطرارات” التي يواجهها من ينخرط في العمل السياسي، ولذلك ظل فقه العمل السياسي لديهم “ضامرا” ومحصورا في الاجابة على اسئلة الخيارات فيما ظلت اسئلة الاضطرارات معلقة بلا اجابة.
اما المرحلة الثانية من تجربة الاسلاميين في السياسة فقد ولدت من رحم “الثورات” والتحولات التي شهدها عالمنا العربي والاسلامي في السنوات الخمس الماضية ومع ان “الاتراك” مثلا نجحوا نسبيا في تقديم اداء سياسي حاز على رضى اغلبية المجتمع الا ان تجربتهم في مصر ونسبيا في تونس لم تحض بقبول اغلبية الناس التي انتخبتهم وبالتالي اتسمت هذه المرحلة بمحاولة “اثبات” الوجود وفرض “واقع الامر” على الجمهور الذي ادلى لهم بأصواته في الصناديق، لكنها اتسمت ايضا من جهة اخرى بعيدة وربما مرسومة من قبل خصومهم في الداخل والخارج بمحاولة “ترويضهم” واختبارهم لاثبات عدم “اهليتهم” لممارسة السياسة من جهة وبسهولة اخراجهم من المشهد العام ثانيا، ومع انهم حاولوا ان “يتكيفوا” مع شروط الديمقراطية كما فهموها الا انهم لم يحظوا بالقبول والاستمرار فتم استدراجهم الى “صراعات” استنزفت قوتهم كما تم استثمار اخطائهم وصولا الى الانقلاب عليهم كما حدث في مصر او التجهيز “لطردهم” من الحكم كما يجري الآن في تونس وربما تركيا ايضا.
بعد مرحلتي “الصدام” و”الترويض” جاءت الآن المرحلة الثالثة وهي مرحلة “القاء القبض” على الاسلام السياسي ومعاقبته وهذه مفتوحة على احتمالين: احدهما ان يقبل “الاسلاميون” بالمواصفات الديمقراطية المطلوبة اقليميا وغربيا، وان يرضخوا “لشروطها” ويلتزموا تماما بتنفيذ استحقاقاتها، وبالتالي يمكن البحث من داخلهم عن “اسلام سياسي” بديل يرشح لتسيد المشهد من جديد. اما الاحتمال الاخر فهو ان يصروا على “خيارهم” ويرفضوا التسليم لمحاولة القبض عليهم، وبالتالي سيواجهون المصير الذي عايشوه في المرحلة الاولى.
مشكلة هذا التصور الذي انتقل من دائرة الترويج الى دائرة التنفيذ انه يفترض بان “الاسلام السياسي” لا يحظى بقاعدة جماهيرية ولا يستند الى “قيم” دينية واخلاقية وليس له رصيد كاف لدى الجماهير ويسهل بالتالي “استئصاله” من المجتمع او شطبه من المعادلات السياسية، وذلك قياسا على تجربة “الاحزاب الدينية” في الغرب التي خرجت من “تربة” مختلفة تماما عن “تربة” مجتمعاتنا التي ما يزال الدين فيها احد وأهم مكوناتها وبواعثها الحضارية ايضا.
كما ان مشكلة هذا التصور انه يفترض بان وعي الشعوب العربية وتوافقها على “مشتركات” اساسية من اهمها العداء لاسرائيل ومواجهة المشروع الغربي الذي يساندها والتشوق للحرية والكرامة والاستقلال، هذا الوعي ما زال كما كان في السابق وبالتالي فانه من الممكن “ايجاد” بديل للاسلام السياسي يقبل بالتنازل عن هذه المشتركات او خلق “اسلام سياسي جديد” يتكيف مع هذه الخطوط الحمراء غير المسموح تجاوزها.
اذا اضفنا لذلك ايضا ان محاولة “القبض” على الاسلام السياسي من قبل الآخر غالبا ما تفهم في سياق محاولات “اقصاء” الاسلام كدين ومنعه من حكم الناس الذين يتصاعد طلبهم عليه، وتصب اصواتهم في الصناديق لمن يمثله فان مثل هذا التصور لن يكتب له النجاح ربما يفوز في جولة او اكثر لاسباب مرتبطة “بالقوة والقهر وتوظيف امكانيات الدول واعلامها” لكنه في النهاية سيصطدم “بالشعوب” وخياراتها الجديدة ووعيها الذي اصبح مفتوحا على الحرية والكرامة ورفض العبودية والتبعية والتنازل عن الحقوق.
الدستور
تجربة الاسلام السياسي مرّت حتى الآن بمرحلتين: احداهما مرحلة الصدام مع الانظمة الحاكمة ومشاغلتها سياسيا، حيث تعرض الاسلاميون في هذه المرحلة “لموجات” من العنف والاقصاء والتهميش والتشويه واستطاعوا حينئذ ان “يخترقوا” الجدران الاجتماعية من خلال “العمل الدعوي والخيري” وضمنوا ما يلزم من “خزانات” لأصوات المهمشين –امثالهم- ومن تعاطف جرّاء “المظلومية” التي استثمروها في توجيه الخطاب الديني نحو استمالة الجمهور او جرّاء الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها انظمة الحكم تجاه الناس.
في هذه المرحلة كان الاسلاميون يمارسون العمل السياسي من بوابة الخيارات وهي –بالطبع- غير محدودة ولا يمكن محاسبتهم عليها، لكنهم نتيجة “ضعف” تجربتهم وتغييبهم عن ممارسة الحكم لم ينتبهوا الى “الاضطرارات” التي يواجهها من ينخرط في العمل السياسي، ولذلك ظل فقه العمل السياسي لديهم “ضامرا” ومحصورا في الاجابة على اسئلة الخيارات فيما ظلت اسئلة الاضطرارات معلقة بلا اجابة.
اما المرحلة الثانية من تجربة الاسلاميين في السياسة فقد ولدت من رحم “الثورات” والتحولات التي شهدها عالمنا العربي والاسلامي في السنوات الخمس الماضية ومع ان “الاتراك” مثلا نجحوا نسبيا في تقديم اداء سياسي حاز على رضى اغلبية المجتمع الا ان تجربتهم في مصر ونسبيا في تونس لم تحض بقبول اغلبية الناس التي انتخبتهم وبالتالي اتسمت هذه المرحلة بمحاولة “اثبات” الوجود وفرض “واقع الامر” على الجمهور الذي ادلى لهم بأصواته في الصناديق، لكنها اتسمت ايضا من جهة اخرى بعيدة وربما مرسومة من قبل خصومهم في الداخل والخارج بمحاولة “ترويضهم” واختبارهم لاثبات عدم “اهليتهم” لممارسة السياسة من جهة وبسهولة اخراجهم من المشهد العام ثانيا، ومع انهم حاولوا ان “يتكيفوا” مع شروط الديمقراطية كما فهموها الا انهم لم يحظوا بالقبول والاستمرار فتم استدراجهم الى “صراعات” استنزفت قوتهم كما تم استثمار اخطائهم وصولا الى الانقلاب عليهم كما حدث في مصر او التجهيز “لطردهم” من الحكم كما يجري الآن في تونس وربما تركيا ايضا.
بعد مرحلتي “الصدام” و”الترويض” جاءت الآن المرحلة الثالثة وهي مرحلة “القاء القبض” على الاسلام السياسي ومعاقبته وهذه مفتوحة على احتمالين: احدهما ان يقبل “الاسلاميون” بالمواصفات الديمقراطية المطلوبة اقليميا وغربيا، وان يرضخوا “لشروطها” ويلتزموا تماما بتنفيذ استحقاقاتها، وبالتالي يمكن البحث من داخلهم عن “اسلام سياسي” بديل يرشح لتسيد المشهد من جديد. اما الاحتمال الاخر فهو ان يصروا على “خيارهم” ويرفضوا التسليم لمحاولة القبض عليهم، وبالتالي سيواجهون المصير الذي عايشوه في المرحلة الاولى.
مشكلة هذا التصور الذي انتقل من دائرة الترويج الى دائرة التنفيذ انه يفترض بان “الاسلام السياسي” لا يحظى بقاعدة جماهيرية ولا يستند الى “قيم” دينية واخلاقية وليس له رصيد كاف لدى الجماهير ويسهل بالتالي “استئصاله” من المجتمع او شطبه من المعادلات السياسية، وذلك قياسا على تجربة “الاحزاب الدينية” في الغرب التي خرجت من “تربة” مختلفة تماما عن “تربة” مجتمعاتنا التي ما يزال الدين فيها احد وأهم مكوناتها وبواعثها الحضارية ايضا.
كما ان مشكلة هذا التصور انه يفترض بان وعي الشعوب العربية وتوافقها على “مشتركات” اساسية من اهمها العداء لاسرائيل ومواجهة المشروع الغربي الذي يساندها والتشوق للحرية والكرامة والاستقلال، هذا الوعي ما زال كما كان في السابق وبالتالي فانه من الممكن “ايجاد” بديل للاسلام السياسي يقبل بالتنازل عن هذه المشتركات او خلق “اسلام سياسي جديد” يتكيف مع هذه الخطوط الحمراء غير المسموح تجاوزها.
اذا اضفنا لذلك ايضا ان محاولة “القبض” على الاسلام السياسي من قبل الآخر غالبا ما تفهم في سياق محاولات “اقصاء” الاسلام كدين ومنعه من حكم الناس الذين يتصاعد طلبهم عليه، وتصب اصواتهم في الصناديق لمن يمثله فان مثل هذا التصور لن يكتب له النجاح ربما يفوز في جولة او اكثر لاسباب مرتبطة “بالقوة والقهر وتوظيف امكانيات الدول واعلامها” لكنه في النهاية سيصطدم “بالشعوب” وخياراتها الجديدة ووعيها الذي اصبح مفتوحا على الحرية والكرامة ورفض العبودية والتبعية والتنازل عن الحقوق.
الدستور